حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    الاختبارات الإلكترونية لبرنامج الدبلوماسية الشبابية تجذب آلاف الشباب المصري    وخلق الله بريجيت باردو    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    بداية تحول حقيقي، تقرير صادم عن سعر الذهب والفضة عام 2026    ولفرهامبتون يحصد النقطة الثالثة من أرض مانشستر يونايتد    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    محافظ القاهرة: معرض مستلزمات الأسرة مستمر لأسبوع للسيطرة على الأسعار    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    زيلينسكي يناقش مع ترامب تواجد قوات أمريكية في أوكرانيا    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    نتنياهو يزعم بوجود قضايا لم تنجز بعد في الشرق الأوسط    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    غدًا.. محاكمة 3 طالبات في الاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    أمين البحوث الإسلامية يلتقي نائب محافظ المنوفية لبحث تعزيز التعاون الدعوي والمجتمعي    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات علي قضية زيادة الحد الأدني للأجور‮!‬
نشر في الوفد يوم 20 - 11 - 2010

أصدرت محكمة القضاء الإداري‮ حكمها بإلزام رئيس الوزراء بتنفيذ الحكم السابق صدوره في‮ 30‮ مارس من هذا العام‮ (‬2010‮) بوضع حد أدني لأجور العاملين بالدولة والقطاع الخاص وذلك لمواجهة الارتفاع المستمر في‮ تكلفة المعيشة‮.
وبذلك أصبحت قضية الحد الأدني للأجور تحتل أهمية خاصة بالنظر إلي تجمده عند مستوي خمسة وثلاثين جنيهاً‮ شهرياً‮ منذ صدر القانون رقم‮ 53‮ لسنة‮ 1984‮ وعدم مراجعة هذا الحد حتي الآن‮. وبرغم أن قانون العمل رقم‮ 12‮ الصادر عام‮ 2003،‮ قد نص علي العلاوات السنوية بحيث لا تقل عن‮ 7٪‮ من الأجر الأساسي،‮ مما جعل الحد للأجور‮ يصل في‮ 2008‮ شاملاً‮ الأجر الأساسي‮ والعلاوات الدورية والزيادات السنوية المتراكمة إلي‮ 394‮ جنيهاً‮ في‮ القطاع الحكومي‮ [‬العاملين في‮ الدرجة السادسة‮]‬،‮ 154‮ جنيهاً‮ في‮ القطاع الخاص بمتوسط‮ 274‮ جنيهاً‮ شهرياً،‮
‬إلا أنه‮ " يعد منخفضاً،‮ بل ويقل عن خط الفقر وعن نصف متوسط الأجور السائدة‮" كما تؤكد دراسة أعدها دكتور سمير رضوان وأصدرها مركز المعلومات،‮ ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في‮ شهر أكتوبر الحالي‮.‬ ولكن المجلس الأعلي للأجور خيب آمال ملايين العاملين واتحاد العمال وكل المهتمين بضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وتأكيد السلام الاجتماعي‮ للوطن حين قرر زيادة الحد الأدني للأجور إلي‮ 400‮ جنيهاً‮ للعاملين بالقطاع الخاص فقط دون العاملين بالدولة أو القطاع العام وقطاع الأعمال العام‮.
وكما أوضحت صحف الجمعة‮ 29‮ أكتوبر أن ممثلي‮ اتحاد العمال تضرروا من أن وزير الدولة للتنمية الاقتصادية وممثلي‮ رجال الأعمال تعاونوا علي وأد مقترحاتهم بزيادة الحد الأدني للأجور إلي‮ 1200‮ جنيه شهري،‮ وأوضحوا أن مبلغ‮ الأربعمائة جنيه لا تكفي‮ الأسرة لاستيفاء احتياجاتها الأساسية في‮ ظل ارتفاع الأسعار الذي‮ يشمل كل السلع والخدمات الأساسية ويواصل الارتفاع من‮ غير تدخل جاد من قبل الدولة لتحجيمه‮.‬ وسيكون عدم الاستقرار في‮ قطاعات العاملين واستمرار الكثيرين منهم في‮ تصعيد مطالبهم وتكرار الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات نتيجة مباشرة لهذا الاختلاف بين تقدير المجلس الأعلي للأجور للحد الأدني وبين مطالب اتحاد العمال وكثير من الأحزاب والقوي المساندة لحقوق العمال والساعين إلي إقرار قواعد تؤمن العدالة الاجتماعية وتقرب الفوارق بين مستويات الأجور في‮ الدولة وقطاعات الاقتصاد الوطني‮.
ويكفي‮ أن نذّكر باعتراض آلاف العاملين في‮ مراكز المعلومات بالمحليات علي تدني‮ المكافآت التي‮ يحصلون عليها والتي‮ تتراوح بين‮ 99‮ و300‮ جنيهاً،‮ وكذا الأوضاع‮ غير المستقرة للعاملين الإداريين بوزارة التربية والتعليم بل وكثير من المعلمين‮ ،‮ فضلاً‮ عن آلاف العاملين بالدولة وهيئاتها من الأطباء والممرضات والعاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية‮. وحتي الفنانون في‮ فرق الموسيقي العربية العاملون بالأوبرا المصرية اعتصموا وهددوا بعدم المشاركة في‮ مهرجان الموسيقي العربية الأسبوع القادم إذا لم تتحسن رواتبهم وأوضاعهم الوظيفية‮.‬ وتنبع أهمية مسألة تحديد حد أدني للأجور من أن أغلب المصريين‮ يعتمدون علي الأجر كمصدر رئيس لدخولهم حيث بلغت نسبتهم في‮ عام‮ 2009‮ حوالي‮ 61٪‮ منهم‮ 41٪‮ في‮ القطاع الحكومي‮ و27٪‮ في‮ القطاع الخاص‮. كما كانت الأجور تمثل‮ 72٪‮ من مجموع دخل الأسر في‮ 2008‮/‬2009.‬ من ناحية ثانية‮ يهتم أصحاب الأعمال بتحديد الأجور عند المستويات التي‮ يرونها عادلة من وجهة نظرهم لضمان بقاء تكلفة الإنتاج في‮ مستوي‮ يسمح بقدرة تنافسية معقولة باعتبار أن الأجر‮ يعتبر من أهم بنود تكلفة الإنتاج‮.
ولكن عند تناول مشكلة تحديد الحد الأدني للأجور بصفة خاصة ورسم سياسات الأجور بصفة عامة،‮ فإنه‮ يجب الأخذ في‮ الحسبان أن للأجر وجهين،‮ فهو من جانب عنصر تكلفة‮ [‬وإن كانت نسبته إلي إجمالي‮ قيمة الإنتاج منخفضة إذ بلغت‮ 8‮ ٪‮ في‮ 2008‮]. ومن ناحية أخري فالأجر عنصر حافز علي زيادة الإنتاجية وتحسين الإنتاج ورفع مستويات الجودة الأمر الذي‮ يؤدي‮ بالضرورة إلي تخفيض التكلفة النسبية لوحدة الإنتاج،‮ ومن ثم‮ يسهم في‮ تحسين العائد علي راس المال وأرباح أصحاب الأعمال كما‮ يحقق رضا العاملين وتحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية‮.‬ كما تستخدم الحكومات النابهة والذكية سياسة الأجور في‮ إعادة توزيع العمالة بين قطاعات الاقتصاد الوطني‮ برفعها في‮ القطاعات الواعدة المطلوب توجيه العمالة إليها،‮ وتجميدها أو خفضها في‮ القطاعات المطلوب تقليصها في‮ المجتمع‮. لذلك نري الدستور في‮ المادة‮ 23‮ ينص علي ربط الأجر بالانتاج ووضع حد أدني للأجور وحد أعلي‮ يكفل تقريب الفوارق بين الدخول‮.‬
وبسبب إدراكنا لأهمية عنصر الأجر وحده الأدني في‮ تأمين مستوي معيشة‮ يكفل للمواطن وأسرته إشباع حاجاته الأساسية وعند حد الكفاف،‮ فإنه لا‮ يعقل أن‮ يترك تحديده لقوي السوق كما‮ يطالب أصحاب الأعمال ومؤيدي‮ سياسة الاقتصاد الحر بتأثير الأفكار الرأسمالية ووصفات البنك الدولي‮ وصندق النقد الدولي‮. بل‮ يجب أن‮ يكون للدولة صوت مسموع في‮ هذه القضية ممثلة في‮ المجلس الأعلي للأجور وغيره من الأجهزة المختصة بإدارة الاقتصاد الوطني‮ لضمان تحقيق أهداف النمو الاقتصادي‮ والعدالة الاجتماعية،‮ وهي‮ مسئولية تبدو الدولة وكأنها قررت الانسحاب منها‮. ففي‮ الوقت الذي‮ يجب فيه أن تتحرك‮ الأجور كنسبة من الناتج المحلي‮ الإجمالي،‮ إذ بها تنخفض في‮ مصر حتي وصلت إلي‮ 27٪‮ في‮ عام‮ 2006‮/‬2007‮ بعد أن كانت‮ 36٪‮ تقريبا في‮ 1980‮/‬1981‮ ووصلت في‮ عام‮ 1991‮/‬1992‮ إلي‮ 21٪‮ تقريبا،‮ وقد ارتفعت هذه النسبة في‮ 99‮/‬2000‮ - 06‮/‬2007‮ ثم عادت إلي الانخفاض.‬ وقد‮ يقال إن الأجور في‮ مصر منخفضة نتيجة انخفاض انتاجية العمل،‮ ولكن العامل ليس هو المحدد الوحيد للإنتاجية إذ تتدخل عوامل مهمة لا شأن له بها مثل نمط وكفاءة الإدارة،‮ نوع التقنية المستخدمة وحجم الاستثمار في‮ تطوير التقنيات وأساليب العمل،‮ والتعليم والتدريب المهني‮ المتاح للعامل وظروف أداء العمل ومدي جودتها ومساعدتها علي تحسين الإنتاجية‮.‬
وفي‮ ضوء كل ما سبق،‮ تطرح اقتراحات مهمة لزيادة الحد الأدني للأجور تزيد عما قرره المجلس الأعلي للأجور،‮ منها أن‮ يكون الحد الأدني مساوياً‮ 50٪‮ من متوسط الأجور الشهرية في‮ الحكومة والقطاعين العام والأعمال العام وهو ما‮ يصل به إلي‮ 312‮ جنيهاً‮ تزيد إلي‮ 682‮ جنيهاً‮ بعد أخذ معدل التضخم في‮ الاعتبار‮. وثمة اقتراح ثان بأن‮ يتحدد الحد الأدني علي اساس خط الفقر في‮ 2005‮ ليصل إلي‮ 615‮ جنيهاً‮ لأسرة من‮ 4‮ أفراد‮. واقتراح ثالث أن‮ يصل الحد الأدني للأجور إلي‮ 840‮ جنيهاً‮ شهرياً‮ بتقدير تكاليف المعيشة‮. وتتفاوت التقديرات وأسس التوصل إليها،‮ ولكنها جميعاً‮ تزيد عما‮ قرره المجلس الأعلي للأجور حيث أنها تلتزم بمنطق أن هذه التقديرات المقترحة والتي‮ يصل بعضها إلي‮ 1200‮ جنيه وأكثر هي‮ ما‮ يضمن للمواطن العامل ما‮ يكفيه للحصول علي الاحتياجات الأساسية للمعيشة له ولأسرته في‮ حدها الأدني المقبول في‮ ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة،‮ والذي‮ يمّكنه من مواجهة ارتفاع الأسعار وتزايد نفقات المعيشة‮.
ونحن نري أن ما‮ يطالب به المجتمع العمالي‮ من مساواة الحد الأدني للأجور بخط الفقر للفرد سنويا بأسعار‮ 2008‮ أي‮ 1968‮ جنيهاً‮ سنوياً‮ [‬أو‮ 164‮ جنيهاً‮ شهرياً‮] هو الأقرب إلي الواقع ويكون الحد الأدني للأجر للفرد باعتباره مسئولاً‮ عن أسرة من‮ 4‮ أفراد في‮ هذه الحالة‮ 656‮ جنيهاً‮ شهرياً‮ فإذا أخذنا في‮ الاعتبار أن معدل التضخم منذ‮ 2008‮ وحتي الآن في‮ حدود‮ 11٪‮ سنوياً‮ يصبح‮ الحد الأدني للأجور حوالي‮ 873‮ جنيهاً‮ شهرياً،‮ وهو في‮ اعتقادنا أقل مستوي‮ يمكن قبوله للحد الأدني للأجور في‮ الوقت الحالي‮.‬ ومن المهم التأكيد أن الاتفاق علي الحد الأدني للأجور إذا تحقق،‮ ليس نهاية المطاف،‮ إذ أن ثبات الأجور سواء في‮ حدها الأدني أو الأعلي أمر‮ غير منطقي‮ طالما الأسعار في‮ تصاعد والإنتاجية في‮ تحسن وتطلعات الناس واحتياجاتهم في‮ تطور مستمر‮. والأمر كذلك لا بد أن تواكب الأجور،‮ والحد الأدني منها في‮ المقدمة،‮ مستويات الأسعار ومعدلات التضخم ومعدلات النمو الاقتصادي‮ ومؤشرات الإنتاجية وتكلفة المعيشة‮.‬ كذلك ليس منطقياً‮ الحديث عن زيادة الحد الأدني للأجور في‮ قطاع معين من دون باقي‮ قطاعات الاقتصاد الوطني،‮ حيث أن المتغيرات الداعية لتحريك الحد الأدني للأجور تشمل المواطنين جميعاً‮ في‮ جميع القطاعات‮ وإن كانت بدرجات مختلفة‮.
‬لذا‮ يصبح قرار المجلس الأعلي للأجور،‮ خلافاً‮ لما جاء به حكم محكمة القضاء الإداري،‮ بقصر زيادة الحد الأدني للأجور إلي‮ 400‮ جنيه علي العاملين بالقطاع الخاص فقط أمر‮ غير صحيح ويجب أن تشمل الزيادة كافة العاملين في‮ القطاع العام وقطاع الأعمال العام والعاملين في‮ الحكومة‮. وهذا‮ يأتي‮ بنا إلي المعضلة الكبري التي‮ يضعها أهل الحكم في‮ مواجهة كل من‮ يطالب بتحسين الرواتب حين‮ يتذرعون بنقص الموارد وارتفاع تكلفة الرواتب إلي إجمالي‮ الموازنة‮. والحقيقة أن هذا القول مردود عليه إذا أخذنا في‮ الاعتبار عشرات المصادر التي‮ يمكن استخدامها لتمويل الزيادات في‮ موازنة الدولة نتيجة زيادة الحد الأدني للأجور والتي‮ تقدر بما‮ يقرب من‮ 30‮ مليار جنيه إذا زاد الحد الأدني إلي656‮ كما تقول بعض الدراسات والتي‮ بالطبع ستكون أكبر في‮ حال طبقت مستويات أعلي من الحد الأدني للأجور‮.
‬وفي‮ رأينا أنه‮ يمكن تمويل تلك الزيادات في‮ الحد الأدني لأجور العاملين بالدولة‮ [ الحكومة المركزية والحكم المحلي‮ والهيئات العامة وما في‮ حكمها‮] والتي‮ تبلغ‮ 75.‬3‮ مليار جنيه منها‮ 45.‬2‮ مليار تكلفة الزيادة السنوية قبل زيادة الحد الأدني للأجور من المصادر التالية علي سبيل المثال‮:‬ ترشيد الإنفاق العام وربط النفقات بالعائد من خلال تطبيق نظام موازنة البرامج والأداء الذي‮ تم تقنينه بتعديل المادة رقم‮ 4‮ من قانون الموازنة العامة رقم‮ 53‮ لسنة‮ 1973‮ بموجب القانون رقم‮ 87‮ لسنة‮ 2005‮ والذي‮ قضي بأن‮ " تعد الموازنة العامة للدولة وتنفذ وفقا لكل من التصنيف الاقتصادي لأوجه نشاط الدولة‮ ،‮ والتصنيف الإداري للجهات والوحدات،‮ كما تعرض المصروفات وتقدم إلي مجلس الشعب وفقا للتصنيف الوظيفي لأنشطة الدولة‮ ،‮ مع مراعاة إجراء التحليل علي أساس البرامج والمشروعات والأعمال في مدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون‮"‬،‮ ورغم ذلك لم‮ يتم تنفيذ هذا النص القانوني‮ حتي الآن‮.
ترشيد الإنفاق وتأكيد الشفافية في‮ الإعلام عن حجمه بالنسبة لموازنات التمثيل الدبلوماسي‮ والقنصلي‮ و المؤسسات السيادية بالدولة وإخضاع تلك الموازنات لرقابة مجلس الشعب‮.‬ فروق أسعار الغاز الطبيعي‮ المصدر بأقل من سعره في‮ السوق وشركات قطاع الأعمال التي‮ بيعت بأقل من قيمتها،‮ وملايين الأمتار من أراضي‮ الدولة التي‮ بيعت أو تم الاستيلاء عليها وقننت أوضاعها بسعر‮ 47‮ قرشاً‮ للمتر،‮ وفروق حقوق الدولة في‮ عقد مدينتي‮ وغيرها من عمليات بيع الأراضي‮ بالأمر المباشر وبأسعار زهيدة‮.‬
فرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية لمشتري‮ أراضي‮ الدولة لأغراض الاستصلاح الزراعي‮ ثم تحويلها إلي أراض بناء بالمخالفة للعقود مع الدولة وبيعها‮ ،‮ بعد تسقيعها،‮ بأسعار تفوق مئات المرات سعر الشراء،‮ وكذلك فرض ضريبة علي أرباح التعامل في‮ البورصة‮.‬
وقف نزيف الموارد الوطنية في‮ مشروعات‮ غير ذات جدوي اقتصادية ومنها ما أنفق علي ترعة السلام ولم تدر أي‮ عائد لعدم اكتمالها،‮ ومشروع توشكي،‮ ومشروعات فحم المغارة وفوسفات أبو طرطور وغيرها كثير،‮ ووقف الإنفاق علي إنشاء مبان حكومية وتجميل أخري من دون مقتضي كما‮ يحدث الآن في‮ تجميل مجلس الشعب وما‮ يتردد عن إنشاء مبني لمحافظة‮ 6‮ أكتوبر‮ يتكلف مئات الملايين من الجنيهات،‮ وكذا تطوير طريق القاهرة الإسكندرية ليكون طريقاً‮ حراً‮ بتكلفة تتجاوز أربعة مليارات من الجنيهات لمصلحة أصحاب المجمعات السكنية الفاخرة علي جانبي‮ الطريق والتي‮ تملكها شركات‮ يساهم فيها وزراء حاليون وسابقون ويقطن في‮ واحدة منها رئيس الوزراء‮!‬ حصر وتسويق المخزون الراكد في‮ المخازن الحكومية ويقدر بما لايقل عن ثلاثين مليار جنيه،‮ ومنع تراكمه مرة أخري بوضع ضوابط علي الشراء‮.‬
ولا شك أن المصادر الحقيقية لتمويل زيادات الأجور سواء في‮ حدودها الدنيا أو في‮ مستوياتها الأعلي هي‮ التنمية الاقتصادية المستدامة وعدالة التوزيع وربط مستويات الأجور بمعدلات النمو بحيث‮ يتوزع عائدها بالعدل بين حقوق العمل التي‮ لا‮ يزيد نصيبها الآن في‮ الناتج المحلي‮ الإجمالي‮ علي‮ حوالي‮ 28٪‮ وحقوق الملكية التي‮ تستأثر بالنسبة الأعظم من هذا الناتج‮.‬
وسوف تتحقق التنمية المستهدفة إذا عنيت الدولة بتحمل مسئولياتها وأعطت العناية الكافية لتنمية الإنتاج الزراعي‮ والصناعي‮ وتطوير صناعات الخدمات ودعمها برصد نسب محترمة من الدخل القومي‮ للاستثمار في‮ البحث العملي‮ والتطوير التقني‮ والتعليم والتدريب لتنمية الموارد البشرية وتحسين الإدارة بما‮ يؤدي‮ إلي وقف نزيف الموارد في‮ استيراد احتياجات البلاد من المنتجات الزراعية وبنمي‮ صادراتها من الإنتاج الصناعي‮ وصناعات الخدمات في‮ مختلف مجالات النشاط الاقتصادي‮ الحديث ومنها صناعات النقل والاتصالات وتقنيات المعلومات ومنتجات البرمجيات وغيرها من الصناعات عالية القيمة المضافة‮.‬ وعلي الله قصد السبيل‮.‬
تأثير رفع الحد الأدني للأجور علي مستويات الأسعار ونفقات المعيشة للفقراء ومحدودي‮ الدخل يقال أن رفع الحد الأدني للأجور سيؤدي‮ إلي زيادة الأسعار وتحريك معدل التضخم،‮ ولكن بالمقابل فإن هذه الزيادة في‮ الحد الأدني للأجور سوف تساعد كما قلنا علي تحسين الحالة الصحية والكفاءة الإنتاجية للعاملين بما‮ يساعد علي‮ يادة الإنتاج وتحين الانتاجية بما‮ يقلل من أثر زيادة الأجور علي تكلفة الإنتاج‮.‬
من ناحية أخري،‮ فإن زيادة القوي الشرائية الناشئة عن زيادة الحد الأدني للأجور سوف‮ يسهم في‮ زيادة الطلب الفعال ومن ثم تزيد المبيعات ويحقق المنتجون أرباحاً‮ تعوّض عن زيادة الأجور‮.‬ كما تعمل زيادة الحد الأدني للأجور علي وقف الحركات الاحتجاجية والا عتصامات وغيرها من أشكال تعطيل الإنتاج وتخفيض الإنتاجية مما‮ يعود بالإنتاج إلي مستويات أفضل ويسهم في‮ تخفيض التكلفة وزيادة الأرباح برغم زيادة الأجور‮.‬ الفوارق بين مستويات الأجور ومدي ارتباطها بمستويات الكفاءة،‮ الإنتاجية،‮ التصنيف المهني لا تقتصر مشكلة الأجور علي انخفاض الحد الأدني لها،‮ بل الأهم هو التفاوتي الرهيب بين مستويات الأجور حيث نشأت في‮ السنوات الأخيرة ظاهرة المغالاة‮ غير المسبوقة ولا المبررة في‮ رواتب فئات من العاملين بالدولة من السكرتيرات ومديري‮ مكاتب الوزراء والمستشارين وصغار الباحثين في‮ كثير من الوزارات تحمل رواتبهم العالية والخارجة علي‮ حدود قانون‮ 47‮ لسنة‮ 1978‮ وتحميلها علي مشروعات تمول من جهات أجنبية كالبنك الدولي‮ والجهات المانحة الأجنبية‮.‬
كذلك تسود الآن ظاهرة تحديد رواتب رؤساء البنوك الوطنية والشركات المشتركة مع القطاع الخاص بآلاف الجنيهات شهرياً‮ بما‮ يصل ببعضهم للحصول علي أكثر من مليون جنيه شهرياً وحتي في‮ بعض الهيئات الحكومية تردد أن رؤساءها‮ يحصلون علي مثل تلك الرواتب الخرافية كما قيل عن رئيس مصلحة الضرائب السابق‮! وكما هو الحال مع رؤساء وزراء ووزراء سابقين تسلموا مناصب رؤساء بنوك وشركات قطاع عام تبلغ‮ مئات الآلاف من الجنيهات شهرياً‮. وفي‮ أدبيات الاقتصادية والاجتماعية أن أعلي راتب في‮ أي‮ جهة لا‮ يجب أن‮ يزيد علي‮ عشرين مثل أدني راتب في‮ تلك الجهة‮.
وبهذا المقياس فإن أدني راتب بين العاملين في‮ الدولة شاغلي‮ الدرجة السادسة‮ يصل إلي‮ 394‮ جنيهاً‮ بما‮ يعني‮ أن أعلي راتب في‮ الدولة لا‮ يجب أن‮ يزيد علي‮ 394‮*‬20‮=‬7916‮ جنيهاً‮ مصرياً،‮ ولنا أن نسأل كم‮ يتقاضي رئيس الوزراء أو الوزير أو كبار مستشاريهم ومعاونيهم‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.