للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات يقوم المنتدي الاقتصادي العالمي الشهير باسم "منتدي دافوس" باختيار منتجع شرم الشيخ مكاناً لانعقاده خارج مقره الرسمي في المنتجع السويسري الشهير الذي يشهد اجتماعه السنوي في يناير من كل عام. وليس مفاجئاً أن تكون النغمة الرئيسية لأغلب ردود الأفعال علي هذا الحدث من نوعية أن انعقاد هذا الحدث العالمي في مصر للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات "إنما يعكس ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد المصري وفي نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية" وبأن "مصر ستظل تلعب الدور القيادي والريادي في المنطقة (الشرق الأوسط)" مثلما جاء علي صفحات جريدة "الجمهورية" أو أن "عقد المنتدي الاقتصادي العالمي في مصر هذا العام للمرة الثانية بعد أن عقد عام 2006 أيضاً في مدينة شرم الشيخ له مجموعة من الدلالات أهمها ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد المصري وفي مناخ الاستقرار الذي تتمتع به مصر" مثلما قال محمد شفيق جبر رئيس منتدي مصر الدولي، وإن اختيار مصر لانعقاد هذا المنتدي العالمي "يعد فرصة ذهبية يستفيد منها الاقتصاد المصري.. لأن وجود نخبة من أصحاب القرارات علي أرض مصر يتيح فرصة كبيرة للحكومة المصرية لعرض الفرص الاستثمارية والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار وخطوات برنامج الإصلاح الاقتصادي". مثلما قالت الدكتورة عالية المهدي أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وإن "عقد الاجتماع في مصر يعطي اشارة واضحة للعالم كله أن مصر مفتوحة للاستثمار وجادة في عملية الإصلاح" مثلما قال رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة. مثل هذه التصريحات باتت مألوفة ومتكررة بشدة، ليس فقط بالتزامن مع عقد "منتدي دافوس" في شرم الشيخ المصرية، وإنما أيضا في معرض التأكيد علي أهمية مشاركة مصر في أعمال هذا المنتدي العالمي عندما ينعقد في مقره الرسمي بالجبال السويسرية. وسيغرق القارئ في طوفان من هذه النوعية من التصريحات خلال الأيام القادمة إلي أن ينفض "مولد دافوس" الجديد. ومع الاحترام لوجهة النظر المذكورة، فإنه لا ينبغي تجاهل وجهة النظر الأخري ووجهة النظر الأخري لها عدة مستويات: المستوي الأول: يتلخص في تقييم سلبي جدا ل"وظيفة" منتدي دافوس باعتباره أحد "العناوين" الرئيسية حاليا ل"العولمة المتوحشة" واحد أوجه هيمنة الدول الكبري والشركات عابرة الجنسيات علي العالم، وأحد أذرع المحافظين الجدد لتعميم "النيوليبرالية". ولهذا يطلق عليه البعض اسم "مجلس إدارة العالم" ويصفه البعض الآخر بأنه "الحكومة السرية" أو الحكومة الخفية. لذلك نشأت حركة مضادة تمثلت اساسا في المنتدي الاجتماعي العالمي الذي اختار مدينة بورتو الليجري في البرازيل مقرا له وهذه الحركة تري أن توصيات منتدي دافوس تؤدي إلي كوارث كبيرة والحاق أضرار فادحة بالاقتصاد الكلي في دول العالم الثالث، وإلي خلل في ميزان المدفوعات والميزان التجاري وتدمير القاعدة الإنتاجية الوطنية الصناعية والزراعية وتقلص فرص العمل وازدياد الفوارق الاجتماعية، وهيمنة الطابع الاستهلاكي. وإذا كان منتدي دافوس يدافع عن "العولمة" فإن منتقديه يقولون إن أكثر من أربعة مليارات من سكان العالم لم يستفيدوا بعد من ثمار هذه العولمة، وأكثر من ذلك أنهم مازالوا "مبعدين حتي عن أسواقهم الوطنية" كما يقول الخبير الاقتصادي هرناندو سوتو مؤلف الكتاب الشهير "لغز الرأسمالية" ومؤسس ورئيس المعهد من أجل الحرية والديموقراطية، الذي يوجد مقره في ليما عاصمة بيرو، والذي صنفته مجلة الايكونوميست ضمن أفضل "مجموعات التفكير" في العالم. وكما يقول دي سوتو الذي ترعرع هو الآخر في جنيف شأنه شأن كلاوس شواب رئيس منتدي دافوس فإن "سبعين في المائة من سكان العالم لا يتمكنون من الدخول في الاقتصاد العالمي، ونسبة كبيرة جدا لا تتمكن من تصدير منتجاتها.. وهم باختصار لا يزالون خارج اللعبة". وإذا كان جيمس وولفنسون "رئيس البنك الدولي السابق" قد حاول التدليل علي تزايد نفوذ العولمة بالاستشهاد بمواطن اثيوبي أبلغه أنه نجح في بيع "عنزة" عبر الانترنت وأن هذا "التبادل الالكتروني" للماعز في رأي وولفنسون دليل علي اقتصاد العولمة، فإن زعيما لأكبر دولة رأسمالية في العالم، هو الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، حذر من اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء بسبب العولمة مدللا علي ذلك بقوله: "إن مليار شخص يعيشون بأقل من دولار في اليوم أو ينفقون في السنة أقل مما ينفقه مليونير في ليلة واحدة في أحد الفنادق الفخمة" ويدلل منتقدو منتدي دافوس علي طبيعته "المتعالية" بأن عضويته مقتصرة علي الشركات التي لا يقل دخل الواحدة منها عن مليار دولار سنويا وهذه الشركات ذاتها هي التي تشكو الدول النامية من ممارساتها المتوحشة.