شيدت دولة التلاوة المصرية أركانها بمئات الأصوات العذبة التى سكنت الأرواح قبل الأسماع، فجعلت مصر تُسمع فى ربوع الدنيا، حتى حين لا تُرى. وكأنما أودع المصريون سر حلاوة الصوت ودقة الإحكام، وكأن الذكر المنزل من السماء لا يجد موطئًا له كحناجر المصريين وقلوبهم وخشوعهم فى تلاوة الذكر الحكيم. ومن «برنامج دولة التلاوة» خرجت آخر نفحات السماء لمصر: أصوات ندية نقية، يتقدمهم أطفال كزهور القرآن، يحملون فى صدورهم نور الآيات، ويحيون فى حناجرهم إرثًا خالدًا. أعظم فضائل البرنامج أنه أيقظ فى المصريين ذاكرة إرثهم الخالد، وذكّر العالم بأن مصر هى وطن أصوات السماء. شيوخنا الأبرار: رفعت، والحصري، والمنشاوي، وعبد الباسط، والفشني، والبنا، ومصطفى إسماعيل وغيرهم المئات، لم يكونوا مجرد قارئين، بل كانوا سفراء كرامًا بررة، حملوا قوة مصر الناعمة فى حناجرهم الملائكية. بأصواتهم الشجية، لم يقرأوا القرآن فحسب، بل أسسوا دولة للتلاوة، راسخة الدعائم، خالدة كخلود الذكر الحكيم. إذا كانت مصر قد نجحت فى استعادة مجدها الصوتى عبر برنامج «دولة التلاوة»، وضاعفت بذلك رصيدها من القوة الناعمة فى فضاء التلاوة، فإن المنطق والإبداع يفرضان عليها الآن أن تنقب عن جواهرها المدفونة فى حقل الإنشاد الديني؛ فلن تكتمل دولة الأصوات الروحية دون «دولة للإنشاد». النقشبندى وطوبار وعمران وغيرهم، كانوا أكثر من مجرد منشدين؛ كانوا سفراء للوجد. حولوا القصائد والمدائح من كلمات تُتلى إلى حالات وجدانية، تذوب فيها الألفاظ فى بوتقة النغم، لتصير لحظات تجلٍ وابتهال. أصواتهم لم تكن تُسمع فقط، بل كانت تُرى كأطياف نورانية تسمو بالروح إلى عنان السماء. «دولة الإنشاد» ستكون الحاضنة التى تكتشف البلابل الجديدة، وتصقل مواهبها، لتعيد إحياء هذا التراث الوجداني، لتكتمل منظومة الأصوات السماوية بتلاوات تنير العقول وابتهالات توقظ القلوب، ولتشدو مصر بلغتها الكونية التى تتفرد بها؛ آيات النور وأناشيد الوجد. ولتعزف سيمفونية روحية لا تنافس فيها مصر أحدًا إلا نفسها.