«إكسترا نيوز»: ضخ استثمارات بجامعات شمال وجنوب سيناء بقيمة 23 مليار جنيه    يديعوت أحرنوت: خطط الحكومة لشن هجوم على رفح تهدف للضغط على حماس في ملف مفاوضات تبادل المحتجزين    عاجل| رئيس "مجلس النواب الأمريكي" يدافع عن إسرائيل بعد "مقتل أطفال غزة"    أخبار مصر: زيادة أسعار سجائر وينستون وكامل وجولدن كوست، محافظة جديدة تنظم لمقاطعة الأسماك، وقف خدمات الكاش بشركات المحمول    نمو إيرادات فورد وتراجع أرباحها خلال الربع الأول    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    اعرف أسعار الذهب اليوم 25 أبريل وتوقعات السعر الأيام المقبلة    موعد مباراة أهلي جدة والرياض اليوم في دوري روشن السعودي والقناة الناقلة    اليوم.. طقس شديد الحرارة نهارًا ورياح مثيرة للرمال وأتربة عالقة    شكرًا على حبك وتشجيعك.. ريهام عبدالغفور ترثي والدها الفنان الراحل بكلمات مؤثرة    ضرب نار في أسعار الفراخ والبيض اليوم 25 أبريل.. شوف بكام    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    حزب الله يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية مختلفة    ارتفاع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 25 إبريل 2024    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    «عمال البناء والأخشاب» تهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بذكرى تحرير سيناء    اضبط ساعتك.. موعد بدء التوقيت الصيفي في مصر 2024| وطريقة تغيير الوقت    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    ب86 ألف جنيه.. أرخص 3 سيارات في مصر بعد انخفاض الأسعار    محافظ المنيا: 5 سيارات إطفاء سيطرت على حريق "مخزن ملوي" ولا يوجد ضحايا (صور)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    «الاستثمار» تبحث مع 20 شركة صينية إنشاء «مدينة نسيجية»    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن الترشح لفترة رئاسية ثانية    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات علي قضية زيادة الحد الأدني للأجور‮!‬
نشر في الوفد يوم 20 - 11 - 2010

أصدرت محكمة القضاء الإداري‮ حكمها بإلزام رئيس الوزراء بتنفيذ الحكم السابق صدوره في‮ 30‮ مارس من هذا العام‮ (‬2010‮) بوضع حد أدني لأجور العاملين بالدولة والقطاع الخاص وذلك لمواجهة الارتفاع المستمر في‮ تكلفة المعيشة‮.
وبذلك أصبحت قضية الحد الأدني للأجور تحتل أهمية خاصة بالنظر إلي تجمده عند مستوي خمسة وثلاثين جنيهاً‮ شهرياً‮ منذ صدر القانون رقم‮ 53‮ لسنة‮ 1984‮ وعدم مراجعة هذا الحد حتي الآن‮. وبرغم أن قانون العمل رقم‮ 12‮ الصادر عام‮ 2003،‮ قد نص علي العلاوات السنوية بحيث لا تقل عن‮ 7٪‮ من الأجر الأساسي،‮ مما جعل الحد للأجور‮ يصل في‮ 2008‮ شاملاً‮ الأجر الأساسي‮ والعلاوات الدورية والزيادات السنوية المتراكمة إلي‮ 394‮ جنيهاً‮ في‮ القطاع الحكومي‮ [‬العاملين في‮ الدرجة السادسة‮]‬،‮ 154‮ جنيهاً‮ في‮ القطاع الخاص بمتوسط‮ 274‮ جنيهاً‮ شهرياً،‮
‬إلا أنه‮ " يعد منخفضاً،‮ بل ويقل عن خط الفقر وعن نصف متوسط الأجور السائدة‮" كما تؤكد دراسة أعدها دكتور سمير رضوان وأصدرها مركز المعلومات،‮ ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في‮ شهر أكتوبر الحالي‮.‬ ولكن المجلس الأعلي للأجور خيب آمال ملايين العاملين واتحاد العمال وكل المهتمين بضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وتأكيد السلام الاجتماعي‮ للوطن حين قرر زيادة الحد الأدني للأجور إلي‮ 400‮ جنيهاً‮ للعاملين بالقطاع الخاص فقط دون العاملين بالدولة أو القطاع العام وقطاع الأعمال العام‮.
وكما أوضحت صحف الجمعة‮ 29‮ أكتوبر أن ممثلي‮ اتحاد العمال تضرروا من أن وزير الدولة للتنمية الاقتصادية وممثلي‮ رجال الأعمال تعاونوا علي وأد مقترحاتهم بزيادة الحد الأدني للأجور إلي‮ 1200‮ جنيه شهري،‮ وأوضحوا أن مبلغ‮ الأربعمائة جنيه لا تكفي‮ الأسرة لاستيفاء احتياجاتها الأساسية في‮ ظل ارتفاع الأسعار الذي‮ يشمل كل السلع والخدمات الأساسية ويواصل الارتفاع من‮ غير تدخل جاد من قبل الدولة لتحجيمه‮.‬ وسيكون عدم الاستقرار في‮ قطاعات العاملين واستمرار الكثيرين منهم في‮ تصعيد مطالبهم وتكرار الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات نتيجة مباشرة لهذا الاختلاف بين تقدير المجلس الأعلي للأجور للحد الأدني وبين مطالب اتحاد العمال وكثير من الأحزاب والقوي المساندة لحقوق العمال والساعين إلي إقرار قواعد تؤمن العدالة الاجتماعية وتقرب الفوارق بين مستويات الأجور في‮ الدولة وقطاعات الاقتصاد الوطني‮.
ويكفي‮ أن نذّكر باعتراض آلاف العاملين في‮ مراكز المعلومات بالمحليات علي تدني‮ المكافآت التي‮ يحصلون عليها والتي‮ تتراوح بين‮ 99‮ و300‮ جنيهاً،‮ وكذا الأوضاع‮ غير المستقرة للعاملين الإداريين بوزارة التربية والتعليم بل وكثير من المعلمين‮ ،‮ فضلاً‮ عن آلاف العاملين بالدولة وهيئاتها من الأطباء والممرضات والعاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية‮. وحتي الفنانون في‮ فرق الموسيقي العربية العاملون بالأوبرا المصرية اعتصموا وهددوا بعدم المشاركة في‮ مهرجان الموسيقي العربية الأسبوع القادم إذا لم تتحسن رواتبهم وأوضاعهم الوظيفية‮.‬ وتنبع أهمية مسألة تحديد حد أدني للأجور من أن أغلب المصريين‮ يعتمدون علي الأجر كمصدر رئيس لدخولهم حيث بلغت نسبتهم في‮ عام‮ 2009‮ حوالي‮ 61٪‮ منهم‮ 41٪‮ في‮ القطاع الحكومي‮ و27٪‮ في‮ القطاع الخاص‮. كما كانت الأجور تمثل‮ 72٪‮ من مجموع دخل الأسر في‮ 2008‮/‬2009.‬ من ناحية ثانية‮ يهتم أصحاب الأعمال بتحديد الأجور عند المستويات التي‮ يرونها عادلة من وجهة نظرهم لضمان بقاء تكلفة الإنتاج في‮ مستوي‮ يسمح بقدرة تنافسية معقولة باعتبار أن الأجر‮ يعتبر من أهم بنود تكلفة الإنتاج‮.
ولكن عند تناول مشكلة تحديد الحد الأدني للأجور بصفة خاصة ورسم سياسات الأجور بصفة عامة،‮ فإنه‮ يجب الأخذ في‮ الحسبان أن للأجر وجهين،‮ فهو من جانب عنصر تكلفة‮ [‬وإن كانت نسبته إلي إجمالي‮ قيمة الإنتاج منخفضة إذ بلغت‮ 8‮ ٪‮ في‮ 2008‮]. ومن ناحية أخري فالأجر عنصر حافز علي زيادة الإنتاجية وتحسين الإنتاج ورفع مستويات الجودة الأمر الذي‮ يؤدي‮ بالضرورة إلي تخفيض التكلفة النسبية لوحدة الإنتاج،‮ ومن ثم‮ يسهم في‮ تحسين العائد علي راس المال وأرباح أصحاب الأعمال كما‮ يحقق رضا العاملين وتحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية‮.‬ كما تستخدم الحكومات النابهة والذكية سياسة الأجور في‮ إعادة توزيع العمالة بين قطاعات الاقتصاد الوطني‮ برفعها في‮ القطاعات الواعدة المطلوب توجيه العمالة إليها،‮ وتجميدها أو خفضها في‮ القطاعات المطلوب تقليصها في‮ المجتمع‮. لذلك نري الدستور في‮ المادة‮ 23‮ ينص علي ربط الأجر بالانتاج ووضع حد أدني للأجور وحد أعلي‮ يكفل تقريب الفوارق بين الدخول‮.‬
وبسبب إدراكنا لأهمية عنصر الأجر وحده الأدني في‮ تأمين مستوي معيشة‮ يكفل للمواطن وأسرته إشباع حاجاته الأساسية وعند حد الكفاف،‮ فإنه لا‮ يعقل أن‮ يترك تحديده لقوي السوق كما‮ يطالب أصحاب الأعمال ومؤيدي‮ سياسة الاقتصاد الحر بتأثير الأفكار الرأسمالية ووصفات البنك الدولي‮ وصندق النقد الدولي‮. بل‮ يجب أن‮ يكون للدولة صوت مسموع في‮ هذه القضية ممثلة في‮ المجلس الأعلي للأجور وغيره من الأجهزة المختصة بإدارة الاقتصاد الوطني‮ لضمان تحقيق أهداف النمو الاقتصادي‮ والعدالة الاجتماعية،‮ وهي‮ مسئولية تبدو الدولة وكأنها قررت الانسحاب منها‮. ففي‮ الوقت الذي‮ يجب فيه أن تتحرك‮ الأجور كنسبة من الناتج المحلي‮ الإجمالي،‮ إذ بها تنخفض في‮ مصر حتي وصلت إلي‮ 27٪‮ في‮ عام‮ 2006‮/‬2007‮ بعد أن كانت‮ 36٪‮ تقريبا في‮ 1980‮/‬1981‮ ووصلت في‮ عام‮ 1991‮/‬1992‮ إلي‮ 21٪‮ تقريبا،‮ وقد ارتفعت هذه النسبة في‮ 99‮/‬2000‮ - 06‮/‬2007‮ ثم عادت إلي الانخفاض.‬ وقد‮ يقال إن الأجور في‮ مصر منخفضة نتيجة انخفاض انتاجية العمل،‮ ولكن العامل ليس هو المحدد الوحيد للإنتاجية إذ تتدخل عوامل مهمة لا شأن له بها مثل نمط وكفاءة الإدارة،‮ نوع التقنية المستخدمة وحجم الاستثمار في‮ تطوير التقنيات وأساليب العمل،‮ والتعليم والتدريب المهني‮ المتاح للعامل وظروف أداء العمل ومدي جودتها ومساعدتها علي تحسين الإنتاجية‮.‬
وفي‮ ضوء كل ما سبق،‮ تطرح اقتراحات مهمة لزيادة الحد الأدني للأجور تزيد عما قرره المجلس الأعلي للأجور،‮ منها أن‮ يكون الحد الأدني مساوياً‮ 50٪‮ من متوسط الأجور الشهرية في‮ الحكومة والقطاعين العام والأعمال العام وهو ما‮ يصل به إلي‮ 312‮ جنيهاً‮ تزيد إلي‮ 682‮ جنيهاً‮ بعد أخذ معدل التضخم في‮ الاعتبار‮. وثمة اقتراح ثان بأن‮ يتحدد الحد الأدني علي اساس خط الفقر في‮ 2005‮ ليصل إلي‮ 615‮ جنيهاً‮ لأسرة من‮ 4‮ أفراد‮. واقتراح ثالث أن‮ يصل الحد الأدني للأجور إلي‮ 840‮ جنيهاً‮ شهرياً‮ بتقدير تكاليف المعيشة‮. وتتفاوت التقديرات وأسس التوصل إليها،‮ ولكنها جميعاً‮ تزيد عما‮ قرره المجلس الأعلي للأجور حيث أنها تلتزم بمنطق أن هذه التقديرات المقترحة والتي‮ يصل بعضها إلي‮ 1200‮ جنيه وأكثر هي‮ ما‮ يضمن للمواطن العامل ما‮ يكفيه للحصول علي الاحتياجات الأساسية للمعيشة له ولأسرته في‮ حدها الأدني المقبول في‮ ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة،‮ والذي‮ يمّكنه من مواجهة ارتفاع الأسعار وتزايد نفقات المعيشة‮.
ونحن نري أن ما‮ يطالب به المجتمع العمالي‮ من مساواة الحد الأدني للأجور بخط الفقر للفرد سنويا بأسعار‮ 2008‮ أي‮ 1968‮ جنيهاً‮ سنوياً‮ [‬أو‮ 164‮ جنيهاً‮ شهرياً‮] هو الأقرب إلي الواقع ويكون الحد الأدني للأجر للفرد باعتباره مسئولاً‮ عن أسرة من‮ 4‮ أفراد في‮ هذه الحالة‮ 656‮ جنيهاً‮ شهرياً‮ فإذا أخذنا في‮ الاعتبار أن معدل التضخم منذ‮ 2008‮ وحتي الآن في‮ حدود‮ 11٪‮ سنوياً‮ يصبح‮ الحد الأدني للأجور حوالي‮ 873‮ جنيهاً‮ شهرياً،‮ وهو في‮ اعتقادنا أقل مستوي‮ يمكن قبوله للحد الأدني للأجور في‮ الوقت الحالي‮.‬ ومن المهم التأكيد أن الاتفاق علي الحد الأدني للأجور إذا تحقق،‮ ليس نهاية المطاف،‮ إذ أن ثبات الأجور سواء في‮ حدها الأدني أو الأعلي أمر‮ غير منطقي‮ طالما الأسعار في‮ تصاعد والإنتاجية في‮ تحسن وتطلعات الناس واحتياجاتهم في‮ تطور مستمر‮. والأمر كذلك لا بد أن تواكب الأجور،‮ والحد الأدني منها في‮ المقدمة،‮ مستويات الأسعار ومعدلات التضخم ومعدلات النمو الاقتصادي‮ ومؤشرات الإنتاجية وتكلفة المعيشة‮.‬ كذلك ليس منطقياً‮ الحديث عن زيادة الحد الأدني للأجور في‮ قطاع معين من دون باقي‮ قطاعات الاقتصاد الوطني،‮ حيث أن المتغيرات الداعية لتحريك الحد الأدني للأجور تشمل المواطنين جميعاً‮ في‮ جميع القطاعات‮ وإن كانت بدرجات مختلفة‮.
‬لذا‮ يصبح قرار المجلس الأعلي للأجور،‮ خلافاً‮ لما جاء به حكم محكمة القضاء الإداري،‮ بقصر زيادة الحد الأدني للأجور إلي‮ 400‮ جنيه علي العاملين بالقطاع الخاص فقط أمر‮ غير صحيح ويجب أن تشمل الزيادة كافة العاملين في‮ القطاع العام وقطاع الأعمال العام والعاملين في‮ الحكومة‮. وهذا‮ يأتي‮ بنا إلي المعضلة الكبري التي‮ يضعها أهل الحكم في‮ مواجهة كل من‮ يطالب بتحسين الرواتب حين‮ يتذرعون بنقص الموارد وارتفاع تكلفة الرواتب إلي إجمالي‮ الموازنة‮. والحقيقة أن هذا القول مردود عليه إذا أخذنا في‮ الاعتبار عشرات المصادر التي‮ يمكن استخدامها لتمويل الزيادات في‮ موازنة الدولة نتيجة زيادة الحد الأدني للأجور والتي‮ تقدر بما‮ يقرب من‮ 30‮ مليار جنيه إذا زاد الحد الأدني إلي656‮ كما تقول بعض الدراسات والتي‮ بالطبع ستكون أكبر في‮ حال طبقت مستويات أعلي من الحد الأدني للأجور‮.
‬وفي‮ رأينا أنه‮ يمكن تمويل تلك الزيادات في‮ الحد الأدني لأجور العاملين بالدولة‮ [ الحكومة المركزية والحكم المحلي‮ والهيئات العامة وما في‮ حكمها‮] والتي‮ تبلغ‮ 75.‬3‮ مليار جنيه منها‮ 45.‬2‮ مليار تكلفة الزيادة السنوية قبل زيادة الحد الأدني للأجور من المصادر التالية علي سبيل المثال‮:‬ ترشيد الإنفاق العام وربط النفقات بالعائد من خلال تطبيق نظام موازنة البرامج والأداء الذي‮ تم تقنينه بتعديل المادة رقم‮ 4‮ من قانون الموازنة العامة رقم‮ 53‮ لسنة‮ 1973‮ بموجب القانون رقم‮ 87‮ لسنة‮ 2005‮ والذي‮ قضي بأن‮ " تعد الموازنة العامة للدولة وتنفذ وفقا لكل من التصنيف الاقتصادي لأوجه نشاط الدولة‮ ،‮ والتصنيف الإداري للجهات والوحدات،‮ كما تعرض المصروفات وتقدم إلي مجلس الشعب وفقا للتصنيف الوظيفي لأنشطة الدولة‮ ،‮ مع مراعاة إجراء التحليل علي أساس البرامج والمشروعات والأعمال في مدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون‮"‬،‮ ورغم ذلك لم‮ يتم تنفيذ هذا النص القانوني‮ حتي الآن‮.
ترشيد الإنفاق وتأكيد الشفافية في‮ الإعلام عن حجمه بالنسبة لموازنات التمثيل الدبلوماسي‮ والقنصلي‮ و المؤسسات السيادية بالدولة وإخضاع تلك الموازنات لرقابة مجلس الشعب‮.‬ فروق أسعار الغاز الطبيعي‮ المصدر بأقل من سعره في‮ السوق وشركات قطاع الأعمال التي‮ بيعت بأقل من قيمتها،‮ وملايين الأمتار من أراضي‮ الدولة التي‮ بيعت أو تم الاستيلاء عليها وقننت أوضاعها بسعر‮ 47‮ قرشاً‮ للمتر،‮ وفروق حقوق الدولة في‮ عقد مدينتي‮ وغيرها من عمليات بيع الأراضي‮ بالأمر المباشر وبأسعار زهيدة‮.‬
فرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية لمشتري‮ أراضي‮ الدولة لأغراض الاستصلاح الزراعي‮ ثم تحويلها إلي أراض بناء بالمخالفة للعقود مع الدولة وبيعها‮ ،‮ بعد تسقيعها،‮ بأسعار تفوق مئات المرات سعر الشراء،‮ وكذلك فرض ضريبة علي أرباح التعامل في‮ البورصة‮.‬
وقف نزيف الموارد الوطنية في‮ مشروعات‮ غير ذات جدوي اقتصادية ومنها ما أنفق علي ترعة السلام ولم تدر أي‮ عائد لعدم اكتمالها،‮ ومشروع توشكي،‮ ومشروعات فحم المغارة وفوسفات أبو طرطور وغيرها كثير،‮ ووقف الإنفاق علي إنشاء مبان حكومية وتجميل أخري من دون مقتضي كما‮ يحدث الآن في‮ تجميل مجلس الشعب وما‮ يتردد عن إنشاء مبني لمحافظة‮ 6‮ أكتوبر‮ يتكلف مئات الملايين من الجنيهات،‮ وكذا تطوير طريق القاهرة الإسكندرية ليكون طريقاً‮ حراً‮ بتكلفة تتجاوز أربعة مليارات من الجنيهات لمصلحة أصحاب المجمعات السكنية الفاخرة علي جانبي‮ الطريق والتي‮ تملكها شركات‮ يساهم فيها وزراء حاليون وسابقون ويقطن في‮ واحدة منها رئيس الوزراء‮!‬ حصر وتسويق المخزون الراكد في‮ المخازن الحكومية ويقدر بما لايقل عن ثلاثين مليار جنيه،‮ ومنع تراكمه مرة أخري بوضع ضوابط علي الشراء‮.‬
ولا شك أن المصادر الحقيقية لتمويل زيادات الأجور سواء في‮ حدودها الدنيا أو في‮ مستوياتها الأعلي هي‮ التنمية الاقتصادية المستدامة وعدالة التوزيع وربط مستويات الأجور بمعدلات النمو بحيث‮ يتوزع عائدها بالعدل بين حقوق العمل التي‮ لا‮ يزيد نصيبها الآن في‮ الناتج المحلي‮ الإجمالي‮ علي‮ حوالي‮ 28٪‮ وحقوق الملكية التي‮ تستأثر بالنسبة الأعظم من هذا الناتج‮.‬
وسوف تتحقق التنمية المستهدفة إذا عنيت الدولة بتحمل مسئولياتها وأعطت العناية الكافية لتنمية الإنتاج الزراعي‮ والصناعي‮ وتطوير صناعات الخدمات ودعمها برصد نسب محترمة من الدخل القومي‮ للاستثمار في‮ البحث العملي‮ والتطوير التقني‮ والتعليم والتدريب لتنمية الموارد البشرية وتحسين الإدارة بما‮ يؤدي‮ إلي وقف نزيف الموارد في‮ استيراد احتياجات البلاد من المنتجات الزراعية وبنمي‮ صادراتها من الإنتاج الصناعي‮ وصناعات الخدمات في‮ مختلف مجالات النشاط الاقتصادي‮ الحديث ومنها صناعات النقل والاتصالات وتقنيات المعلومات ومنتجات البرمجيات وغيرها من الصناعات عالية القيمة المضافة‮.‬ وعلي الله قصد السبيل‮.‬
تأثير رفع الحد الأدني للأجور علي مستويات الأسعار ونفقات المعيشة للفقراء ومحدودي‮ الدخل يقال أن رفع الحد الأدني للأجور سيؤدي‮ إلي زيادة الأسعار وتحريك معدل التضخم،‮ ولكن بالمقابل فإن هذه الزيادة في‮ الحد الأدني للأجور سوف تساعد كما قلنا علي تحسين الحالة الصحية والكفاءة الإنتاجية للعاملين بما‮ يساعد علي‮ يادة الإنتاج وتحين الانتاجية بما‮ يقلل من أثر زيادة الأجور علي تكلفة الإنتاج‮.‬
من ناحية أخري،‮ فإن زيادة القوي الشرائية الناشئة عن زيادة الحد الأدني للأجور سوف‮ يسهم في‮ زيادة الطلب الفعال ومن ثم تزيد المبيعات ويحقق المنتجون أرباحاً‮ تعوّض عن زيادة الأجور‮.‬ كما تعمل زيادة الحد الأدني للأجور علي وقف الحركات الاحتجاجية والا عتصامات وغيرها من أشكال تعطيل الإنتاج وتخفيض الإنتاجية مما‮ يعود بالإنتاج إلي مستويات أفضل ويسهم في‮ تخفيض التكلفة وزيادة الأرباح برغم زيادة الأجور‮.‬ الفوارق بين مستويات الأجور ومدي ارتباطها بمستويات الكفاءة،‮ الإنتاجية،‮ التصنيف المهني لا تقتصر مشكلة الأجور علي انخفاض الحد الأدني لها،‮ بل الأهم هو التفاوتي الرهيب بين مستويات الأجور حيث نشأت في‮ السنوات الأخيرة ظاهرة المغالاة‮ غير المسبوقة ولا المبررة في‮ رواتب فئات من العاملين بالدولة من السكرتيرات ومديري‮ مكاتب الوزراء والمستشارين وصغار الباحثين في‮ كثير من الوزارات تحمل رواتبهم العالية والخارجة علي‮ حدود قانون‮ 47‮ لسنة‮ 1978‮ وتحميلها علي مشروعات تمول من جهات أجنبية كالبنك الدولي‮ والجهات المانحة الأجنبية‮.‬
كذلك تسود الآن ظاهرة تحديد رواتب رؤساء البنوك الوطنية والشركات المشتركة مع القطاع الخاص بآلاف الجنيهات شهرياً‮ بما‮ يصل ببعضهم للحصول علي أكثر من مليون جنيه شهرياً وحتي في‮ بعض الهيئات الحكومية تردد أن رؤساءها‮ يحصلون علي مثل تلك الرواتب الخرافية كما قيل عن رئيس مصلحة الضرائب السابق‮! وكما هو الحال مع رؤساء وزراء ووزراء سابقين تسلموا مناصب رؤساء بنوك وشركات قطاع عام تبلغ‮ مئات الآلاف من الجنيهات شهرياً‮. وفي‮ أدبيات الاقتصادية والاجتماعية أن أعلي راتب في‮ أي‮ جهة لا‮ يجب أن‮ يزيد علي‮ عشرين مثل أدني راتب في‮ تلك الجهة‮.
وبهذا المقياس فإن أدني راتب بين العاملين في‮ الدولة شاغلي‮ الدرجة السادسة‮ يصل إلي‮ 394‮ جنيهاً‮ بما‮ يعني‮ أن أعلي راتب في‮ الدولة لا‮ يجب أن‮ يزيد علي‮ 394‮*‬20‮=‬7916‮ جنيهاً‮ مصرياً،‮ ولنا أن نسأل كم‮ يتقاضي رئيس الوزراء أو الوزير أو كبار مستشاريهم ومعاونيهم‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.