اليوم هو آخر أيام العام 2010، وبه تنهى حقبة من القرن الواحد والعشرين مسيرتها، وتسلم راية الزمن المتدفق إلى حقبة ثانية فى مسيرة قرن مازال يتحسس طريقه بلا خارطة توضح، أو بوصلة توجه. ولأننا لا نستطيع أن نتنبأ بما قد يحمله لنا عام يطل فى خجل وحقبة تلوح فى وجل، فليس أمامنا سوى أن ننظر وراءنا وأن نتأمل ما آلت إليه أوضاعنا. قبل عشر سنوات، وفى مثل هذا اليوم من عام 2000، كان القرن العشرون يطوى آخر صفحاته ويستعد للرحيل، مخلفا وراءه مشهدا بدت ملامحه على النحو التالى: 1- وصول مرحلة فى التاريخ الأمريكى، اتسمت بالبراجماتية والعقلانية، إلى نهايتها، بعد أن وقع اختيار الشعب الأمريكى على رجل جسّد سطوة اليمين المتطرف ذى الجذور الدينية ليصبح سيد البيت البيض. ولأنه كان جاهزا بمشروع «القرن الأمريكى الجديد»، الذى عكس طموحه فى الهيمنة المنفردة على العالم، فقد بدا النظام العالمى وقتها على وشك الدخول فى مفترق طرق جديد لم يكن بوسع أحد أن يتنبأ بالوجهة التى سيختارها. 2- وصول مرحلة فى التفاعلات الشرق أوسطية، اتسمت بتراجع دور الدول العربية فى صياغة الأجندة السياسية إلى نهايتها، وبداية ظهور مرحلة جديدة اتسمت بتزايد دور الفاعلين غير الدوليين، من أمثال حزب الله فى لبنان وحماس والجهاد فى فلسطين، والقاعدة فى أفغانستان. ولأن عجز الإدارة الأمريكية فى التوصل إلى تسوية للصراع العربى الإسرائيلى بدا واضحا فى تلك اللحظة، خاصة عقب فشل قمة كامب ديفيد الثانية برعاية بيل كلينتون، فقد كان من المتوقع أن تتلاقى طموحات الهيمنة الأمريكية على العالم مع طموحات الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، فى الحقبة التالية، وأن يأخذ الصراع فى المنطقة طابعا عسكريا وأيديولوجيا حادا. لذا لم يكن غريبا أن تقع خلالها أحداث إرهابية عنيفة، فى نيويورك وواشنطن، فى سبتمبر 2001، وفى مدريد ولندن بعد ذلك، وأن تشهد حروبا عديدة، كتلك التى شنتها الولاياتالمتحدة على أفغانستان عام 2001، بزعم تصفية تنظيم القاعدة، والعراق عام 2003، بزعم تخليصها من أسلحة الدمار الشامل، والحروب التى شنتها إسرائيل على لبنان، بهدف تصفية حزب الله، وعلى قطاع غزة، بهدف تصفية حماس. كما لم يكن غريبا أن تنسق الدولتان معا لاختراق الدول غير الحليفة وزعزعة استقرارها. كشف حساب الحقبة المنتهية يشير إلى أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لم تتمكنا من فرض هيمنتهما الكاملة بعد على المنطقة. فقد فشلت الولاياتالمتحدة فى كسب أى من الحروب التى خاضتها فى العراق وأفغانستان، لكنها لم تسحب قواتها بالكامل بعد، وفشلت إسرائيل فى كسب أى من الحروب التى شنتها على لبنان وقطاع غزة، لكنها لم تتخل عن أهدافها فى تصفية حماس وحزب الله. ورغم أن المنطقة العربية لم تستسلم بعد لأحلام الهيمنة الإمبراطورية من جانب الولاياتالمتحدة وإسرائيل، فإن أوضاعها العامة تبدو بائسة. فالأمل فى تحقيق تسوية سلمية عادلة للصراع العربى الإسرائيلى تلاشى الآن تماما، وهناك دول عديدة فى العالم العربى إما على وشك التفكك، كالسودان، أو مازال شبح الحروب الأهلية يخيم عليها، كالعراق ولبنان واليمن. وبينما راحت الفتن الطائفية تطل برأسها من دول عديدة، بما فيها مصر، تبدو النظم الحاكمة مُصرّة على ممارسة ذات السياسات التى أوصلتها إلى حافة الهاوية. وإذا كانت الحقبة الأولى فى القرن الحالى قد أظهرت حدود القوة العسكرية، وأكدت عجزها عن فرض الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على العالم وعلى المنطقة، إلا أن المنطقة لم تتمكن فى الوقت نفسه من طرح مشروع بديل للنهضة. فالولاياتالمتحدة وإسرائيل لم تستسلما نهائيا بعد وتعتقدان أن بوسعهما أن تحققا بوسائل القوة الناعمة ما عجزتا عن تحقيقه بالوسائل الخشنة، ورغم تمكن قوى المقاومة فى العالم العربى من كسر قوة اندفاع المشروع الأمريكى - الصهيونى، بمساعدة إيرانية، فإنها لم تنجح حتى الآن فى طرح مشروع بديل. لذا نعتقد أن عام 2011 سيكون حاسما فى توضيح سمات الحقبة المقبلة بأسرها، وما إذا كانت رياحها ستملأ شراع سفن التغيير والنهضة، أم سفن الانكسار والهزيمة. ولأن العالم العربى ينتظر هبوب رياح التغيير من مصر، فسيكون نجاح أو فشل مشروع التوريث، فى تقديرى، هو مؤشر التفاؤل أو التشاؤم مما هو قادم. فلنقاوم اليأس من الحاضر ولنتفاءل بالمستقبل، لكن على القوى المطالبة بالتغيير أن تبدأ بإصلاح نفسها من الداخل أولا.