عقد القادة الأوروبيون قمة طارئة الجمعة الماضية في بروكسل حول الأزمة المالية اليونانية التي كان من المحدد لها ان تعقد اليوم الأثنين إلا أن اضطراب أسواق المال العالمية في ظل مخاوف من امتداد آثار أزمة اليونان لتطول دولا أوروبية واقتصاديات أخري جمع الزعماء في قمة لإدارة الأزمة. وكانت هذه القمة ستخصص لإقرار ما تم الاتفاق عليه من حزمة المساعدات لليونان التي اقرها الأوروبيون وصندوق النقد الدولي لمدة3 سنوات وتبلغ110 مليارات يورو يقدم منها خلال أيام45 مليارا منها15 مليارا من الصندوق ويوفر الجانب الأوروبي30 مليارا. وقد أعلنت موافقتها علي تقديم حصصها فيها حتي الآن كل من ألمانياوفرنسا والبرتغال واسبانيا وتسهم ألمانيا بما يعادل نحو27% منها مبلغ8.4 مليار وجاءت الموافقة الألمانية بعد تردد بعد أن اقر البرلمان اليوناني بأغلبية الإجراءات التي طرحتها الحكومة اليونانية للتقشف والإصلاح برغم موجة الاضرابات والاحتجاجات التي شهدتها اليونان خلال الأيام الماضية ويأتي الرفض الشعبي لتلك الإجراءات برغم إدراك اليونانيين للوضع المتأزم الذي تمر به البلاد حيث بلغت مديونيتها300 مليار يورو أي ما يمثل115% من اجمالي ناتجها المحلي. وجاءت موافقة البرلمان الألماني البوندستاج خلال الأيام الماضية علي تقديم المساعدة لليونان بعد ان ترددت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل طويلا في الموافقة علي تقديم المساعدة لليونان مما أثار انتقادات شركائها الأوروبين ودهشتهم بمن فيهم الرئيس الفرنسي ساركوزي, ولم يدعمها بصورة غير معلنة سوي فنلندا وهولندا, ويعزي البعض تردد ميركل إلي ان أحد اسبابه الانتخابات بولاية نورد راين فستفالين, والتي اجريت أمس.. حيث يعارض معظم الألمان تقديم العون المالي لليونان ولايتفهمون سبب أن يكونوا هم من أكبر ممولي تلك الحزمة, وتقدم فرنسا أكثر من6 مليارات وإيطاليا5.5 مليار واسبانيا3.6 مليار. وجاءت موافقة البوندستاج الألماني بعد أن توجه كل من مدير صندوق النقد دومينيك شتراوس كان وكلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي إلي برلين لعرض صورة الأزمة الحادة التي يتعين علي الحكومة والبرلمان ادراك مدي خطورتها ليس فقط علي اليونان إنما علي كل انحاء منطقة اليورو حيث هناك دول اخري مرشحة للازمة: البرتغال واسبانيا وإيرلندا وإيطاليا. وقد أكدت المستشارة ميركل في بيانها امام البوندستاج الذي أعلنت فيه التأييد لاتفاق انقاذ اليونان يتعلق بمستقبل أوروبا ومستقبل ألمانيا في أوروبا, واستبعدت فكرة خروج ألمانيا من اليورو وهو ما طالب به البعض في ضوء العبء الكبير الذي تتحمله ألمانيا كأكبر مساهم في الميزانية الأوروبية, كما طالبت بإدخال تعديلات علي الاتفاقية الإطارية بما يوفر استقرار أكبر لليورو. وتعد تلك الأزمة وتعالي صوت مطالبة البعض بالخروج من منطقة اليورو بمثابة إشارة سلبية لمن يتأهب للانضمام إليها مثل بعض الدول الأوروبية عبر الأعضاء مثل بريطانيا وبولندا, التي كانت تعتزم اتخاذ الخطوة بحلول عام2012 إلا أنها تخلت عنها في ضوء الأزمة المالية العالمية التي عرقلت النمو الاقتصادي في بولندا, ويتوقع البعض أن يكون الموعد الجديد لانضمامها إلي الدول ال16 بمنطقة اليورو بحلول2015, وتثور المخاوف من انهيار العملة الأوروبية, حيث تراجع سعره لأول مرة منذ2009 عن حد1,3 دولار, ولا يستبعد بعض المحللين الأمريكيين تراجعه إلي1,2 أو تعادل سعرهما ليكون يورو واحد مقابل كل دولار. ويشير انطون بوزير رئيس اتحاد الصادرات الألماني إلي أن تراجع قيمة اليورو لا يمثل مشكلة في حد ذاته, ذلك أن الاقتصاد عاني طويلا من ارتفاع سعر اليورو مقارنة بالدولار. وتكمن المشكلة في تراجع سعر اليورو في أن أسواق المال لا تشعر بالثقة تجاه قدرة الأوروبيين علي السيطرة علي أزمة الديون التي تواجهها دولهم. ألمانيا واليونان في الوقت الذي يبدي الألمان فيه استياءهم من تقديم تلك الأموال لليونانيين- وهي قروض ستسددها اليونان بفائدة5%- يطالب اليونانيون بأن يقوم الأغنياء بسداد فاتورة الأزمة ويرون أن تلك الاتفاقية التي يحصلون بموجبها علي الدعم المالي مهينة ويعارض70% ممن شملهم استطلاع للرأي مشاركة صندوق النقد الدولي في هذه الصفقة, وحول الموقف المعارض من قبل الألمان لدعم اليونان حيث يرون أن اليونانيين يستولون علي الأموال من جيوبهم, يقول اليونانيون إنهم يسرقوننا, حيث يقدمون لنا المال لنقوم بتحويله إلي البنوك الألمانية مضافا إليها5% فوائد نتحملها نحن وتشير احصائيات البنك المركزي الألماني إلي أن مديونية بنوك ألمانيا لدي اليونان تبلغ33 مليار يورو, كما تبلغ لدي ايطاليا123.5 مليارا واسبانيا156.4 مليار والبرتغال29.7 مليار وايرلندا173.3 مليارا. ومن مجالات الانفاق التي يؤخذ علي اليونان سوء الصرف فيها: ترتيبات التقاعد المبكر لدي بلوغ الخمسين ومنح معاشات للفتيات غير المتزوجات أو المطلقات من أبناء موظفي الدولة بعد وفاة والديهم, وهناك40 ألف سيدة تستفيد من هذا النظام وتصل تكلفته550 مليون يورو. لذا فإن الانفاق علي المعاشات في اليونان يتزايد بمعدل أسرع منه في بقية دول الاتحاد الأوروبي. وقد حاولت نقابات العمال لسنوات خصخصة شركة أوليمبيك للطيران الغارقة في الديون. اضافة إلي ذلك يمنح الموظفون مكافآت اضافية شهرية قد تصل إلي1300 يورو شهريا إذا تمكن من اكتساب مهارات اضافية مثل الكمبيوتر أو تعلم لغة أجنبية أو الانضباط في مواعيد العمل! كما يحصل جميع العاملين علي مرتب14 شهرا أي شهرين اضافيين سنويا يضاف إليها نصفي شهر في كل من عيد الفصح وعطلة الصيف. تسويق الفكرة ويري أعضاء من حزب الباسوك الحاكم في اليونان ضرورة أن تروج الحكومة إجراءات التقشف واعادة هيكلة الاقتصاد ليس بوصفها شر أسوأ وأكثر أذي ويري الحزب أن كثيرا من الإجراءات التي يطالب كل من صندوق النقد والاتحاد الأوروبي اليونان باتخاذها كان يجب تطبيقها منذ فترة طويلة وأنها ستؤدي إلي استعادة العافية وتحقيق الازدهار كما أنها- كما يقول رئيس الوزراء جورج باباندريو- ستجعل اليونان بلدا مختلفا. ومازالت حكومة الباسوك الاشتراكية التي تولت السلطة في أكتوبر الماضي تتفوق في استطلاعات الرأي علي الحزب اليميني الديمقراطية الجديدة بفارق9% إلا أنه قد فقد10% من شعبيته. ويري أغلبية اليونانيين أن جميع الأطراف في اليونان ملامة وليس فقط حكومة حزب الديمقراطية الجديدة السابقة, وستكون الانتخابات المحلية والبلدية في الخريف المقبل بمثابة اختبار حقيقي للباسوك. مشكلة غير معاصرة وقد يعتقد البعض أن الأزمات المالية وليدة العصر الحديث إلا أن دراسة لصندوق النقد الدولي اعدها الأمريكيان كارمن رانهارت وكينيث دوجوف حول الأزمات المالية التي تعرض لها العالم خلال ال800 عام الماضية تظهر أن مسألة إفلاس الدولة هو ظاهرة عالمية, وهناك حالات تعرضت فيها الدولة الواحدة عدة مرات للإفلاس, ومن بين تلك الحالات أن فرنسا لم تتمكن فيما بين1500 1800 ثماني مرات من سداد مديونيتها. وأفلست اسبانيا في القرن ال19سبع مرات. لذلك فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن افلاس الدولة أمر جديد علي عالم المال المعاصر. وفي معظم اوقات الأزمات كان سبب الحاجة الملحة للمال مرجعها اعباء الحروب. وتمكنت الحكومات من الخروج من ذلك الخراب بصورة أو بأخري ولكن ذلك يكون دائما علي حساب المواطن. وابسط الطرق للخروج من تلك الأزمة ان ترفض الدولة سداد ديونها. ولجأت الثورة الفرنسية لتسوية الديون مع دائنيها بأن قام الحكام الجدد بشنق الدائنين. ومن الخيارات الأخري لتسوية المشكلة ان يقوم الحكام باستغلال ثروات المناطق التي تحتلها فتغذي اعباء الحرب.. بحرب. اضافة إلي لذلك قد يلجأ المسئولون للخروج من الأزمة إلي زيادة كميات النقود المتداولة ويترتب علي ذلك تراجع قيمتها. وسلك ذلك الطريق قديما الرومان, حيث قللوا من نسبة المعادن النفيسة المستخدمة في صك النقود. وفعل الشيء نفسه حكام النمسا فيما بين1500 1800 حيث خفضوا نسبة الفضة المستخدمة في صلك النقود بمعدل60% وفقدت عملتها الكروتيسر اكثر من70% من قيمتها. وبعد إصدار العملات الورقية علي نطاق واسع لجأ الفرنسيون إلي ذلك في بداية القرن ال18 لأول مرة علي نطاق واسع للتخلص من ديونها التي خلفها الملك لويس الرابع عشر الذي وسع دولته وشيد قصر فرساي. وخلال الحرب العالمية الأولي تخلي الرايش الألماني عن مبدأ الغطاء الذهبي للعملة المعمول به, حيث كان لأي مواطن ان يستبدل العملة الورقية مقابل الذهب, وازدادت كميات المال المتداولة من13 مليارا إلي60 مليارا وشهدت الأسعار ارتفاعا محموما. نهاية بريتون وودز بعد نحو نصف قرن رأت دولة أخري ضرورة فصل تقييم العملة بغطاء الذهب, حيث أعلنت الولاياتالمتحدة بعد حرب فيتنام وتراكم العجز علي لسان الرئيس ريتشارد نيكسون تخليها عن اتفاقية بريتون وودز التي ابرمت عام1944 وتأسس في اطارها الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة( صندوق النقد الدولي) والبنك الدولي لإعادة التعمير والتنمية واستهدفت الاتفاقية تنظيم النظام النقدي والمالي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كما أرست نظام اسعار الصرف.. غير انه لم يبدأ تطبيقها إلا عام1959 حين اصبح من الممكن تحويل اسعار العملات الأوروبية وكان ذلك في نهاية عام1971.. وجاء تخلي الولاياتالمتحدة عن ذلك بعد أن سبقتها لذلك ألمانيا.. وتبعتها سويسرا. وبهذا التحرك اوقفت الولاياتالمتحدة عملية مبادلة كل35 دولارا بأوقية من الذهب. واصبح بوسع الأمريكيين طبع الكميات التي يحتاجونها من العملة الورقية. وفتح ذلك شهية الجميع علي الاقتراض وأن يعيشوا علي مال لا يملكونه.. وازدهرت حركة القروض بصورة غير مسبوقة. وبعد مضي نحو6 أشهر من تولي جورج باباندريو يتعين عليه ان يجد وسيلة يقنع بها شعبه بتجرع الدواء المر وإرجاء تحقيق برنامجه الانتخابي الذي أتي به للحكم, حيث كان يتضمن زيادة المرتبات وقيادة البلاد عبر الموجة المتلاطمة للأزمة المالية بدون معونات خارجية.. وقد يؤدي زيادة حدة الأزمة التي يواجهها الأوروبيون ويجرون معهم العالم اليها لاقناع اليونانيين بالمثول للأمر الواقع. رحلة اليورو مارس1979: بدء سريان نظام العملة الأوروبي تم في اطاره تحديد اسعار صرف العملات وتحديد معدلات تأرجحها وأطلق علي ذلك اسم افتراضي: وحدة النقد الأوروبيةEcu. يوليو1990: اولي مراحل اتحاد اقتصادي ومالي. ونص قيام السوق الداخلية الموحدة في كل الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي علي ضمان حرية التنافس.. ديسمبر1991: وافقت الدول الأعضاء في مؤتمر عقد بماستريخت الهولندية علي خطة من عدة مراحل علي توحيد عملتهم. وتحدد تلك الخطة سقف العجز المسموح به في ميزانيات الدول(3%) ومديونية الدولة يجب ألا تتجاوز60% من اجمالي ناتجها المحلي. في1994: اختيار فرانكفورت لتكون مقرا للبنك المركزي الأوروبي. ديسمبر1995: اختيار اسم العملة الأوروبية الجديدة اليورو. يونيو1997: استجابة لمبادرة المانية تعهدت دول الاتحاد الأوروبي باتفاقية الاستقرار والنمو الخاصة بإدارة ميزانيات مستقرة. مايو1998: نجحت11 دولة في الوفاء بشروط ومعايير الانضمام للعملة الأوروبية.. إلا أن الكثيرين لجأوا إلي التحايل بشأن بنود ميزانياتهم الحقيقية لتتماشي والشروط المطلوبة. يناير1999: بدء سريان الاتحاد النقدي مع تثبيت اسعار الصرف. ومن بين الدول ال15 للاتحاد الأوروبي اعلنت كل من بريطانيا والسويد والدنمارك عدم انضمامها إلي اليورو. يناير2001: اعلنت اليونان انضمامها إلي منطقة اليورو بعد أن زعمت ان مديونيتها الجديدة تبلغ1.6% من اجمالي ناتجها المحلي! يناير2002: طرحت عملة اليورو في اسواق منطقة اليورو بديلا عن العملات المحلية. سبتمبر2004: ابلغت الحكومة اليونانية الاتحاد الأوروبي ان ما اعلنته حول ارقام ميزانيتها للسنوات السابقة تم حسابه بصورة خاطئة. يناير2007: انضمت سلوفينيا إلي منطقة اليورو, تلتها مالطة وقبرص في2008 ثم سلوفاكيا في2009. ديسمبر2008: تعلن دول الاتحاد الأوروبي برنامجا ماليا طارئا لحفز الاقتصاد للتخفيف من تداعيات أثر الأزمة العالمية المالية.. وأطاح ذلك بالمعايير المتفق عليها لضمان استقرار اليورو.