أجمع فقهاء الإسلام المخلصون المحققون سواء من السلف أو من الخلف المعاصرين علي أن للنظام الربوي القائم علي الفائدة آثاراً سيئة متعددة الجوانب.. والتي من أجلها حرم الله الربا تحريماً قطعياً يضيق بنا المقام لذكرها تفصيلاً.. لذلك نوجز أهمها في الآتي: تمر بلادنا الحبيبة بمرحلة فاصلة وحاسمة غاية في الدقة فأمامنا ثورة قام بها فتية آمنوا بربهم وزادهم هدي خرجوا علي الطغيان وقطعوا الجذور التي تأصلت في أرض هذا الوطن لهذه الفئة الباغية فاجتثت رءوس هذا النظام وضحي هؤلاء الشباب بدمائهم الذكية بأرواحهم وأبصارهم.. لم يحققوا نفعاً شخصياً ولا كانت لهم قيادة أخذت منصباً أو موقعاً أو شكلوا وزارة لأنهم قدموا هذه الثورة لمصر وشعبها وارتضوا أن تكون ثورة كل المصريين. وبالرغم من الظروف التي أحاطت بالبلاد لأن الكل شغلته أيديولوجياته ومعتقده الفكري.. فقد عاني الشعب كثيراً وهو من تعود طويلاً علي ذلك فقد نجح الشعب في اختيار مجالسه البرلمانية - ووقف بشدة بجوار الثوار ورغم ما أصاب البلاد من فوضي وتخبط هائل في القرارات وسلبية في المواقف - وهو ما ليس مجال تفصيله هاهنا. ولما وصلنا للمربع قبل الأخير بالدعوة لانتخاب رئيس للبلاد بالمواكبة بإعداد دستور للبلاد. وجدت الأمة نفسها أمام متغيرات غريبة صحيح أنها متوقعة لأن المقدمات تؤدي إلي هذه النتائج.. فذهب الناخبون وأدلوا بأصواتهم وحصر المرشحون وهم كثر في اثنين فقط من المرشحين. وهنا ظهر ما يؤكد أن كل ما أحدثته الثورة من انجاز ظاهر هو إزاحة رئيس الدولة وبعض رموزه فقط. في الوقت الذي أدي التباطؤ الشديد في الحسم والقرارات العامة غير المحددة ترتب عليه عودة ماكينة النظام السابق فهناك أعضاء برلمان 2010 الذين لم يعوضوا ما صرفوه ثمناً لوصولهم لمجلسي الشعب والشوري في انتخابات لم يشهد التاريخ مثلها تزويراً فجاً وواضحاً وهو ما اعترف به أعمدة النظام السابق وأن هذا كان من أهم أسباب الثورة. هؤلاء وجدوا في أحد المرشحين للإعادة بغيتهم فهذه هي الفرصة الأخيرة لإعادة أموالهم ومكاسبهم الذين ما دخلوا المجلس وترشحوا له إلا لهذا الهدف ففتحوا مكاتبهم واستدعوا أعوانهم واستحضروا الخارجين علي القانون المعروفين لهم بالاسم والعنوان فكم استخدموهم في انتخاباتهم وكل مهامهم. ينضم لهؤلاء موظفو المحليات علي مستوي الجمهورية والذي يقرب عددهم من المليونين صحيح أن قانون الإدارة المحلية قد جمد بعد الثورة لكن بقي العاملون بإداراته مؤقتاً حتي تتم انتخابات جديدة. هؤلاء الذين قال عنهم زكريا عزمي أحد أعمدة النظام السابق "الفساد في المحليات للركب" هؤلاء اعرف الناس بالبسطاء ويمكنهم التواصل معهم والتأثير عليهم لأن معظم معاملات الناس مع هؤلاء الفاسدين بالرشوة والمحسوبية - فإذا قدمت المصالح لهم بطريقة أسهل في مقابل تنفيذ الأوامر بالتصويت لممثل النظام فالأمر هين. ولا ننسي رجال الأعمال الذين توقف نهبهم ولم يعد هناك مجال لاحتكارهم السلع والتحكم في الأسعار فلما لا يكون حلمهم هو عودة النظام وإنتاج أحد رموزه ليقوم بفتح الأبواب لهم. ثم الاضطراب التشريعي الذي حدث في الإعلان الدستوري بجعل قرارات لجنة الإشراف علي انتخابات الرئاسة لجنة سماوية مقدسة لا تمس قراراتها ولا طعن عليها فمرة توصف بأنها إدارية وأخري قضائية - وفي إطار هذا الاضطراب لم تأخذ قراراتها منحني واحد في تعاملها مع كافة المرشحين فاستغله هؤلاء لتحقيق أغراضهم. وليس أدل علي ذلك من انقسام القانونيين فيما بينهم في توصيف طبيعة هذه اللجنة.. والاختلاف في الرأي أكبر دليل علي عدم الحسم وأن الأمر محل شك واحتمالي. ثم يأتي دور رموز النظام السابق وحلمهم في وصول واحد من رجالهم فيقوم بتحقيق كل الآمال والأحلام للأطراف السابقة ثم في حماية من أدينوا بالعفو عنهم - وبعودة كل أطراف النظام - وجهازه الأمني وهو ما ظهر صراحة في بياناتهم. فكأنه لم تقم ثورة وضاع دم الشهداء - وضمان من فقدوا أبصارهم وأعضاءهم.. ولضاعت كل مكتسبات الحرية - ولا اقتلعت شجرة الثورة قبل نضج ثمارها للشعب كله. وهو ما أدي إلي إسراع العدو الصهيوني الذي ناح كثيراً بذهاب الكنز الاستراتيجي لهم "المخلوع" فسارعوا إلي الإعلان صراحة عن أن أفضل مرشح يناسبنا ويعيد لنا مصر هو فلان ممثل النظام السابق وهذه شهادة ما اسوأها وما أشدها عاراً. ثم توج هذا بالفكر العلماني يمينه ويساره ليبراليين وشيوعيين الذين سقطت مبادؤهم في العالم كله إلا في مصر يجدون في واحد من المرشحين بغيتهم في فهمهم الخاطئ لفكرة المدنية وأنه لا يوجد في الإسلام ما يعرف بالدولة الدينية وأن الإسلام يترك معظم الأمور للعقل مادامت لا تصادم قواعد وضوابط الدين.. وأنهم فقط يريدون في ديكتاتورية شديدة أن ينقضوا أي فكر يعارضه ويؤمنون بسطوة الأقلية وكل يوم يزداد عداؤهم للأديان إسلاماً أو مسيحية. هذه الأقلية الفكرية التي تقوم بدورها قبل الثورة وبعدها وابعد من ذلك يسحرون الناس بالحديث عن الحريات والعدالة والمساواة ومقاومة الظلم والديكتاتورية فيسعد الناس بفكرهم لكنه السم في العسل فيختمون دعوتهم بأنه لا دور لأي التزام ديني ولا لنصيحة الدين أو لتعاليمه أو القوانين في تحقيق هذه الأفكار فنموذجنا عربي علماني ولا مكان ولا دور لقيود الأديان التي ستعطل خطنا وتعرقل حركتنا. وهيأ لهم الظن بنشر رسالتهم وخاصة بعد أن شوهوا صورة الدين وكل من ينتمي لهم فالدين هو الذي أدي لتخلف الأمة وهو السبب في احتلال فلسطين والعراق - والبطالة والفقر والتخلف.. هيأت لهم أجهزة إعلام رخيصة تعمل بأموال النظام السابق وتقوم بغسل أموال لصوص فمنهم من اشتري بها ثلاث أو أربع قنوات خاصة بالإضافة إلي صحيفة.. لا يستضيفون في هذه القنوات إلا هؤلاء فملكوهم الأبواق والأقلام وظلوا يطرقون ويضغطون علي المصري البائس وهو في عوز شديد بإيهامه بأن هؤلاء المتمسحين بالدين سبب خراب الأمة وتخلفها وتأخرها - ونحن سنمدكم بالمال والمنح حتي تسقطوهم وبعد أن كانت هذه القنوات ذرا للرماد في العيون تمثل التيار الديني ولو لضيف واحد. اقتصر الضيوف علي دهاقنة العلمانيين والذي أعلن كثير من اخطائهم وفي عبارات متدنية سنرشح فلاناً نكاية في الإسلاميين أعداء الناس ووصل الأمر إلي صحفي كبير أعلنت واحدة من الصحف الرسمية أنه يتقاضي في الحلقة الواحدة بإحدي هذه القنوات مائة ألف جنيه فكيف يشعر بالفقراء والعاطلين بقوله وعليكم أن تختاروا بين الطاعون والسرطان فأي خلق وأي أمانة للكلمة. إما التهمة فهي أن أغلبية البرلمان فشلت في تحقيق العدالة والقضاء علي البطالة وفي توفير الخبز والبنزين والسولار فهل هذه مهمة البرلمان أم مهمة الوزارة ومن بيدهم القرار حتي التشريعات التي يصدرها البرلمان يلاقي الأمرين حتي يتم التصديق عليها لإظهاره في صورة الضعيف ثم يريد بالأكاذيب الباطلة حتي من باب الأفك قالوا البرلمان يناقش مشروعية مضاجعة ومباشرة الزوجة الميتة من زوجها.. وتلقف البعض الخبر وإذا به أفك.. كانت حريفة النظام البائد وهؤلاء هم رموزه المستمرون في نهجه. فأقول لهؤلاء ضاعت أموالكم وبحت أصواتكم وفشلتم فشلاً ذريعاً وتبقي دماء الشهداء الذكية وأرواحهم تحلق في حويصلات الطيور فوق رءوسنا تذكر بتضحيتهم من أجلنا. وها هو بعد أن استشعر مخلصو البلد الخطر وأن رمز النظام السابق لو تمكن سيضع الثورة وكل الأحرار في القبور ويحمي الجناة ويعود إلي أعداء الأمة منقذاً سياساتهم فلم يبق أمامنا إلا أن ندع وساوس الشيطان جانباً ونستخير الله ونختار الحق ونحقق قول الله تعالي: "لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهين". لقد أعطانا الله العقل فقال: "فاعتبروا يا أولي الأبصار".