الأحوال في أسواق المال والبورصات محبطة، ولكن التعاملات لا تتوقف وذلك بسبب اختلاف تقديرات الموقف والاحتمالات لما هو قادم والتقييم الواقعي للمؤسسات والأجانب والتعامل مع الموقف بشكل عاطفي يتسم بالتمني من المستثمرين الأفراد. واقع الأمر في البورصات يشير إلي أن عام 2009 سيكون نصفه الأول علي الأقل في منتهي السوء، وذلك بناء علي الأرقام المعلنة من كبري الشركات والمؤسسات المالية والدول الكبري، وهي أرقام تؤكد أن هناك ركودا قادما وزيادة في البطالة وتراجعا في الطلب، وانخفاضا كبيرا في أرباح معظم الشركات الكبري وتخفيضا للعمالة، هذا واقع الحال عالميا. محليا لا يبدو الأمر بعيدا فلم يعد هناك اقتصاد منغلق علي نفسه وينمو بشكل منفصل عن الوضع العالمي، وهذا لا يمنع بالطبع أن هناك اقتصادات قد يكون أداؤها أفضل كثيرا من الآخرين في ظل وضع واتجاه عام له عنوان واحد هو التباطؤ، ولكن المدي واسع ما بين انخفاض لنسبة النمو المحققة وبين التحول من النمو إلي الانكماش. الوضع في الاقتصاد المصري أفضل كثيرا من الوضع العالمي، والتقديرات تشير إلي انخفاض واضح لمعدلات النمو ولكن سيظل هناك نمو، كما أن وضع القطاع المصرفي والسيولة هي أفضل كثيرا من أغلب دول العالم. ولكن هل ستظل أوضاع الشركات كما هي؟ ولماذا نتأثر أكثر من الآخرين بالأزمة رغم أن وضعنا ماليا أفضل؟! الحقيقة أن المشكلة هي أن الاقتصاد المصري اعتمد في نموه الكبير خلال الفترة الماضية علي عوامل هشة وقطاعات خدمية أكثر من اعتماده علي نمو للقطاعات الصناعية المنتجة، ومعظم هذه القطاعات الخدمية ترتبط بشكل مباشر بأداء الاقتصادات العالمية والإقليمية مثل تحويلات المصريين في الخارج وقناة السويس والسياحة وكلها قطاعات ستتأثر سلبا بشدة بالوضع العالمي هناك تراجع كبير سيحدث في موارد هذه القطاعات، كما أن الاستثمارات الوافدة إلي مصر ستنخفض بشدة وبالتالي لابد من البحث عن حلول ومصادر قوة كامنة في الاقتصاد المصري، وسنعود للتركيز علي ضرورة زيادة معدلات الإدخار المحلي وتنمية القطاع الصناعي وإعادة هيكلة حقيقية للاقتصاد. وستظهر مدي هشاشة اعتماد النمو علي مصادر خدمية، كما أن الأيام القادمة ستتبين الأداء الحقيقي للشركات في ظل الأزمة، فمع بداية فبراير القادم سيتم إعلان نتائج أعمال الشركات عن عام 2008 وستظهر بنتائج الربع الأخير، وقد نتلقي لطمة في فبراير، أما الأسوأ فهو إبريل ومايو ويونية حينها تبدأ نتائج الشركات عن الربع الأول من 2009 في الظهور، وحينها سنري أن تقديرات مضاعف ربحية بعض الشركات حاليا بين 3 مرات و10 مرات هو أمر غير حقيقي لأن هذه التقديرات تم بنائها علي أساس أرباح ،2008 والصحيح في أسواق المال أن مضاعفات الربحية يتم تقديرها علي الأرباح المتوقعة، وبالتالي ستتضاعف مضاعفات الربحية وستظهر مدي عدالة التسعير في البورصة. وبعد ظهور نتائج الأعمال عن عام 2009 سنتأكد أن بعض الشركات التي تقول إن أسعارها رخيصة للغاية، في الواقع ليست رخيصة أبداً، وهنا أوجه هذا التحليل للمستثمرين الأفراد وهو ضرورة بناء قراراتهم الاستثمارية علي واقع الحال والتنبؤ المستقبلي بما سيحدث في الأسواق وليس الماضي وأن يتم إبعاد العواطف عن القرارات الاستثمارية لأن النصف الأول من عام 2009 علي الأقل سيكون صعبا ويحتاج إلي قرارات مدروسة، ولكن واقع السوق والاقتصاد يحتاج لدور حكومي أكبر خلال الفترة القادمة، وللكلام بقية. [email protected]