في مطلع القرن الحادي والعشرين شهد العالم عدة حروب، تحديدا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي كان لها أثر عنيف في إخراج الهيمنة الأمريكية من مرقدها، بزعم محاربة الإرهاب والتطرف فاندلعت الحروب في أكثر من مكان بداية من أفغانستان، مرورا بالعراق، انتهاء بالجولات الإسرائيلية العربية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي. من ناحية أخري، وفي العقود الثلاثة الأخيرة، أصبح للإعلام دور رئيسي في تأجيج الصراعات أو إخمادها، فلم تعد المعلومة المشكل الأوحد للرؤي؛ بل باتت وسائط تقديم المعلومة ووسائط إنتاجها عوامل ذات تأثير من أجل السيطرة والأحكام وبسط نفوذ نظم سياسية بعينها. ضحايا الإعلاميين نتيجة لقيام الإعلاميين بدورهم في تغطية الصراعات ونقل أحداثها، فقد دفع العديد منهم حياتهم ثمنا لأداء الواجب المهني، نذكر علي سبيل المثال طارق أيوب مراسل الجزيرة الذي اغتيل في الأول من أبريل 2003 وعلي الخطيب ومازن دعنه وأخيرا وليس آخرا أطوار بهجت مراسلة قناة العربية التي لقيت مصرعها في 22 فبراير 2006. لم يمثل القتل الشكل الوحيد للاعتداءات علي الإعلاميين من قبل الأطراف المتنازعة، ولكن هناك أشكالا أخري من الاعتداءات كمنع الإعلاميين من أداء مهام عملهم والوصول إلي مناطق القتال، ففي تقرير أعدته لجنة حماية الصحفيين، ونشرته علي موقعها، أكدت أنه أثناء العدوان الأخير علي غزة في ديسمبر 2008 تعرضت المرافق الإعلامية المحلية والدولية لنيران الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن أربع مرات، وفي تلك الفترة استولي الجيش الإسرائيلي علي ترددات البث لتليفزيون الأقصي وإذاعة صوت الشعب، لعدة مرات، لنشر الدعاية العسكرية الإسرائيلية، وفي 5 يناير2009، قصفت القوات الإسرائيلية مكاتب مجلة "الرسالة" الأسبوعية التابعة لحماس، حسب وكالات الأنباء الإقليمية. وبعدها بأيام ضرب الجيش الإسرائيلي سطح مبني برج الجوهرة في مدينة غزة والذي يضم أكثر من 20 وكالة أنباء دولية. جريمة حرب وفي إطار البحث عن تشريعات دولية لحماية الإعلاميين، قام منتدي القانون الدولي بجامعة القاهرة بتنظيم ندوة عن حماية الإعلاميين أثناء النزاعات المسلحة. وأشار د/ محمد شوقي إلي أن توفير الحماية الخاصة للعاملين بمجال الإعلام في مناطق النزاعات المسلحة أمر ضروري، وخبراء القانون الدولي يطالبون بأن ترقي الجريمة ضد الإعلاميين إلي جريمة حرب يعاقب عليها القانون. من جانبه أشار د/ ماهر أبوخوات- مدرس القانون الدولي- إلي أنه رغم كون الاعتداء علي الإعلامي بوجه خاص يعتبر اعتداء علي المجتمع الدولي إلا أن كثيرا من البلاد لا تراعي ذلك ؛ حيث راح ضحية الحرب الأمريكية علي العراق قرابة 200 صحفي خلاف الجرحي والمختطفين. والسبب وراء هذه الاعتداءات التي لم تكن بهذا الشكل سابقا هي اعتماد الإعلام في الماضي علي وسائل بدائية، وكان الإعلامي يصاحب القوات المسلحة ولكن بعد تطور وسائل الاتصال الحديثة أصبح الإعلام هو المحرك لأحداث العصر، فتقلصت المساحات، وأصبحنا نعيش في عالمية الفكر وعالمية الحرب والسلام وعالمية الإنجازات والأزمات وعالمية حقوق الإنسان. أوضح أبو خوات أن القانون الدولي يتعامل مع الإعلاميين كمدنيين، ولا يعتبر الإعلامي مقاتلا، وألزم القانون الإعلامي حمل بطاقة هوية تثبت مهنته، مشددا علي عدم جواز اعتقال أو احتجاز أو أسر الإعلامي ما لم يكن مصاحبا للقوات المسلحة وقد بين القانون أن وسائل الإعلام تعد أعيان «مقار» مدنية، وهي التي لا تستخدم استخداما عسكريا، وفي سبيل حماية الإعلامي عند اندلاع القتال وضع القانون مجموعة من الإجراءات وهي التزام الأطراف المتنازعة باتخاذ الاحتياطات حتي لا يتعرض الإعلاميون للهجوم داعيا إلي التفريق بين المقاتل وغير المقاتل ومن الواجب علي القوات العسكرية توجيه إنذار بوسائل مجدية ما لم تحل الظروف دون ذلك وقاعدة الإنذار ليست مصطنعة ولكنها موجودة في القانون الدولي الإنساني في المادة 57 وتنفيذها بوسائل متعددة منها إلقاء منشورات عبر الطائرات كما ثمة قاعدة أخري، وهي قاعدة حسابات الضرر والمنفعة . وقد حدث في عام 1999 أثناء الحملة التي شنها حلف شمال الأطلنطي ضد جمهورية الصرب؛ حيث قام الأول بقصف مقر التليفزيون الصربي متعللا بأن القيادة الصربية تتخذه مقرا لها، واتضح بعد ذلك بأن هذا الهجوم لم يكن في محله، لأنه كلف 32 قتيلا وجريحًا من العاملين بالتليفزيون وبالتالي هناك اختراق لقاعدة حساب الضرر والمنفعة. وفيما يخص إدلاء الإعلامي بشهادته، بين أبو خوات أنه يحظر علي بعض الفئات الجهر بالشهادة حتي لا يتعرضوا للاعتداءات، كما ورد في بعض القوانين المحلية والدولية، وفي حالة الحرب سمح القانون للمنظمات الإنسانية الدولية كالصليب الأحمر بحق الاحتفاظ بالأسرار وعدم الإدلاء بالشهادة حتي لا تتمكن هذه المؤسسات من كسب ثقة الأطراف ومن ثم تقديم المساعدات، كذلك بالمثل مع الإعلاميين وان كانت شهادة الإعلامي مشروطة بشرطين هما: كون الصحفي هو الشاهد الوحيد، وتمثل شهادته قيمة كبيرة في إثبات التهمة، وقد كفل القانون الحماية للإعلامي الذي يدلي بشهادته عن طريق إخفاء صورته وهيئته وتغيير نبرات صوته. حماية غير كافية من جانبه أوضح د/ مصطفي يونس أستاذ القانون الدولي- أن أول من طالب بحماية ضحايا الحروب هو هيلر جونان في كتابه الذي كان بمثابة الشرارة الأولي لإنشاء الصليب الأحمر وأكد يونس أنه عمليا لم يصل القانون الدولي إلي درجة الكمال، معللا ذلك بتدخل سياسات بعض الدول في الموافقة علي الاتفاقيات والقوانين، فضلا عن كون منظمة الأممالمتحدة منظمة قائمة علي التمييز ومن ثم فالتعامل مع الإعلامي كمدني ومع وسائل الإعلام كأعيان مدنية غير كاف لحماية الإعلاميين. وفي مشروع 1971 في الأممالمتحدة الخاص بوضع لجنة مهنية خاصة للإعلاميين ثم طرح بنود خاصة بوضع شارة للإعلاميين كغيرهم من الفئات المتواجدة في مناطق النزاع المسلحة إلا أن هذا المشروع قوبل بالرفض. خريطة الاعتداءات وفي مداخلته د. عمرو الورداني- باحث في العلوم السياسية- بين أنه يجب علينا قبل الحديث عن قانون يحمي الإعلاميين وضع مجموعة من الإجراءات أجملها الورداني في رسم خريطة للاعتداء علي الإعلاميين في النزاعات المسلحة ووضع قوائم سوداء للدول التي تقوم باعتداءات ضد الإعلاميين وتبين الإحصائيات أن ضحايا الإعلاميين في الفلبين في الفترة (1983/1987) وصل إلي 36 قتيلا، وفي تركيا (1984 / 1999) 22 قتيلا وفي البلقان (1991/1995) 36 قتيلا وفي الحرب الأمريكية علي أفغانستان (2001/2004) 59 قتيل وفي الحرب الأمريكية علي العراق (2003) 67 قتيلا ومنذ الحرب الأخيرة قام العراقيون أنفسهم بهجمات ضد الإعلاميين وهناك من كان يتعمد القتل، حتي أصبح القتل في العام الثالث للحرب يمثل منهجا.. ويتمثل الإجراء الثاني في دعوة الدول ذات الضحايا من الإعلاميين المستهدفين في الحروب برفع دعاوي ضد الدول التي قامت بالاعتداء عليهم أما الإجراء الثالث فأوجزه الورداني في الطلب بتعديل تكييف وضع الإعلامي من مدني إلي شخص يجب حمايته بشكل مستقل ؛ حيث هناك فئات أخري من العاملين عندما يتم التعدي عليهم تعامل قضيتهم بشكل دولي ومن ثم يجب تحويل قضايا الإعلاميين من قضايا فردية إلي قضايا دولية.