مع ولادة هلال شهر المحرم يوم الخميس، يبدأ عام هجري جديد هو العام 1447 للهجرة النبوية، ليجدد التقويم الهجري حضوره في حياة المسلمين كأداة دينية وإدارية تُحدد بها مواعيد العبادات والمناسبات. ورغم بساطته الظاهرية، يحمل هذا التقويم تاريخًا عريقًا وقرارات مصيرية بدأت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. نشأة التقويم الهجري: من الحاجة إلى القرار السياق التاريخي لظهور التقويم قبل الإسلام، كانت العرب تعتمد في تأريخها على الأحداث، مثل "عام الفيل"، دون استخدام سنوات مرقمة. استمر ذلك في صدر الإسلام حتى اتسعت الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب، ما استدعى نظامًا دقيقًا لتوثيق المكاتبات وإدارة الحكم. حادثة كشفت الحاجة للتقويم وردت شكوى من والي البصرة أبي موسى الأشعري بشأن رسالة مؤرخة ب"شعبان" دون تحديد السنة، مما دعا عمر بن الخطاب إلى استشارة الصحابة لوضع تقويم منتظم يُستخدم في إدارة شؤون الدولة. ولادة التقويم الهجري: من يثرب إلى التاريخ تباينت آراء الصحابة حول نقطة البداية: من ولادة النبي، أو وفاته، لكن علي بن أبي طالب اقترح اعتماد الهجرة النبوية كحدث تأسيسي، وهو ما وافق عليه عمر بن الخطاب. اختيار أول شهر في السنة رغم أن الهجرة وقعت في ربيع الأول، اقترح عثمان بن عفان بدء السنة بشهر المحرم، كونه يأتي بعد موسم الحج، وهو ما اعتمده عمر رسميًا، لتبدأ السنة الهجرية الأولى في عام 17 هجريًا. كيفية حساب الشهور والسنوات الهجرية.. اعتماد الحساب القمري يعتمد التقويم الهجري على الدورة القمرية، حيث تبدأ كل شهر بولادة الهلال وتنتهي باختفائه، ليكون عدد أيام الشهر 29 أو 30 يومًا. وتشمل السنة الهجرية 12 شهرًا، كما ورد في القرآن الكريم، سورة التوبة – الآية 36. أصل تسمية الشهور الهجرية.. معانٍ من البيئة والتاريخ تعود تسمية الشهور الهجرية إلى ما قبل الإسلام، حين أقرّها العرب في عهد كلاب بن مرة. وقد جاءت التسمية من البيئة والمواسم، مثل "محرم" لحرمة القتال، و"رمضان" من الرمضاء (شدة الحر)، و"شوال" من سلوك الإبل، و"ذو الحجة" لموسم الحج. العبادات والمناسبات يرتبط التقويم الهجري ارتباطًا مباشرًا بالشعائر الإسلامية، مثل صيام رمضان، والحج، وتحديد الأشهر الحرم الأربعة، كما تُحدد به أوقات العيدين وأيام النوافل، مثل الأيام البيض وصيام شهر محرم. التقويم الهجري بين الرسمي والشعائري تتبنى المملكة العربية السعودية التقويم الهجري كتقويم رسمي للدولة، بينما تستخدمه دول أخرى مثل المغرب بشكل ثانوي إلى جانب الميلادي. أما باقي الدول الإسلامية فتعتمد عليه في المناسبات الدينية، وتُقرّ رأس السنة الهجرية كعطلة رسمية في كثير منها. سجل ديني وثقافي التقويم الهجري ليس مجرد وسيلة لحساب الزمن، بل سجل ديني وثقافي يعكس لحظة تأسيس كبرى في التاريخ الإسلامي، ولا يزال حاضرًا في تفاصيل حياة المسلمين، من العبادات إلى الإجازات، ومن التاريخ إلى الهوية.