طبقا لمانشيتات الصحف فإن أسوأ صداع في رأس أوروبا حاليا هو اليونان العاجزة ماليا والمضطربة اجتماعيا وما لم يتم احتواء مشكلات اليونان فإن عدوي هذه المشكلات يمكن ان تنتقل إلي بلدان متوسطية أخري في جنوب أوروبا مثل اسبانيا والبرتغال وحتي إيطاليا وهذا يعني ان منطقة اليورو بل وربما الاتحاد الأوروبي كله سيكون في خطر. وتقول مجلة الايوكونوميست ان وزراء مالية الاتحاد الأوروبي كانوا يتحدثون منذ أيام عن احتمال تقديم قروض علي أساس ثنائي إلي اليونان من أجل انقاذها كنوع من المكافأة للحكومة اليونانية علي ما بدأت تتبعه من سياسات تقشفية وإن كانت تفاصيل ترتيب هذه القروض لم يتم الاتفاق عليها بعد ولكن دروس التاريخ تعلمنا ان اتجاه المخاوف يمكن ان يتغير بسرعة فمنذ 12 شهرا فقط كانت الدول الشيوعية السابقة مثل المجر ولاتفيا واوكرانيا وغيرها تعتبر أكبر المشكلات التي تواجه الاتحاد الأوروبي حيث كانت هذه الدول تتعرض لاحتمالات حدوث انهيارات مصرفية وهبوط شديد لقيمة العملة علي نحو يعرض شرق أوروبا للخطر بل وربما يتجاوزها الي غرب اوروبا ايضا وهاهي التطورات بعد عام واحد فقط تبرهن علي ان مشكلات شرق أوروبا ليست مخيفة إلي هذا الحد. لقد تبددت المخاوف بشأن شرق أوروبا ولو جزئيا وثبت ان الحديث عن اقليم واحد يضم الدول الشيوعية السابقة هو حديث غير دقيق فليس هناك ما يجمع سلوفينيا المزدهرة والتي تعد اغني من البرتغال مع دولة مثل مولدوفا أفقر بلدان أوروبا كذلك فإن بلد مثل المجر كانت لديه انظمة مالية كبيرة ومتوازنة أصبح الآن مبتلي بكارثة فقر الائتمان والمستهلكين المبذرين وبالمقابل فإن جمهورية التشيك تتمتع ببنوك راسخة ومستهلكين مقتصدون أما بولندا صاحبة اكبر اقتصاد في شرق أوروبا فلم تضطرب تحت وطأة الأزمة حتي ان اقتصادها حقق نموا في عام 2009 مقدما يد المساعدة لكل شركائها التجاريين ولعل اللغط حول مشكلة ديون دولة صغيرة مثل استونيا هي أبلغ دليل علي خطأ رؤية الأمور من الخارج حيث ان المبالغة في أرقام ديون الحكومة الاستونية قد أسهمت في دعم التشاؤم بشأن مستقبلها علي الرغم من أن تأثيرها علي الوضع الأوروبي في مجمله لن يكون كبيرا ولكن المهم هو ان المبالغة في هذه الديون نشأت من رؤية خاطئة وقع فيها بنك التسويات الدولية لحجم ما علي استونيا من ديون خارجية. ومع ذلك فإن الجهل بحقيقة الأمور يظل مجرد تفسير جزئي للعصبية التي غلفت النظرة إلي المشكلة الاستونية حيث إن هناك عنصرا آخر ربما يكون أكثر أهمية وهو ان الحكومة لم تكن واضحة في الحديث عن ديونها وعزت الأمر الي اخطاء بعض المصرفيين الذين نشروا دراسات تخير المسئولين في استونيا بين مواجهة الافلاس او اعلان تخفيض قيمة العملة. وبجانب هذا وذاك هناك من يري ان السبب يكمن في رغبة بلدان غرب أوروبا نقل عبء الأزمة الي غيرها حيث الصقوها في البداية بأمريكا ثم بجيرانهم في شرق أوروبا متهمين اياهم بالبدائية والتشوش ويقول جاك روستوفسكي وزير مالية بولندا انه فوجئ بهذه الهيستريا من جانب غرب أوروبا وان المسئول عن هذه الهيستريا هي رغبة دفينة لدي المسئولين في غرب أوروبا في إلقاء عبء صنع الأزمة بعيدا عن كاهلهم والصاقه بالآخرين. وتقول مجلة الايكونوميست ان هناك مسافة شاسعة بين ما حدث في اليونان من مظاهرات وأعمال شغب وبين الصبر الحزين الذي يتحلي به الناخبون في الدول الشيوعية السابقة بالرغم من حدوث انخفاض في مستويات معيشتهم وزيادة في معدلات البطالة بينهم وان هذه الظاهرة تفضح ما يردده ساسة الغرب من مخاوف بشأن "هشاشة المؤسسات" في شرق أوروبا وان هذه الهشاشة توجد في منطقة اليورو وليس في القطاع الشرقي من أوروبا وخلال عام 2009 واجه ساسة شرق أوروبا أسوأ المواقف واتخذوا بشأنها أصعب القرارات ولم يكن هناك استثناء من ذلك سوي أوكرانيا التي كانت مشغولة بالعراك السياسي الداخلي ولم يمكنها من الوقوف علي قدميها سوي الدعم الخارجي وقد أثبت ساسة شرق أوروبا ان شبح الشعبوية مجرد خيال فحتي الحكومات الائتلافية التي يفترض انها حكومات ضعيفة استطاعت ان تتخذ اصعب القرارات الاصلاحية من دون ان تسقط. وحتي في البلدان التي كانت اكثر تضررا من الأزمة العالمية مثل المجر ولاتفيا ارتفع شعبية حكوماتها بالرغم من عضة الألم ولا يقلل من هذا ما حدث في لاتفيا يوم 17 مارس