«القدوة» .. هذه الأيام! مع اقتناعي بعدم التدخل في أحكام القضاء أو المساس بقاعدة أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته.. إلا أنني شعرت بالدهشة من الطريقة التي استقبلت بها صحيفة حكومية أسبوعية حكم محكمة النقض في قضية هشام طلعت مصطفي.. فقد أفردت صفحتين كاملتين للإعلان عن ترحيبها الحار بالحكم تحت عناوين ضخمة مع صورة مكبرة للمتهم، وأفاضت الصحيفة في نشر التصريحات عن «اللحظات التي لا تنسي» في سجن مزرعة طرة، وامتزاج الفرحة بالدموع، وصلاة هشام ركعتي شكر، وكيف أن هذا الحكم خطوة لإنقاذ الرجل من «التهمة الملفقة»، فهو إنسان «مسالم يعرف الله ولا يتورع أبدا عن الدفاع عن الحق».. و«لم يكن يفكر في أي شيء سوي الاقتصاد والاستثمار» ورعاية «الغلابة»! كما أنه «شخص محترم.. وطيب ويحب الخير».. و«رجل له ثقله في الاقتصاد المصري»!. .. أما عن الإسكندرية فقد عمتها الفرحة، وارتفعت فيها دعوات آلاف الفقراء! وهناك من لم يشعر بالسعادة الحقيقية إلا عندما احتضنه هشام داخل السجن بحب ورفعه من علي الأرض كنوع من المزاح!. ومن رسالة هشام إلي رئيس التحرير.. نعرف أن الرجل «يقتدي برسول الله»، وكم توجه إلي الله سبحانه وتعالي «يدعوه ويناجيه»، وكيف وفقه الله لكي يختم القرآن الكريم أكثر من مرة، ويؤكد هشام في رسالته أن من وقفوا إلي جانبه، مثل رئيس التحرير، «أصبح لهم دين في عنقه سيحاول أن يرده لهم عندما يسترد حريته»، وسيكون شكره عمليا، بالمزيد من «مشروعات الخير» المشتركة مع جريدته!. في السابق، كانت الصحافة تقدم لقرائها - وخاصة من الشباب - نماذج أخري يقتدي بها.. مثل أبطال الكفاح الوطني «عمر مكرم - عرابي - مصطفي كامل - سعد زغلول - محمد فريد» أو قادة التنوير من أمثال محمد عبده وطه حسين. أما الآن، فإن هناك من يقدم رجلا متهما بالتحريض علي ارتكاب جريمة قتل لسيدة ظل ينفق عليها الملايين من أجل المتعة قبل أن تهجره، وقرر القضاء إعادة محاكمته من جديد. ورئيس التحرير المذكور لا ينتظر نتيجة المحاكمة وإنما يفخر بأنه يعتز بشخص هشام ويؤمن ببراءته، ولم يقل لنا.. علي أي أساس يستند إيمانه هذا، وهو ليس من رجال التحقيق، ولا يستطيع أن يدعي أنه يرقي إلي مستوي براعة وكفاءة شرطة دبي التي شهد بها العالم بمناسبة قضية اغتيال المبحوح. ورئيس التحرير يتعامل مع هشام باعتباره مازال من أقطاب الحزب الحاكم. ولم يتحمس رئيس التحرير، بهذا القدر ويفرد مساحة بمناسبة ذكري ثورة 1919 أو سعد زغلول أو مصطفي النحاس أو عبدالمنعم رياض وغيرهم ممن كرسوا حياتهم من أجل مصر ونضالها الوطني حتي يساهم في إحياء الذاكرة الوطنية. والعزاء لكل من صدرت ضدهم أحكام من المصريين علي مر التاريخ، في قضايا سياسية أمام محاكم عسكرية لا يوجد فيها نقض أو إبرام، والعزاء لكل من صدرت ضدهم أحكام في قضايا جنائية أو مخلة بالشرف، ولم يكن لديهم من المال ما يكفي لتوكيل محام للدفاع عنهم. .. أحيانا تؤدي المبالغة أو الإسراف في المغالاة إلي شعور لدي القاريء بالنفور والتقزز.