تعكس المعارضة الشديدة التي تواجهها حكومات بلدان الاتحاد الاوروبي في تمرير خطة انقاذ اليونان ومايترتب علي ذلك من مساهمات مالية ضخمة. علاوة علي الانهيار الذي شهدته الأسواق المالية في تلك البلدان عقب الموافقة علي تلك الخطة في الثاني من مايو الحالي. حقيقة فجرتها الأزمة المالية اليونانية مؤداها أن قرار توسيع عضوية الاتحاد الاوروبي كان خاطئا أو في غير توقيته المناسب حيث أضطرت الدول الأعضاء القديمة في الاتحاد, خاصة المانيا دوما لتحمل تكاليف هذا التوسيع الذي جري عقب انهيار الاتحادين السوفيتي واليوجوسلافي. ففي المانيا دافعت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل عن خطة الانقاذ التي ستقدمها الحكومة بقيمة22.4 مليار يورو(29.1 مليار دولار امريكي) علي مدي ثلاث سنوات كجزء من قرض قيمته110 مليارات يورو(149 مليار دولار امريكي) من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان قائلة إنها' من اجل مستقبل اوروبا والمانيا' وقالت ميركل في البرلمان' إننا امام مفترق طرق'. واضافت' إن الأمر يتعلق بمستقبل اوروبا ومستقبل المانيا في اوروبا'. وحذرت قائلة إن مساعدة اليونان هي السبيل الوحيد لتجنب سلسلة من ردود الافعال قد تؤثر علي الدول الاخري الاعضاء بمنطقة اليورو واستقرار اليورو مشيرة إلي انه يتعين اصلاح معاهدة الاستقرار والنمو, الاوروبية لوضع الكثير من الخيارات لفرض عقوبات, كدرس تعلمناه من الازمة الحالية في اليونان. ولايتوقف الأمر علي مخاوف الألمان فلايوجد بلد من البلدان المؤسسة للاتحاد الاوروبي لا توجد فيه معارضة لخطط انقاذ اليونان وذلك لسبب بسيط هو أن المسألة قد لاتقتصر علي اليونان فهناك احتمالات كبيرة أن تلقي كل من مقدونيا( من الجمهورية اليوجوسلافة السابقة) واسبانيا والبرتغال نفس المصير نظرا لتعرض تلك الدول لمصاعب مالية معظمها ناتج عن الخداع وعدم تقديم ارقام اقتصادية صحيحة حيث كشفت الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في نهاية عام2009 عن أن الكثير من البلدان والمؤسسات العملاقة كانت تكذب دائما وتضخم من حجم امكانياتها لاجتذاب المزيد من الاستثمارات والقروض والحصول علي العقود الضخمة. ويقول منتقدو برنامج انقاذ اليونان, إن بعض البلدان التي انضمت حديثا للاتحاد الاوربي خاصة البلدان الأوروبية الشرقية لم تكن مستعدة جيدا للعضوية في الاتحاد الأوروبي; وإنها لم تتقن الإصلاحات أو تجنبتها; وإنها أهدرت المليارات التي اقترضتها علي طفرات البناء والاستهلاك. ولا بد لها من أن تدفع ثمن جنونها. ويرد مؤيدو خطة الانقاذ بأنه إذا أفلس بلد مثل المجر( الشيوعية السابقة) أو أحد بلدان البلطيق الثلاثة( ليتوانيا واستونيا ولاتفيا وكانت جزءا من الاتحاد السوفيتي), فسوف يكون الأوروبيون الغربيون بين أوائل من سيعانون من التداعيات. وسوف تتكبد مصارف في النمسا وإيطاليا والسويد استثمرت وأقرضت مبالغ طائلة في أوروبا الشرقية, خسائر كارثية إذا تدهورت قيمة أصولها و من شأن العبء الذي يسببه التخلف عن تسديد الديون إلي جانب الغرائز الحمائية الرجعية التي تبرز إلي الواجهة في مختلف أنحاء أوروبا, أن تؤدي بكل سهولة إلي تداعي الإنجاز الذي يشكل مصدر الاعتزاز الأكبر للاتحاد الأوروبي, أي السوق الموحدة. ويمكن أن تكون التداعيات السياسية لترك أوروبا الشرقية تنهار, أشد خطورة. فأحد أكبر الإنجازات الأوروبية في العشرين عاما الماضية كان إعادة توحيد القارة بطريقة سلمية بعد نهاية الأمبراطورية السوفيتية. روسيا نفسها هي في ورطة اقتصادية كبيرة, غير أن قادتها يظلون حريصين علي انتهاز أي فرصة لإعادة تأكيد نفوذهم في المنطقة. فضلا عن ذلك, إذا شعرت شعوب أوروبا الشرقية بأن أوروبا الغربية تخلت عنها, فقد تنجرف وراء القوميين من النوع الذي وصل إلي السلطة في أحيان كثيرة جدا في التاريخ الأوروبي. وطبقا لما ذكرته مجلة الايكونوميست الأمريكية المرموقة فأنه سيكون من الصعب علي قادة أوروبا أن يقنعوا الناس في برلين( المانيا) وبرادفورد( بريطانيا) وبوردو(فرنسا) بوجوب إنقاذ السباكين البولنديين الأسطوريين الذين سرقوا للتو وظائف الجميع, ولا سيما مع اشتداد صيحات الاعتراض من اليمين المعروف بكرهه للأجانب. فدافع الضرائب الألمان قلقون من أن الآخرين يسعون وراء أموالهم التي يكسبونها بشق الأنفس. ستكون الفاتورة كبيرة جدا بالفعل, لكن في الحقيقة لا تستطيع أوروبا الغربية أن تتهرب من دفعها. والحقيقة أنه لم يكن أمام الاتحاد الأوروبي إلا اقرار خطة محاصرة الأزمة اليونانية ووقف امتدادها لبقية أعضاء الاتحاد, علي اعتبار أن العجز عن السداد أو إعلان الإفلاس سيكبد المؤسسات المالية والمصارف الأوروبية مليارات من'' اليورو'', علما بأنه بالكاد استطاعت البلدان الأوروبية ومعها بقية بلدان العالم من محاصرة تداعيات الأزمة المالية العالمية, وبالتالي, فإنها ليست بحاجة إلي انتكاسات جديدة تنسف ما تم تحقيقه من تقدم ملموس علي طريق التعافي. والحقيقة الأهم هي الأوروبيون أنفسهم ليسوا في حال مالية يحسدون عليها, إذ بلغ عجز منطقة اليورو565 مليار يورو في العام الماضي وديونها تعدت سبعة آلاف مليار يورو. ومن هنا يتصور المتشائمون أحد سيناريوهين أولهما أن يستمر الأوروبيون في برنامجهم لإنقاذ اليونان مهما كلف الأمر علما بأن اجمالي ديون اليونان150 مليار يورو يضاف اليها حتي عام2015 تسعون مليارا أخري لخدمة هذا الدين نفسه, من دون إهمال فرضية أن تلجأ إلي المزيد من الديون بسبب عجزها المتفاقم عاما بعد عام. وهذا يعني أن حجم المساعدة سيكون بمئات المليارات من اليورو وهذا ما لا طاقة للاتحاد أن يتحمله ولو بمساعدة صندوق النقد الذي يقدم الأموال ومعها الرقابة المشددة علي برامج سدادها. والسيناريو الثاني هو أن تعترف اليونان بعدم قدرتها علي الإيفاء بالتزاماتها المالية فتدخل في مفاوضات مع الدائنين لإعادة جدولة الدين علي مدي العشرين أو الخمس وعشرين سنة المقبلة, كما سبق أن فعلت الأرجنتين في اوائل التسعينيات من القرن الماضي, وهذا سيؤثر سلبا علي الدائنين من مصارف وشركات تأمين أوروبية وغيرها, لذلك لا تزال الحكومات الأوروبية ترفض الخوض فيه وفي جميع الأحوال يقف الاتحاد الأوروبي أمام مفترق, وإذا لم ينجح في الامتحان اليوناني الصعب فإن مصداقيته ستتعرض لأذي شديد, وستكون لذلك آثار سلبية علي مستقبله من كل النواحي الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.