حظيت قضية حماية الصحفيين العاملين في مناطق النزاع المسلح باهتمام دولي كبير في الآونة الأخيرة، حيث كشفت أحداث الحرب الأمريكية علي العراق عام 2003 عن تلك المأساة التي لحقت بالصحفيين ورجال الإعلام، فسقط العشرات منهم ما بين قتيل وجريح، وتم اختطاف العديد منهم، في هذا الإطار نظم منتدي القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حلقة نقاشية تحمل عنوان «حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة»، شارك فيها كل من د. ماهر أبوخوات «مدرس القانون الدولي»، ود. محمد مصطفي يونس «أستاذ القانون الدولي وعميد سابق لكلية الحقوق بجامعة حلوان» وأدار النقاش د. محمد شوقي عبدالعال «مدير المنتدي». بين د. ماهر أبوخوات أن هذا الموضوع يشغل بال الكثيرين بسبب ما تعرض له الصحفيون من انتهاكات واعتداءات، والاعتداء علي الصحفي يعتبر اعتداء علي المجتمع، فالصحفيون ورجال الإعلام هم الذين ينقلون لنا أخبار الحروب، ويمثل التعدي عليهم تعديا علي البشرية بأكملها إذ لا يمكننا العيش دون أخبار، ولقد شهدت الفترة الأخيرة اعتداءات كثيرة علي الصحفيين، وكانت الحرب الأمريكية علي العراق بمثابة مقبرة خلفت وراءها مئات الجرحي والمصابين والقتلي، ونذكر الصحفي «طارق أيوب» مراسل الجزيرة قتل أثناء هجوم أمريكا علي بغداد عام 2003، وقائمة تطول من الصحفيين والمراسلين الذين تم الاعتداء عليهم. التطور القانوني للحماية وأشار أبوخوات أن المتتبع للتطور القانوني لحماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة، يجد أن القانون الدولي الإنساني بفرعيه «قانون لاهاي وقانون جنيف» ينظمان تلك الحماية، وهذا التطور مرتبط بتطور التغطية الإعلامية للحروب، ففي البداية كانت التغطية الإعلامية أثناء الحروب تعتمد علي أجهزة بدائية في النقل والبث، وكان يطلق علي الصحفي «الصحفي المعتمد» أو مسمي «مراسل حرب» لأنه كان يحصل علي تصريح من قبل القوات المسلحة، ولذلك فإن القانون الدولي الإنساني قام في باديء الأمر بحماية الصحفيين المعتمدين، ولكن بعد تطور وسائل الإعلام واستخدام الأقمار الصناعية في عمليات البث وأصبحت أجهزة التليفزيون تنقل للمشاهد ما يقع من أحداث في نفس اللحظة، وأيضا الدور الذي تلعبه الإذاعات الدولية ووكالات الأنباء في ربط العالم من خلال نشر مراسليها في كل مكان، وأصبحنا شهودا علي ما يحدث من خلال وسائل الإعلام فقد شاهدنا العدوان الإسرائيلي علي جنوب لبنان ثم مذبحة قانا الثانية ثم الحرب علي غزة وشاهدنا الأطفال في منظر مأساوي وشاهدنا الجنود الأمريكيين أثناء احتلال الفلوجة، ومن ثم أصبح لهؤلاء المراسلين المستقلين دور مهم في كشف حقائق الحرب وجعل الرأي العام الدولي وسيلة ضغط علي المتحاربين، ومن ثم كانت ضرورة النظر في تحسين الحماية الدولية للصحفيين بوجه عام، وأكد أن هناك حماية موجودة في كل وثائق القانون الدولي العام لكن إنفاذ القانون شيء آخر. تدابير للحماية وقال أبوخوات إن القانون الدولي يحمي الصحفيين كأشخاص مدنيين والشخص المدني غير محارب، أما المحارب فهو محدد في اتفاقية جنيف. إلزامات للأطراف المتحاربة وأكد ماهر أبوخوات أنه كي تتم حماية الصحفيين من آثار الأعمال الاعتدائية ينبغي أن تكون هناك التزامات منها أنه علي الأطراف المتحاربة أن تتخذ الاحتياطات فلابد أن يفرق بين المدني والعسكري، بين المقاتل وغير المقاتل، وعندما تقوم الأطراف المتحاربة بالهجوم يجب عليها توجيه إنذار للمتحاربين وهناك مادة نص عليها البروتوكول خاصة بوسائل الإنذار منها إلقاء منشورات من الطائرات بضرب مناطق معينة، ظهور بعض القادة للتحذير، عبارات تهديد عامة بضرب مناطق معينة، وتطبيق أجهزة الإنذار بشكل محدد حتي تتم حماية الصحفيين بشكل قانوني، وهناك أيضا إلزامات علي الصحفيين منها ألا يشارك الصحفي أو يساهم في الحرب لأنه سيفقد حصانته علي الفور، وألا تستخدم وسائل الإعلام في التحريض علي الحرب وعدم الاستخدام المزدوج لوسائل الإعلام أي باستخدامها مقرا للقيادة ومقرا مدنيا. لا حماية كافية وأكد محمد مصطفي يونس أن حقوق الإنسان يتمتع بها أي إنسان دون تشريع من الدولة، ودون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين وأي تعطل لأي حق منها يتعارض مع الدستور، والقانون الدولي الإنساني، مظهر من مظاهر هذه الحقوق في أثناء النزاعات المسلحة، وما حدث في العراق وأفغانستان وفلسطين والسودان هو تدمير للبيئة وانتهاك لحقوق الإنسان، والحقيقة أن المفهوم المعاصر للحرب إضعاف الخصم وليس القضاء عليه. وأضاف يونس أن الصحفي يعامل كشخص مدنية ويجب أن يحظي بالحماية الكافية، إذ لم نصل بعد إلي حماية كافية لحماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة، وهناك توصيات غير ملزمة رغم أن هناك اتفاقيات دولية ملزمة بحماية الصحفيين، وطالب يونس بضرورة نشر ثقافة حقوق الإنسان واحترام القانون الإنساني الدولي. وأكد د. محمد شوقي عبدالعال أن الاعتداءات المتكررة علي الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة يرقي لمستوي جرائم الحرب مع ما لجريمة الحرب من أنها لا تسقط بالتقادم. توصيات وفي نهاية النقاش قدم ماهر أبوخوات عدة توصيات لحماية الصحفيين منها ضرورة تعريف الصحفيين ورجال الإعلام قبل العمل في مناطق النزاع بالقانون الدولي الإنساني وأن يعقد لهم دورات تدريبية في هذا المجال، ثم تحسين مستوي الحماية الراهنة للصحفيين ومن بينها الحاجة القائمة لإعداد اتفاقية دولية لحماية الصحفيين تتضمن بدورها إيجاد شارة للصحافة تهدف إلي حماية الصحفيين والعاملين بوسائل الإعلام الموجودين في مناطق النزاع المسلح، وإنشاء لجنة مهنية دولية تكون مسئولة عن تلقي أسماء الصحفيين ورجال الإعلام العاملين في مناطق النزاع المسلح وتختص بالتحقيق في مراعاة الصحفيين للمبادئ الصحفية المهنية من ناحية وفي حوادث الاعتداء علي الصحفيين ووسائل الإعلام من ناحية أخري وأخيرا.. إعادة النظر في مسألة إدلاء الصحفيين بالشهادة أمام المحاكم الجنائية الدولية وإعطائهم حصانة مطلقة من المثول كشهود أمام هذه المحاكم، نظرا لخشية اعتبارهم شهودا محتملين من قبل الأطراف المتحاربة، ويجب منحهم نفس الحكم المقرر لأعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر فيما يتعلق بالمحافظة علي سرية معلوماتهم.