برغم الزخارف الشيوعية التي لا تزال تغطي وجه الصيني فإنها من البلاد القليلة في العالم التي يناقش فيها الناس همومهم مع البورصة علي قارعة الطريق وتقول مجلة "نيوزويك" إن صغار المستثمرين يتجمعون إسبوعيا خلال عطلة نهاية الأسبوع في الشوارع القديمة القريبة من بورصة شنغهاي ويقفون في جماعات صغيرة للتعبير عن غضبهم مما يحدث في البورصة من تراجع. وبعضهم ممن يستثمرون عشرات الآلاف من الدولارات من مدخراتهم الأسرية في البورصة أصابتهم الكآبة تماما مثلما حدث للمستثمرين في بورصات نيويورك ولندن وشاوباولو واسطنبول وغيرها الكثير من بورصات العالم التي شهدت هبوطا لمؤشراتها في الفترة الأخيرة. وتقول الأرقام المزعجة إن مؤشر بورصة شنغهاي هبط بنسبة 50% منذ أواخر العام الماضي حتي الآن. فقد كان المؤشر يقف عند 6 آلاف نقطة جاعلا من بورصة الصين ثاني أكبر بورصة في العالم من حيث القيمة السوقية. أما الآن فإنه وصل في يونية الماضي إلي 2800 نقطة فقط. والمدهش أن بورصة نيويورك لم تهبط قيمتها خلال العام الأخير إلا بنسبة 20% فقط. ولذلك فإن مستثمري التجزئة في البورصة الصينية والذين يمثلون زهاء 60% من جملة قيمة الاستثمار في البورصة يعيشون حالة مقبضة أما باقي المستثمرين فإنهم يعترضون أظافرهم. والحقيقة أن انفجار فقاعة البورصة الصينية علي هذه الصورة لم يمس المستثمرين الأفراد وحدهم ولكنه ضرب أيضا مؤسسات الاستثمار. ولا شك أن كيفية تعامل السلطات الصينية مع هذه الأزمة سيحدد مدي وعودة نتائجها.. وعلي سبيل المثال فإن معظم الأفراد المتعاملين مع البورصة هم من الطبقة المتوسطة الصينية وهي الطبقة التي كان الكثيرون داخل وخارج الصين يعولون عليها في زيادة الإنفاق الاستهلاكي علي نحو يعيد التوازن إلي الاقتصاد العالمي كله. أما الآن فإن أرباب الأسر الذين دمرت تغلبات وانهيارات البورصة 50% أو أكثر من ثرواتهم لن يكون لديهم استعداد لزيادة الإنفاق الاستهلاكي خصوصا إذا أدخلنا في الاعتبار اتجاه أسعار السلع الاستهلاكية إلي الارتفاع تحت تأثير التضخم. وعلي جانب آخر فإن اضطرابات البورصة سوف تستمر لأن ضعف الشفافية يجعل البورصة تحت سيطرة الحكومة والسماسرة وليس المستثمرين بل إن هذا يجعل المستثمرين أنفسهم كما هي العادة في انتظار حدوث تدخل حكومي في وقت ما لانتشال البورصة من كبوتها. ويبدو أن هذا هو الوضع الحادث حاليا وهو يدل علي أن المستثمرين الصينيين لم يتعلموا من التجربة الماضية. ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي حدث انخفاض كبير في بورصة شنغهاي أعقبه صعود حاد عام 2001 ثم سقوط سريع في العام نفسه. وظلت البورصة في حالة ركود أو جمود لمدة أربعة سنوات تالية حتي عام 2005 وفيما بين أواخر عام 2005 وحتي أكتوبر 2007 صعدت البورصة 500% إلي خمسة أضعاف ما كانت علية بفضل التدخل الحكومي وطرح المزيد والمزيد من أسهم الإصدارات الأولية للشركات الحكومية وهو الأمر الذي جعل المستثمرين يهتزون طربا قبل أن تنفجر هذه الفقاعة أخيرا وتوردهم موارد الأحزان. والمفارقة المهم هنا هو أن هناك في الغرب من ينظر إلي احتمال التدخل الحكومي في البورصة الصينية باعتباره ذا تأثير ملطف، والحقيقة أن الحكومة تتدخل بالفعل من خلال وسائل متعددة مثل طرح أسهم الإصدارات الأولية للشركات وتحديد كمية وسعر هذه الأسهم إلي جانب الدعاية الإعلامية المكثفة لجذب الناس إلي الاستثمار في البورصة. ويصل الأمر إلي حد التوصية لشراء أسهم بعينها والتربح من أسرار البورصة.. أما كيف ظلت البورصة الصينية تجذب المستثمرين رغم هذا كله فالأمر يرجع إلي تخلف وعزلة النظام المالي الصيني كله والنظام المصرفي كجزء منه. ومع تدني أسعار الفائدة في البنوك لم يكن أمام أصحاب المدخرات سوي الاستثمار في البورصة أو سوق العقارات خصوصا مع انعدام فرص الاستثمار الفردي خارج البلاد. ويبدو الأمل الكبير وربما الوحيد أمام المستثمرين الصينيين لعودة البورصة إلي الانتعاش من أجل استرداد ولو جزءأ من ثرواتهم المدمرة معلقا علي أوليمبياد بكين الذي يبدأ انعقاد مسابقاته في أغسطس 2008 أي ربما بعد أيام أو أسابيع قليلة من الأن.. صحيح أن هناك آمالاً أبعد مدي من هذا الأوليمبياد تتلخص في سعي الحكومة الصينية لجذب مؤسسات الاستثمار العالمية إلي بورصة شنغهاي فهذه المؤسسات لا تمثل سوي 4% فقط من القيمة السوقية للبورصة الصينية والمأمول زيادتها في المستقبل بل وتحويل شنغهاي كلها إلي مركز مالي عالمي لمنطقة آسيا الباسفيك. وهكذا يظل أوليمبياد بكين هو الأمل القريب لمسح أحزان صغار ومتوسطي المستثمرين في البورصة الصينية.