سجلت يوميات نصر أكتوبر بطولات لا حصر لها تصل إلى حد الأساطير.. أبطالها ليس من القادة فقط بل الجنود أيضا، نحاول رصد البعض منها هنا ونتعرف سويا على سيرة أصحابها لنعيد التأكيد على أن المقاتل المصرى لا يتهاون فى كرامته ولا حبة رمل من أرض وطنه. أحمد إدريس «صاحب فكرة الشفرة»
فى وقت الحرب، كان هناك مشكلة مع الجيش المصري؛ فك الشفرات، ووقتها طلب السادات تقديم حلول، فاقترح عليهم أحمد إدريس، وهو أحد المجندين، فكرة اللهجة النوبية وذلك لأنها ليس بها حروف. وصل هذا الاقتراح إلى السادات ووافق عليه، بعدها تم نقل أحمد إدريس ومعه 300 نوبى لقيادة الجيش، وبدأوا تسمية المعدات باللغة النوبية، وتم اعتماد الشفرات وكل الرسائل بالنوبية حتى يوم النصر. كانت فكرة شفرة غير قابلة للاختراق فكرة القيادة المصرية بعد حرب 1967، وفى حرب الاستنزاف جاءت فكرة أحمد إدريس بالتوازى مع أفكار أخرى فى هذا الوقت مثل هدم خط بارليف بالمياه. روى أحمد إدريس قبل رحيله قصة الشفرة وهى أن الرئيس السادات بعد توليه السلطة ب3 شهور أبلغ قادته عن المساعى الإسرائيلية لفك الشفرات المصرية وطلب منهم التوصل لحل هذه المشكلة، وتصادف هذا مع حضوره فى نفس المكان، وهذا ما جعله يتدخل قائلا إن الحل بسيط وهو استخدام اللغة النوبية. وأضاف إدريس أن قائده سأله عن فكرته بدقة فأجاب أن اللهجة النوبية لهجة غير مكتوبة، ولو تم الإرسال والاستقبال بالنوبية لن يكون هناك أى مجال لفك الشفرة. وأضاف إدريس أنه فوجئ بعد الاقتراح بأيام بحضور قائد اللواء ومعه نقيب وحارس وأخذوه معهم متكلبش كأنه مقبوض عليه، واتجهوا به من أبوصوير فى الإسماعيلية لمبنى رسمى لا يعرفه، واتضح بعد ذلك انه مبنى رئاسة الجمهورية الذى قابل فيه الرئيس أنور السادات، وبعد ذلك شرح له أن السبب فى وضع الكلابشات فى يديه هو التمويه. ونوه إدريس بأن السادات فى الأصل ضابط إشارة، ولذلك استطاع فهم فكرة الشفرة النوبية ببساطة، ورد السادات باختصار وقال لإدريس سيتم تنفيذ فكرتك وطلب منه إخفاء الفكرة حتى عن أقرب الناس له. وأضاف إدريس أنه عندما عاد وجد خطابا باستدعائه من القيادة للحضور بكامل مهامه فى القيادة، وهناك تم عمل محطات سميت بأسماء نوبية، وكان هناك مجند نوبى فى كل محطة، واستمر الوضع حتى نهاية حرب أكتوبر 1973.
أول من تسلق خط برليف
محمد العباسى.. أول من استطاع تسلق خط بارليف بعد هدمه ورفع عليه العلم بعد ما وصل أول نقطة حصينة كانت بين «الكاب" و«التينة»، ولد العباسى فى مدينة القرين بمحافظة الشرقية، وهى المدينة التى قاوم أهلها المعسكرات الإنجليزية. تعلم فى كتاب القرية وحفظ القرآن الكريم، حصل على الشهادتين الابتدائية والإعدادية من مدارس القرين، والتحق بالتجنيد خلال حرب أكتوبر، عندما جاءت ساعة الصفر وعبور قناة السويس، كان فى صفوف المتقدمين باتجاه دشمة حصينة بخط بارليف. لم يهتم بالألغام والأسلاك وقام بإطلاق النار على جنود حراسة الدشمة الإسرائيلية وقام بإنزال العلم الإسرائيلى ورفع العلم المصرى فوق أول نقطة مصرية تم تحريرها.
محمد عبدالعاطى .. صائد الدبابات
محمد عبدالعاطى أشهر صائد دبابات، وضع اسمه ضمن الموسوعات الحربية، بعد ما استطاع تدمير أكتر من 30 دبابة ومدرعة إسرائيلية فى حرب أكتوبر 1973. كان أول فرد فى مجموعته يعبر خط بارليف، ولد عبدالعاطى من قرية "شيبة قش"، والتحق بالقوات المسلحة فى 15 نوفمبر 1969 بعد ما أنهى دراسته، وكان قدره أن يتم تجنيده فى وقت كانت فيه البلاد تقوم بالتعبئة الشاملة استعدادًا لمعركة التحرير. فى البداية انضم لسلاح الصاعقة، وانتقل بعدها إلى سلاح المدفعية حتى يبدأ مرحلة جديدة من حياته بالتخصص فى الصواريخ المضادة للدبابات، وبالتحديد فى الصاروخ "فهد" الذى كان وقتها من أحدث الصواريخ المضادة للدبابات التى وصلت للجيش المصرى وكان مداه يصل إلى 3 كيلومترات، وكان له قوة تدميرية هائلة. التحق البطل عبدالعاطى باللواء 112 مشاة فى الكتيبة 35 مقذوفات، وكان اليوم الثالث فى الحرب "8 أكتوبر" هو يوم مجده فى واحدة من المعارك البرية على بعد 80 كيلومترا فى سيناء، قام عبدالعاطى بإطلاق أول صاروخ ونجح فى إصابة الدبابة الأولى حتى يواصل إصاباته لدبابات العدو حتى وصل رصيده إلى 13 دبابة فى نصف ساعة، وبسببه قررت القوات الإسرائيلية الانسحاب واحتلت القوات المصرية مكانها. فى اليوم الرابع، فوجئ عبدالعاطى بقوة إسرائيلية مدرعة جاءت لمهاجمتهم فواجههم بسلاحه وأطلق الصاروخ الأول على مجنزة وأصابها، واصطاد الدبابات واحدة تلو الأخرى حتى وصل رصيده فى هذا اليوم إلي 17 دبابة. وفى 18 أكتوبر، دمر دبابتين وعربية مجنزرة حتى يبقى رصيده من تدمير الدبابات الاسرائيلية 23 دبابة و3 مجنزرات.. حصل البطل على وسام نجمة سيناء من الطبقة التانية ومات فى سنة 2001 ولُقب ب«صائد الدبابات».
عبدالرحمن القاضى « صاحب أشهر صورة فى الحرب»
المقاتل البطل عبدالرحمن القاضي، ابن مدينة المراغة شمال محافظة سوهاج، صاحب أشهر صورة فى حرب أكتوبر. أخذت الصورة لحظة عبور القناة وهدم خط بارليف، صورة، وصفت مشاعر حقيقية وصادقة فى أهم لحظة فى تاريخ مصر وهى لحظة الانتصار، وهو يرفع سلاحه قائلا"الله أكبر" بطاقة وفرحة كانت تهز الأرض، جعلت كل الصحف فى ذلك الوقت تتحدث عنها، واعتبرت أيقونة من أيقونات الحرب. فى أوائل أكتوبر 1967، التحق عبدالرحمن بالتجنيد بعد تخرجه، وشارك فى حرب الاستنزاف.
الشهيد العقيد محمد زرد
بعد عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس أضخم مانع مائى عرفه التاريخ وقف خط بارليف المحصن حاجزاً أمام عبور القوات المصرية إلى قلب سيناء إلا إن الهجوم الكاسح أسقط كل هذه الحصون إلا نقطة واحدة بقيت مستعصية على السقوط فى أيدى القوات المصرية. وكانت هذه النقطة محصنة بطريقة فريدة وقوية ويبدو أنها كانت مخصصة لقيادات إسرائيلية معينة.. وفشلت المجموعة المصرية فى اقتحام هذه النقطة المشيدة من صبات حديدية مدفونة فى الأرض.. ولها باب صغير تعلوه فتحة ضيقة للتهوية. وكان يقلق المجموعة المكلفة بالتعامل مع هذا الحصن أن الأعلام المصرية أصبحت ترفرف فوق جميع حصون بارليف بعد سقوطها عدا هذا الموقع الصامد الذى فشلت معه كل الأساليب العسكرية للفرقة المواجهة له. ويتطوع العقيد محمد زرد ويصر على مهاجمة الحصن فقد سبق له مهاجمته أثناء حرب الاستنزاف، وإذا بالأرض تنشق عن العقيد محمد زرد يجرى مسرعًا تجاه جسم الموقع متحاشيا الرصاص الإسرائيلى المنهمر بغزارة من الموقع ومن ثم اعتلاه وألقى بقنبلة بداخله عبر فتحة التهوية وبعد دقيقتين دلف بجسده إلى داخل الحصن من نفس الفتحة وسط ذهول فرقته التى كان قائداً لها. خلال انزلاقه بصعوبة من الفتحة الضيقة وجه له الجنود الإسرائيليون من داخل الموقع سيلاً من الطلقات النارية أخرجت أحشاءه من جسده، وفى هذه اللحظات تأكدت فرقته من استشهاده وما هى إلا ثوان معدودة وإذا بباب الحصن يفتح من الداخل ويخرج منه العقيد محمد زرد ممسكًا أحشاؤه الخارجة من بطنه بيده اليسرى واليمنى على باب الحصن تضغط عليه بصعوبة لاستكمال فتحه ويتقدم مقتحمًا الحصن صارخًا : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ويلحق به الرجال وتدور معركة شرسة بالأيدى والسلاح ويتعالى صراخ الإسرائيليين ثم ينتهى وقد سقط الحصن فى يد رجال زرد، وقبل أن يفارق الحياة لمس علم مصر وهو يرتفع فوق آخر حصون خط بارليف أقوى حصون العالم فى التاريخ العسكرى وعندها فقط يبتسم زرد ويرحل إلى الجنة فى سلام.
باقى زكى
بعد هزيمة 1967 تولى اللواء باقى زكى يوسف رئاسة فرع مركبات الفرقة 19 مشاة غرب قناة السويس فى نطاق الجيش الثالث الميدانى برتبة «مُقدّم »، وفى يوليو 1969 كلفت الفرقة 19 بمهمة عبور القناة واختراق الساتر الترابى الذى يطلق عليه (خط بارليف). بأساليب القتال المعروفة كانت هذه المهمة تعتبر شبه مستحيلة لأنها تحتاج إلى 15 ساعة لتفجير الساتر الترابى وسينتج عنها خسائر كبيرة فى الأرواح وفى المعدات.. حينئذٍ قفزت الفكرة لعقل المقدم المهندس وبادر بإعلانها مستدعيا خبرته فى تجريف الجبال فى أسوان. قوة الماء الدافعة قادرة على فتح ثغرات فى الساتر الترابى. «قانون نيوتن الثانى» يضمن لنا وضع معامل انهيار قادر على تحطيم أسطورة خط بارليف!
المشير أحمد بدوى
استحق المشير أحمد بدوى لقب رجل المعارك عن جدارة واستحقاق خلال حرب أكتوبر، حيث خاض ابن محافظة الإسكندرية خلال حرب أكتوبر عدة معارك من بينها معركة النقطة القوية جنوب البحيرات المرة، ومعركة تقاطع طريق الجدى مع طريق الشط لمنع تدخل احتياطات العدو، ومعركة النقطتين القويتين الملاحظة والمسحورة ومعارك الدبابات الكبرى والتى بدأت فى 15 أكتوبر، بالإضافة إلى معركة الصمود فى كبريت ثم معارك غرب القناة، ولما حاصرته القوات الإسرائيلية استطاع الصمود مع رجاله شرق القناة، فى مواجهة السويس، واستطاع مع فرقته عبور قناة السويس إلى أرض سيناء فى حرب أكتوبر من موقع جنوبالسويس، ضمن فرق الجيش الثالث الميدانى.
الشهيد أحمد حمدى
تم تصنيع وحدات لواء الكبارى تحت إشرافه المباشر واستكمال معدات العبور، كما كان له الدور الرئيسى فى تطوير الكبارى الروسية الصنع لتلائم ظروف قناة السويس، أسهم بنصيب كبير فى إيجاد حل للساتر الترابي، وقام بوحدات لوائه بعمل قطاع من الساتر الترابى فى منطقة تدريبية وأجرى عليه الكثير من التجارب التى ساعدت فى النهاية فى التوصل إلى الحل الذى استخدم فعلاً، وأدرك البطل أن التدريبات التى قام بها مع أفراد وحدات الجيش الثالث الميدانى على أعظم عمليات العبور وأعقدها فى الحرب الحديثة قد أثمرت، تلك التدريبات التى أفرزت تلك العبقرية فى تعامل الجنود مع أعظم مانع مائى فى التاريخ وهو ما شهد له العدو قبل الصديق. عندما حانت لحظة الصفر يوم 6 أكتوبر 1973 طلب اللواء أحمد حمدى من قيادته التحرك شخصيًا إلى الخطوط الأمامية ليشارك أفراده لحظات العمل فى إسقاط الكبارى على القناة. لقد كان على موعد مع الشهادة، حيث كرمت مصر ابنها البار بأن منحت اسمه وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى وهو أعلى وسام عسكرى مصري، كما اختير يوم استشهاده ليكون يوم المهندس، وافتتح الرئيس الراحل أنور السادات النفق الذى يربط سيناء بأرض مصر وأطلق عليه اسم الشهيد.