السؤال المهم فى ذكرى فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14أغسطس 2013 هو: أين ذهب المعتصمون الذين ظلوا 40 يوما فى الشوارع؟.. هل غيروا أفكارهم وراجعوا أنفسهم؟ أم فى حالة «كمون» كعادتهم عندما تشتد قبضة الدولة؟ ربما تأكد الذين انخدعوا فى شعاراتهم الدينية أن الإخوان لا يخدمون إلا أنفسهم، لا الوطن ولا المصريين، وأنهم باعوا الحقيقة لصالح أسطورة واخترعوا «اللهو الخفى» و»الطرف الثالث»، وكانوا يرفعون رايات التقوى ويدسون الملثمين وسط المظاهرات لتصفية الخصوم وإشعال العنف. وكانت بداية السقوط أحداث الاتحادية فى أوائل ديسمبر 2012، يوم تعذيب الأبرياء على الأسوار ومحاولة إزهاق روح دولة القانون لصالح الجلادين، ورئيس معزول يوزع الاتهامات الظالمة، ويتوعد معارضيه بالعقاب، متجاهلا أن الجماهير الغاضبة كسرت حاجز الخوف والخنوع. لم يعد الصراع منذ تلك اللحظة سياسيًا فقط، بل معركة وجود بين دولة تريد البقاء، وجماعة لا تعيش إلا على الفوضى، وبين دولة مدنية يحكمها قانون ودستور، ومشروع الخلافة الذى يديره المرشد من المقطم. حتى فى القضايا الوطنية، لعبوا على كل الحبال صفوت حجازى يزايد على المشاعر ويصرخ: «بالملايين على القدس رايحين»، فى الوقت الذى كان فيه جنود مصر يستشهدون فى سيناء على يد عصابات حماس، وكانت الجماعة تفتح لهم الأبواب وتوفر لهم الحماية والدعم. وكان «الاصطدام بوعى المصريين» لحظة فارقة، هذا الشعب الذى يعرف دينه بفطرته، ويميز بين الإسلام الحقيقى والإسلام الشكلى، ولم تخدعه حكاياتهم الليلية عن نزول جبريل عليه السلام فى رابعة، أو أن النبى الكريم طلب من المعزول أن يؤمه فى الصلاة، ولم يصدقها إلا من أراد أن يصدق الوهم. الإخوان لم يدركوا أن سر مصر هو التعايش السلمى المتجذر بين مسلميها وأقباطها، حاولوا اللعب بورقة الطائفية، لكنهم فوجئوا أن المسلمين أول من يدافع عن الأقباط، وأن الأقباط لم يستقووا بالخارج، بل احتضنهم الوطن ،وفشلوا فى تمزيق الصف، وأصبحوا هم العدو المشترك للجميع. ولم يتغير الذين كانوا فى الميدان من العناصر الإخوانية الكارهة لبلدها، وهم حتى الآن يحاولون استرجاع الحالة بوسائل مختلفة.. بعضهم يستخدم الشائعات وبث اليأس والإحباط، وبعضهم يخوض حربا ضد بلده فى الخارج، وبعضهم يختفى وراء الكتائب الإلكترونية. مع الوضع فى الاعتبار أن كثيرًا من الذين كانوا فى الاعتصام ليسوا إخوانا، بل كانوا من بعض الباعة الجائلين والعاطلين وهواة التسلية و»الفرجة»، وانسحبوا قبل فض الاعتصام. اكتشف المصريون الخدعة، وأسقطوا الشرعية الزائفة، وأبقوا على شرعية الدولة، ووعى الشعب كان حائط الصد الذى تحطمت عليه المؤامرات، ووحدته الوطنية كانت السياج الذى حمى البلاد من الانزلاق إلى الفتنة. 14 أغسطس 2013 كان إعلانًا صريحًا: جماعة إرهابية لن تنتصر على دولة، ومصر لن تخضع لمشروع غريب عن هويتها، الشرعيات الكاذبة إلى زوال، وشرعية الوطن هى الباقية .