أشادت مجلة "ذا بانكر" البريطانية بدور ماليزيا وتجربتها الفريدة من نوعها في ربوع العالم الإسلامي في تطوير الصناعة المصرفية الإسلامية وإتاحة الحرية لانطلاقها وسط تشجيع من الحكومة.. وأشارت إلي انعقاد منتدي الاقتصاد الإسلامي العالمي في ماليزيا في أكتوبر الماضي الذي أعطي رسالة قوية للعالم أن إحدي دول جنوب شرق اَسيا أصبحت رائدة في مجال البنوك الإسلامية، واعتقد منظمو المنتدي أنهم في مكانة موازية لمنتدي الاقتصاد العالمي الذي يعقد بدافوس بسويسرا. وأكدت المجلة البريطانية واسعة الانتشار في تقرير حديث لها أن التركيز الغربي انصب علي المؤسسات والبنوك الإسلامية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وذلك حسب المزاعم التي سادت بأنها تقف وراء عمليات غسل الأموال والقيام بتمويل العمليات التي وصفتها بالإرهابية. ونقلت "ذا بانكر" عن العديد من المصرفيين قولهم إن نجاح التجربة الماليزية في تطوير بنيتها التحتية ووضع سياسة واضحة ومشجعة لعمل البنوك الإسلامية يجب أن يحتذي بها في دول العالم الإسلامي.. وتشير المجلة في هذا الشأن إلي الدعم الحكومي ودور المركزي الماليزي الداعم للبنوك الإسلامية، وأشار محمد داود بكار أحد الخبراء المصرفيين في البنوك الإسلامية بماليزيا إلي ضرورة وجود مجموعة من أسس العمل الناجح لتطبيق التجربة الماليزية في البنوك الإسلامية. وأضاف بكار أن النمو الاقتصادي ساعد علي زيادة رأس المال لدي البنوك الإسلامية التي أصبحت تمثل 11% من أصول القطاع المصرفي في البلاد، وتعتزم الحكومة زيادتها إلي 20% في نهاية العقد الحالي، وهو الهدف الذي لا تصبو العديد من الدول الإسلامية للوصول إليه.. ولدعم البنوك الإسلامية سمحت السلطات الماليزية لثلاثة بنوك أجنبية بتقديم الخدمات والمنتجات الإسلامية، وهي بيت التمويل الكويتي، ومؤسسة الراجحي السعودية، وكونسورتيوم من بنوك سعودية وقطرية.. ويري المراقبون أن هذه الخطوة ربما ستكون نقطة بدء تدفق البنوك الأجنبية للعمل في ماليزيا، ولاسيما من دول الخليج العربي الذي يتمتع بوفرة مالية نتيجة ارتفاع أسعار البترول لمستويات قياسية. من جانبه قال رافي جانيف مدير الخدمات الإسلامية في البنك الهولندي "ايه بي ان امرو" إن الدرس الأول الذي ينبغي علي الدول الإسلامية تعلمه من التجربة الماليزية هو الدعم الحكومي لهذه الصناعة الواعدة، حيث قامت الحكومة بتوفير البنية التحتية، بالإضافة إلي دعم ومساندة البنك المركزي من حيث القوانين والتشريعات، وذلك بخلاف الدول الأخري، التي يتزايد فيها طلب المستهلكين علي الخدمات الإسلامية بينما لا تجد البنوك الدعم الحكومي الكافي. وتري المجلة البريطانية أن ماليزيا أصبحت رائدة فعلا في تجربة البنوك الإسلامية، لذا تري مشاركة قوية من المصرفيين الماليزيين في مؤتمرات البنوك الإسلامية أكثر من نظرائهم من دول الخليج العربي. ومع نجاح تجربة ماليزيا تتساءل المجلة البريطانية: هل تتمكن ماليزيا من التحول إلي لاعب عالمي في البنوك الإسلامية؟ وهل بمقدورها تصدير هذه التجربة لدول أخري في العالم؟ وهل تستطيع أن تنتقل إلي مصدر سيولة والتي تتدفق عليها من دول الخليج العربي بسبب ارتفاع أسعار البترول؟ وتري المجلة أنه علي الرغم من زيادة عائدات البترول فإن المستثمرين من دول الشرق الأوسط والخليج العربي يفضلون الاستثمار في دولهم، وفي حالة الرغبة في الخروج من منطقتهم فإن مقصدهم الأول سيكون الدول الغربية. وينتقد أحد المصرفيين بماليزيا تصرف المستثمرين العرب فيقول إنه علي الرغم من نجاح بلاده في تجربة البنوك الإسلامية وتقديم الدعم الكامل لها من الحكومة والبنك المركزي، فإن الأموال المتدفقة إلي ماليزيا أقل بكثير من المتدفقة إلي الدول الغربية. ويدعو المصرفيون الماليزيون إلي خروج الأموال المحلية للتوسع في الأسواق الغربية مع بدء توسع عمل البنوك الإسلامية هناك، حيث شهدت بريطانيا افتتاح أول بنك إسلامي في ،2004 والبنك الاستثماري الإسلامي الأوروبي المقترح إنشاؤه، وتتلقي هذه البنوك في الغرب دعما من المستثمرين من دول الخليج العربي أكثر مما تتلقاه من مستثمري ماليزيا.. ويري بعض المصرفيين المحليين أن البنوك الإسلامية فشلت في اجتذاب الطلاب حديثي التخرج، لتدريبهم وتجهيزهم لتحمل العمل في البنوك الإسلامية، بحيث يجمعون بين التعليم العصري والمستجدات المعاصرة في القطاع المصرفي وبين الأحكام الإسلامية التي تحكم التعاملات الإسلامية. ويري محللون أن ماليزيا ينبغي ألا تظل غير واعية بالدول المجاورة التي دخلت في إطار المنافسة في صناعة البنوك الإسلامية، مشيرين إلي سنغافورة، التي تسعي إلي تطوير اَليات عمل البنوك الإسلامية بابتكار وسائل وخدمات جديدة، مثل إدارة الأصول حسب المنهج الإسلامي، ونافست سنغافورة ماليزيا في مجال التجزئة المصرفية. وحذر المحللون الماليزيون من خطورة التباطؤ في عمليات الاندماج والتوحد في الصناعة المصرفية الإسلامية وألا تقوم سنغافورة بدور الرائد في الخدمات الإسلامية في دول جنوب شرق اَسيا. وأصبحت البنوك الإسلامية واقعا وتجاوزت مرحلة التجربة فهي قد أثبتت وجودها ولها قاعدة عريضة من العملاء وتأثير واضح وقوي في الأسواق المالية والمصرفية وباتت تحوز علي نسبة عالية في السوق المصرفية خاصة في منطقة الخليج وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وذلك بدليل أن البنوك التقليدية تخشي علي تسرب عملائها فقامت بإنشاء فروع ومنافذ لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية. ويري المحللون أن مشكلة البنوك الإسلامية الأساسية تكمن في عدم وجود قوانين منظمة لها، وتقع هذه المسئولية علي عاتق البنوك المركزية التي يجب عليها أن تطور من نظمها الرقابية وأن توفر للبنوك الإسلامية الإطار والبيئة القانونية الصالحة التي تتيح لها التكيف مع المستجدات المالية العالمية لا أن تحصر دورها في حدود ضيقة وتسد عليها منافذ الابتكار والإبداع والتجديد في أدوات وأساليب التمويل. ويجب أن تقوم البنوك المركزية بتطوير نظمها لتستوعب واقع البنوك الإسلامية لتقوم الأخيرة بتحديد اَليات الرقابة لديها وفق أسس علمية ومهنية وليس مجرد اجتهادات موظفين قد لا يدرك الكثيرون منهم فقه المعاملات المالية الإسلامية ويلجأون باجتهاداتهم الشخصية لمعاملة البنوك الإسلامية في كثير من الأمور علي أسس ومعايير البنوك التقليدية.