أصبح حديث العجز عن سداد الديون حديثا شائعا في أوكرانيا وهو حديث يسبب التشاحن بين القادة الأكرانيين ويعرض المستثمرين لكوابيس تقضي مضاجعهم. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن رئيسة الحكومة الأوكرانية يوليا تيمو شينكو تحاول تهدئة مخاوف المستثمرين التي وصلت إلي حد الذعر مؤكدة لهم أن ماليات الدولة جيدة ولا تنذر باحتمال لعجز عن سداد الديون. ورغم أن معظم الخبراء يوافقون رئيسة الحكومة علي ما تقول فإن الأسواق سجلت زيادة باهظة في ديون أوكرانيا الدولارية خلال الأشهر الأخيرة بلغت 32% سنويا.. ومع ذلك فلابد من الاعتراف بأن خزائن أوكرانيا لا تزال عامرة فالدين الحكومي لا يتجاوز ال21 مليار دولار من جملة ديون أوكرانيا الخارجية البالغة 105 مليارات دولار أي بنسبة 20% فقط ولا يزال في مقدور الحكومة أن تتعامل مع هذا الدين علي الأقل خلال العام الراهن 2009 ولكن البنوك والشركات قد لا تستطيع دفع ما عليها من ديون وهو ما سوف يعجل بحدوث وتفاقم الانكماش الاقتصادي. وحتي الآن تسلمت أوكرانيا القسط الثاني من القرض الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي وقيمة هذا القسط 8.1 مليار دولار. ولكن صندوق النقد الدولي صار ينعي علي أوكرانيا عدم التزامها بالشروط المتفق عليها عند إبرام القرض الذي تبلغ قيمته الإجمالية 4.16 مليار دولار. ويقول خبراء الصندوق إن أوكرانيا بحاجة إلي قدر أكبر من الانضباط ولا شك أن عدم اليقين من إمكان حصول أوكرانيا علي بقية هذا القرض أمر يثير الكثير من الاحتياج. وبينما يتصاعد التوتر نجد أن رئيسة الوزراء قد انخرطت في شجار متصاعد مع الرئيس الأوكراني فيكتور يوشتشينكو الذي اتهمها أخيرا بخيانة المصالح الوطنية لأنها تقدمت بطلب إلي روسيا للحصول علي قرض قيمته 5 مليارات دولار. ومن الواضح أن اللعب بورقة العداء لروسيا هو الأسلوب المفضل لدي الرئيس يوشتشينكو لإثارة الرأي العام في غرب أوركرانيا حيث إن سكان هذه المناطق لا يحبون روسيا ولا لغتها أما السيدة تيمو شينكو رئيسة الحكومة فهي تقاوم ضغوط صندوق النقد الدولي للقضاء علي عجز ميزانية العام الحالي الذي تبلغ نسبته 3% من إجمالي الناتج المحلي الأوكراني. وتعلم رئيسة الوزراء أن الغاء هذا العجز سوف يجبرها علي التخلي عن بعض الوعود الاجتماعية التي قدمتها للناخبين في أحدث انتخابات عامة ومعلوم أن كلا من الرئيس ورئيسة الوزراء سيخوضان معركة الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المقرر عقدها في العام القادم 2010 ولذلك فإن كلا منهما يدافع عن مصالحه السياسية في حين يتركان الاقتصاد المريض ليزداد مرضه سوء. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن اعتماد أوكرانيا في صادراتها علي الصلب والأسمدة والكيماويات جعلها تتعرض لضربة شديدة نتيجة لما حدث من انخفاض في الأسعار العالمية للمواد الخام. ويقول المسئولون في هذا البلد إن الانتاج الصناعي الأوكراني انكمش بنسبة 34% سنويا في شهر يناير الماضي. كما انكمش الاقتصاد في مجمله خلال نفس الشهر وحده بنسبة 20% حسب تقديرات فاليري ليتفيتسكي أحد مستشاري البنك المركزي الأوكراني، ويري الرجل أن السبب الرئيسي في هذا الانكماش هو ما حدث من نزاع من روسيا حول إمدادات الغاز الطبيعي في شهر يناير وما نجم عن ذلك من تباطؤ شديد في كل الصناعات الثقيلة الأوكرانية التي تعتمد علي الغاز الروسي. وعلي جانب آخر يتزايد عدد البنوك الأوكرانية المعرضة للإفلاس ويتصاعد عدد العمال الذين تأخرت رواتبهم أو جري الاستغناء عنهم كليا أما العملة "هيرفنيا" فقد فقدت أكثر من ثلث قيمتها منذ الخريف الماضي حتي الآن وهذا كله جعل الحياة أكثر خشونة علي المستهلكين الذين كان كثير منهم قد لجأوا إلي الاقتراض بالدولار من أجل شراء سيارة أو منزل. ومما يزيد الأمر سوء دون شك استقالة فيكتور بنزينيك وزير مالية أوكرانيا المحنك الذي كان قد استقال لشعوره بأنه صار سجينا للاعتبارات السياسية فالرجل ضد استمرار عجز الموازنة كما كان يري أن خطة الحكومة الاقتصادية تتم كلها بعدم الواقعية ولذلك رفض إقرار الموازنة وقدم استقالته والمدهش أن الحكومة لا تزال تتوقع إمكان تحقيق نمو اقتصادي محدود بنسبة 4.0% هذا العام مقابل 1.2% في العام الماضي بينما يري كبار الاقتصاديون أن الاقتصاد لن ينمو بل سينكمش بنسبة 5-6% خلال العام الحالي. وباختصار فإن السيدة تيموشيتكو تحاول الاقتراض من أي مكان تستطيع الاقتراض منه. وقد أرسلت حكومتها رسائل بطلب قروض إلي كل من الولاياتالمتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا كما أنها تسعي إلي حشد اجماعي وطني في مواجهة شروط صندوق النقد الدولي وهي تسعي فوق ذلك لحمل الرئيس الأوكراني علي توقيع بيان يتعهد فيه بالتعاون معها والحقيقة أن نجاة أوكرانيا من ازمتها الراهنة يتطلب من الرئيس ورئيسة الوزراء نبذ خلافاتهما وتنافسهما السياسي حقيقة وليس لمجرد الاستعراض.