لم تعد شركات التكنولوجيا هذه الأيام مجرد شركات غنية ولكنها صارت فاحشة الثراء صحيح ان كثيرا من الشركات الأخري لديها فوائض سيولة ولكن السيولة في شركات التكنولوجيا تتسم بالغزارة الزائدة علي الحد. فالشركات الثمانون للتكنولوجيا العالمية ضمن شركات مؤشر S&P500 تتمتع بسيولة اجمالية تناهز 229 مليار دولار اي ضعف ما كان لديها عام 1999. وتقول مجلة "بيزنس ويك" ان معظم الخبراء يعتقدون ان هذه الفوائض اكبر من ان يمكن اعتبارها ظاهرة طيبة وذلك اعمالا لقاعدة ان الشيء اذا زاد علي حده انقلب الي ضده. ولا شك ان وجود فوائض نقدية لمواجهة تقلبات المستقبل أو الوفاء بالاحتياجات الاستثمارية المطلوبة هو امر جيد ولكن ترك هذه الفوائض تتراكم فوق حد معين لا يمكن اعتباره من حسن الادارة. فحملة الاسهم يقدمون اموالهم للشركات كي تحسن استثمارها وتقدم لهم عوائد مجزية في مقابلها اما حينما يتم تكديس الفوائض في حساب مصرفي فلا يمكن اعتبار ذلك من سمات الادارة الرشيدة. ويقول "جيرمي سيجيل" استاذ المالية في "وارتون سكول" بجامعة بنسلفانيا ان الشركات التي تراكمت فوائضها المالية دون استثمار لا توجد اي قيمة لحملة الاسهم.. والسؤال الآن هو ما الذي ستفعله شركات التكنولوجيا بفوائضها تلك. أن هناك شركات مثل "انتيل" و"ياهوو" و"اليكترونيك آرتس" تزيد من حجم استثماراتها في مجال الابحاث والتطوير وهناك شركات اخري تلجأ الي عمليات الاكتساب وشراء الشركات وهناك عمليات اندماج كبري تتم الآن في قطاع شركات الاتصالات وشركات البرمجيات. ولكن الرؤساء التنفيذيين في الغالب يرون ان افضل وسيلة لانفاق هذه الفوائض هي إعادة توزيعها علي حملة الاسهم.. وتقوم شركات التكنولوجيا الأمريكية حاليا بتوزيع عوائد كثيرة وانفاق المزيد علي شراء الأسهم من البورصة بصورة لم يسبق لها مثيل. فشركة مثل "ميكروسوفت" انفقت في العام الماضي 35 مليار دولار كعوائد عادية وخاصة ومع ذلك فقد تبقت لديها فوائض نقدية تناهز 38 مليار دولار، كذلك قامت شركات "IBM"، و"هيدليت باكارد"، و"كوالكوم" وغيرها بزيادة ما توزعه علي المستثمرين وفي ابريل الماضي سمح مجلس إدارة شركة "نوكيا" الفنلندية بمضاعفة تحويل عمليات إعادة شراء اسهم الشركة في العام القادم ليصبح 6 مليارات دولار. والأمر المؤكد أن هذا وضع جديد لشركات التكنولوجيا العالمية كلها والتي صارت تتمتع بفوائض هائلة بعد ان كانت تقتطع اجزاء من رأسمالها للاستثمار في استخدامات منتجة ومن دلالات هذا الوضع الجديد ميل بعض المحللين الي الاعتقاد بأن قطاع التكنولوجيا العالمية الذي يشمل شركات الكمبيوتر والرقائق الرقمية والبرمجيات والتليفون المحمول قد دخل مرحلة تشبع وبدأ يصاب بحالة تباطؤ في النمو، وهذا بالتحديد رأي "ميلتون هاريس" استاذ المالية والاقتصاد بكلية التجارة جامعة شيكاغو. أما "لورانس ايلليسون" الرئيس التنفيذي لشركة "أوراكل" للبرمجيات فيري ان ظروف شركات التكنولوجيا عقب انفجار فقاعة البورصة عام 2000 شلت ايدي قادة الشركات وجعلتهم يترددون امام اي زيادة في الانفاق الرأسمالي أو الانفاق علي الابحاث والتطوير. وتقول مجلة "بيزنس ويك" ان الانفاق علي الاندماجات والاكتسابات كان هو المجال الأرحب والذي يحظي بقبول اكبر. وفي العام الماضي زاد الانفاق علي الاندماج والاكتساب بنسبة 20% ليصبح 60 مليار دولار وهو بسبيله الي زيادة اخري بنسبة 10% هذا العام وقد تركزت الاندماجات والاكتسابات في عدد محدود من القطاعات اهمها القطاعات التي صار الاندماج فيها ضروريا من اجل تنشيط الارباح وذلك مثل قطاع الاتصالات الامريكي وكذلك قطاع البرمجيات. ورغم اي شيء فيجب انصافا ان نقرر ان الحرص ظل طابع الانفاق في معظم الشركات امريكية كانت أم أوروبية. ومن ذلك علي سبيل المثال زيادة الانفاق علي إعادة شراء الاسهم بنسبة 60% في عام 2004 ليصبح 52 مليار دولار وهي زيادة متصاعدة ايضا خلال العام الحالي اما زيادة العائد الموزع فقد اصبحت سمة منتشرة ويقول هوارد سيلفر بلات محلل الأوراق المالية في S&P ان ثلث شركات التكنولوجيا الثمانين قامت بتوزيع عوائد في حين كانت نسبة الشركات التي توزع عوائد عام 2003 في حدود 28% وكانت 21% فقط في عام 1993. والأمر المدهش ان المستثمرين قبل عام 2003 كانوا ينصرفون عن الشركات التكنولوجية التي توزع عوائد لانهم لا يعتبرونها من شركات النمو اما في ظل هذه الفوائض الضخمة فان الامر بالتأكيد سوف يختلف. ولكن يبقي علي شركات التكنولوجيا ان تبرهن للمستثمرين انها ليست غنية فقط في الفوائض النقدية وانما هي ايضا غنية بالقدرة علي الابتكار الذي يعد آلة النمو التي لا غني عنها من اجل المستقبل.