سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بسبب تزامن الركود مع نقص الائتمان المصرفي لأول مرة منذ نصف قرن
توفير السيولة وخفض النفقات أهم القواسم المشتركة بين الشركات لمواجهة الأزمة العالمية الراهنة
لا توجد هناك للوهلة الأولي اشياء كثيرة مشتركة بين مجموعة سيتي جروب المصرفية الامريكية وبين شركة وولسيلي البريطانية لصناعة مستلزمات المباني فالأولي جزء من النظام المالي العالمي والثانية اكبر موزع في العالم للمواسير والحمامات وغيرها من معدات المباني ومستلزمات السباكة، ولكن الشركتين كما تقول مجلة "الايكونوميست" صارتا من ضحايا الازمة الاقتصادية العالمية، سيتي جروب خسرت من جراء أزمة سوق الرهن العقاري الامريكية وتداعياتها، وعندما انتقلت هذه التداعيات الي الاقتصاد الحقيقي تضررت شركات كثيرة من مختلف الصناعات ومن بينها شركة وولسيلي التي نضب الطلب علي منتجاتها بسبب الانخفاض الشديد في عدد المساكن الجديدة التي يتم بناؤها. والآن بدأت مساحة العناصر المشتركة بين الشركتين في التزايد، فهما معا تقومان بمزيد من عمليات الاستغناء الجماعي عن العاملين، ففي يوم 17 نوفمبر الحالي اعلن فيكرام بانديت رئيس سيتي جروب عزم البنك علي الاستغناء عن 52 ألف موظف آخرين خلال الشهور القليلة القادمة ليصبح اجمالي الوظائف التي نزفتها سيتي 75 ألف وظيفة بنسبة 20% من جملة العاملين في البنك، وفي اليوم التالي 18 نوفمبر اعلن تشيب هورنزباي رئيس وولسيلي الاستغناء عن 2300 عامل ليصبح اجمالي المستغني عنهم 14500 عامل بنسبة 18% من اجمالي العاملين في الشركة. والأمر المزعج ان الاستغناء عن العمالة ظاهرة صارت متكررة في شركات اخري كثيرة وصار اجمالي العاملين الذين فقدوا وظائفهم بسبب الازمة العالمية يقدر بمئات الألوف من البشر في صناعات السيارات والمشروبات الخفيفة "بيبسي" وشركات الاستشارات القانونية وتجارة التجزئة والميديا والكيماويات وحتي شركات التكنولوجيا، فكل الشركات تبحث عن علاج والدواء الجذاب حتي الآن هو توفير السيولة عن طريق الاستغناء عن العمال لخفض النفقات. ويبدو ان سباق المحافظة علي السيولة سوف يوجد جيلاً من المديرين لم تختبر مهاراته الاخري ويقول ريتشارد سيلا الاستاذ في كلية تجارة ستيرن بجامعة نيويورك اننا اعتدنا خلال الخمسين سنة الاخيرة علي الركود الخفيف من دون ان نواجه مشاكل في القطاع المالي بحجم ما هو قائم الآن، فالبنوك تحت وطأة أزماتها قيدت الائتمان تماما سواء للشركات او المستهلكين وهذا يضاعف من التكهنات المتشائمة بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي فمنذ ايام اعلنت اليابان عن انكماش اجمالي ناتجها القومي للربع الثاني علي التوالي وتعاني معظم دول أوروبا من نفس الظاهرة، كما ذكر مسح اجراه بنك الاحتياط الفيدرالي في فيلاديلفيا ان امريكا دخلت مرحلة الركود في ابريل 2008 ولن تتعافي منها قبل منتصف العام القادم 2009. وتختلف التقديرات حول عمق وطول مدة الركود العالمي ولكن الازمة المصرفية مع احجام المستهلكين المصدومين عن الانفاق خاصة المستهلكين الامريكيين الغارقين في الديون، تجعل قادة الشركات يتسابقون للمحافظة علي السيولة حتي يتمكنوا من ادارة شركاتهم خلال فترة الانكماش الاقتصادي ويذكر تقرير جديد من بنك الاستثمار التابع لسيتي جروب ان عوائد الشركات ذات السيولة الوفيرة تزيد 7% علي عوائد الشركات التي تعاني ازمة سيولة وهذا الوضع لم يكن قائما قبل انفجار الازمة المالية العالمية وتقول وكالة الملاءة موديز ان هناك شركات امريكية عملاقة مهددة او تعاني بالفعل ازمة سيولة ومن بينها شركات ديترويت للسيارات وبعض هذه الشركات ثقيلة الديون تتفاوض مع الدائنين لاعادة جدولة ديونها في حين تضغط شركات السيارات علي الكونجرس للحصول علي ضمانة مالية تناهز 25 مليار دولار وهكذا يمكن القول ان الحفاظ علي السيولة هو كلمة السر او مفتاح الباب الذي يتيح للشركات الآن ان تتعامل مع تداعيات الازمة المالية والركود الاقتصادي. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الشركات جميعا حتي تلك ذات الميزانيات القوية صارت علي قناعة واحدة وهي انها لن تستطيع الآن الحصول علي اموال اضافية، فالائتمان المصرفي سيزداد جفافا وصعوبة في المستقبل المنظور، واسواق المال لن يمكنها توفير السيولة للشركات القوية التي تريد الاقتراضي منها لاصدار الاسهم الأولية أو السندات، ولا يبقي فيما يبدو سوي الباب الحكومي لتوفير ما هو مطلوب من سيولة غير متاحة، أو التسهيلات الائتمانية المتجددة وهي اعتمادات قصيرة الاجل بسعر فائدة متغير كثيرا ما تلجأ إليها الشركات حتي في أوقات الانتعاش ويذكر تقرير اثنين من اساتذة الاقتصاد في كلية تجارة هارفارد هما ديفيد سكارفشتاين وفيكتوريا ايفاشينا ان حجم هذا النوع من الاعتمادات قد زاد بنسبة 36% في العامين من ابريل 2006 حتي ابريل 2008 ليصبح 5.3 تريليون دولار، ولكن اللجوء إلي هذا الطريق عالي المخاطر ويجب ألا يتم الا عند الحاجة الماسة للنقود. وهناك شركات تلجأ إلي الصناديق السيادية للحصول علي السيولة مثلما فعلت جنرال اليكتريك في يوليو الماضي بالدخول مع صندوق استثمار "مبادلة" التابع لحكومة ابوظبي في مشروع مشترك بالنصف قيمته 8 مليارات دولار للاستثمار في مشروعات مثل الطاقة النظيفة وغيرها وينتظر ان تصبح مبادلة ضمن اكبر 10 مساهمين في جنرال اليكتريك قريبا، وهناك طريق ثالث لتوفير السيولة هو بيع الاقسام التي لم تعد اساسية بالنسبة لاستراتيجية عمل الشركة علي الرغم من انخفاض قيمة الاصول حاليا وهذا ما فعلته جنرال موترز وفورد ببيع اسهمهما في سوزوكي ومازادا علي التوالي حيث جمعا معا نحو 770 مليون دولار وهناك بالطبع الطريق الذي اشرنا إليه من البداية وهو توفير النفقات كطريق للمحافظة علي ما لدي الشركات من سيولة واهم عنصر فيه عادة هو الاستغناء عن العمالة ولكنه يتضمن عناصر اخري كثيرة تدخل ضمن تكاليف التشغيل إلي جانب تحسين عملية الادارة واعادة هيكلة شبكة الموردين وما شابه ذلك من اجراءات.