هذا السهم هو "العجيبة" الثامنة علي مستوي العالم، بل والمستحيل الرابع إنه سهم جنوبالوادي للأسمنت، الذي يستحق هذا اللقب عن جدارة بعد أن أطلقنا علي سهم "سوديك" لقب السهم "المعجزة" واستخدام نفس العنوان في استجواب في مجلس الشعب. أما لماذا يستحق السهم هذا اللقب فعلينا أن نعود للوراء قليلاً. فقبل أكثر من 7 سنوات تم تأسيس شركة جنوبالوادي للأسمنت لإنشاء شركة صناعية في جنوب مصر لتلبية احتياجاتها من الأسمنت، وخصوصاً مع إطلاق مشروع "توشكي". ونظراً لأن القوانين واللوائح تصدر علي "مقاس" حالات معينة، فقد تم إصدار جدول ثالث عام 1998 يسمح بقيد الشركات تحت التأسيس ولم تصدر أية ميزانيات، وسمي بالجدول الثالث في البورصة، وصدر بهدف قيد أسهم الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول "موبينيل" وتم قيدها بالفعل بعد إصدار هذا الجدول وإقراره من الهيئة العامة لسوق المال وإدارة البورصة ووزارة الاقتصاد وقتها، والذي كان يرأسها الدكتور يوسف بطرس غالي، وتشرف علي سوق المال الذي رأسه في ذلك الوقت عبدالحميد إبراهيم. واستفادت شركة جنوبالوادي من القرار وتم قيدها في الجدول الثالث كشركة تحت التأسيس، برأسمال مصدر 350 مليون جنيه، مدفوع بنسبة 50% أي أن رأسمالها المدفوع 175 مليون جنيه، وعدد أسهم الشركة 35 مليون سهم بقيمة إسمية 10 جنيهات للسهم مدفوعة بنسبة 50%، وبعد قيد الشركة ونظرا لعدم بدء النشاط وتأسيس مصنعها للأسمنت، هبط سعر السهم إلي 3.8 جنيه، ووصلت قيمتها السوقية مع نهاية عام 2001 إلي 133 مليون جنيه. وواصلت الشركة تعثرها في الحصول علي تمويل لإنشاء مصنع للأسمنت خلال عام 2002، ورغم ذلك صعد السهم حوالي 40% إلي 5.6جنيه، والقمية السوقية إلي 196 مليون جنيه. إلا نفس العام شهد شكاوي جماعية من صغار المستثمرين الذين اكتتبوا في أسهم الشركة مطالبين بقيمة أسهمهم نتيجة عدم قدرة الشركة علي الحصول علي التمويل. فأعلنت الشركة عام 2003 عن إعادة شراء أسهمها كأسهم خزينة، وخفضت عدد الأسهم إلي حوالي 11.057 مليون سهم فقط، بعد أن تم تخفيض رأس المال بنفس قيمة أسهم الخزينة وإعدام تلك الأسهم، وتم تغيير القيمة الإسمية للسهم لتصبح 5 جنيهات، وأصبحت الشركة مقيدة في إصدارين بعد استدعاء كامل رأس المال لتصبح 11.02 مليون سهم مدفوع بالكامل بقيمة سوقية للسهم 5.6 جنيه ورأسمال سوقي 61.1 مليون جنيه، و537 ألف سهم مدفوعة بنسبة 50% بقيمة سوقية للسهم 2.8 جنيه وقيمة سوقية للإصدار 1.5 مليون جنيه. وأصدرت الشركة قراراً "كوميديا" بتحويل نشاطها من الأسمنت إلي مجال بنوك الاستثمار، أي السمسرة وإدارة المحافظ والترويج، فتم نقلها عام 2004 إلي جدول الخدمات المالية بدلاً من قيدها سابقاً في قطاع الأسمنت، وزادت قيمة سهم الإصدار المدفوع بنسبة 130% ليصل 12.76 جنيه وزادت قيمته السوقية إلي 140.39 مليون جنيه، وزادت قيمة الإصدار نصف المدفوع بنفس النسبة ليصل سعر السهم من نفس الإصدار إلي 6.77 جنيه وقيمة الإصدار السوقية 3.68 مليون جنيه. وفي عام 2005 استفادت الشركة جيداً من صعود البورصة ليتضاعف سعر السهم 420% ويصل إلي 58 جنيهاً بعد استدعاء رأس المال بالكامل، وأصبح عدد أسهم الشركة 11.078 مليون سهم، بقيمة اسمية 5 جنيهات للسهم مدفوعة بالكامل، وزادت قيمتها السوقية إلي 642.5 مليون جنيه، رغم أن الشركة لم تعمل في مجال بنوك الاستثمار بل قامت ببعض المتاجرات في الأسهم وجنبت جزءاً من رأس المال كودائع. وفي عام 2006 حدثت مفاجأة جديدة فقد قرر مجلس إدارة الشركة العودة للنشاط الرئيسي وهو إنتاج الأسمنت، ووافقت الجمعية العمومية علي ذلك لتنتقل الشركة إلي إنتاج الأسمنت، الأهم أن الشركة التي لم تبدأ نشاطها حتي الآن ارتفع سعر سهمها خلال النصف الأول من العام الحالي حوالي 90% رغم هبوط البورصة حوالي 40%، وهي معادلة غاية في الصعوبة، ووصل سعر السهم عند إقفال 27 يوليو الماضي إلي 96 جنيها وقيمتها السوقية إلي 1063.5 مليون جنيه. والسبب الرئيسي في الزيادات القياسية في سعر السهم هو إعلان الشركة عن توزيع 4 أسهم مجانية لكل سهم، من أرباح عوائد رأس المال منذ تأسيس الشركة، والذي تكون كأرباح من استثمارها في البنوك، وكذلك بالمتاجرة بالأسهم في البورصة. وبهذه الأسهم المجانية يرتفع عدد أسهم الشركة إلي 55.45 مليون سهم، بقيمة اسمية للسهم 5 جنيهات، ورأسمال اسمي 277.26 مليون جنيه. ولا شك أن تجربة جنوبالوادي للأسمنت تطرح العديد من التساؤلات حول مشروعية قيد الشركات تحت التأسيس، وطرحها لاكتتاب عام قبل أن تبدأ نشاطها، وتكون النتيجة تعثر الشركة، وتوقفها عن نشاطها، خصوصا وأن تجربة جنوبالوادي للأسمنت ليست الوحيدة، فهناك تجربة شركة "موبكو" لتصنيع البترول، والتي فشلت في الحصول علي تمويل لإنشاء مصنع للبتروكيماويات رغم تأسيسها عن طريق كبري البنوك والمؤسسات المالية في مصر، واستمر تعثرها أكثر من 5 سنوات قبل أن يعلن عن اتجاهها لتأسيس مصنع للأسمدة بدلاً من البتروكيماويات. وبالتالي علي الهيئة العامة لسوق المال برئاسة الدكتور هاني سري الدين أن تعيد النظر في الشركات تحت التأسيس بعد تجربتي "موبكو" و"جنوبالوادي للأسمنت"، أما الأمر الثاني فهو كيف يرتفع سعر سهم شركة 20 ضعف قيمتها الاسمية رغم أنها لم تبدأ نشاطها حتي الآن، وإلي أين سيصل سعر السهم بعد أن تقوم الشركة بنشاط حقيقي؟، ومن وراء المضاربات علي سهم جنوبالوادي وارتفاع سعر السهم حتي لو كانت ستوزع 4 أسهم مجانية؟ إن المستثمرين الذين اشتروا السهم في الاكتتاب وباعوا السهم بقيمته المتدنية، رغم أن الشركة وضعت رأسمالها كودائع استثمارات في أوراق مالية يستحقون التعويض من الهيئة العامة لسوق المال وإدارة الشركة لأنها لم تلتزم بالشروط التي اشتروا الأسهم علي أساسها وهي تصنيع الأسمنت.