ندوة تثقيفية بآداب الوادي الجديد عن الذكاء الاصطناعي والمهن المستقبلية    توريد 127 ألفا و458 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    10 غيابات تضرب الترجي قبل مواجهة الأهلي    الرابع في تاريخ النادي.. بالمر يحصل على جائزتين لأفضل لاعب في الموسم بتشيلسي    ضبط عنصر إجرامي بحوزته مخدر الحشيش وأقراص مخدرة ب 1.7 مليون جنيه    بدء تنفيذ أعمال مبادرة "شجرها" بسكن مصر في العبور الجديدة    رئيس جامعة القاهرة ينعى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ العلوم السياسية    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    تراجع البصل والملوخية بسوق العبور اليوم الأربعاء    محافظ كفر الشيخ: إزالة 28 وحة إعلانية مخالفة    الأسهم الأوروبية ترتفع لأعلى مستوياتها في أكثر من شهر مدعومة بقطاع الأغذية    بنك مصر يحصد 5 جوائز من مجلة ذا يوربيان البريطانية لعام 2024    مجلس النواب يستكمل مناقشات الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة 2022 /2023    لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية: نرفض الوصاية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن 18 غارة على بلدات جنوب لبنان    روسيا تستأنف هجماتها على محطات وشبكات الطاقة بأوكرانيا    اليوم، الحركة المدنية تناقش مخاوف تدشين اتحاد القبائل العربية    مجلس النواب يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة    "المدرج نضف".. ميدو يكشف كواليس عودة الجماهير ويوجه رسالة نارية    النواب يستكمل مناقشه تقرير لجنة الخطة والموازنة    "أخوه ضربني".. مسجل خطر يقتل ميكانيكي في المنوفية    حبس ربة منزل عام لاتهامها بقتل نجلة شقيق زوجها في مشاجرة بينهما بالقليوبية    خلاف على الجيرة.. إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    فيلم السرب يكتسح دور العرض المصرية بإيرادات ضخمة في 7 أيام (بالأرقام)    ياسمين عبد العزيز: «بنتي سندريلا وبترجع البيت الساعة 12»    مهرجان المسرح العالمي يحمل اسم الفنان أشرف عبد الغفور في دورته الثالثة    عبير فؤاد تحذر مواليد 5 أبراج.. ماذا سيحدث لهم في شهر مايو؟    في ذكرى وفاة فارس السينما المصرية.. الأدوار البارزة في حياة أحمد مظهر    فرقة قصر ثقافة طنطا تفتح بوابة سحرية ل"تمارة" بطنطا    علي جمعة: الرضا والتسليم يدخل القلب على 3 مراحل    «أسترازينيكا» تسحب لقاحها ضد كورونا.. ما علاقة رئيسة المفوضية الأوروبية واتهامها بالفساد؟    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    "لابد من وقفة".. متحدث الزمالك يكشف مفاجأة كارثية بشأن إيقاف القيد    زعيم كوريا الشمالية يرسل رسالة تهنئة إلى بوتين    مرصد الأزهر :السوشيال ميديا سلاح الدواعش والتنظيمات المتطرفة    صحة مطروح تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة وادى ماجد غرب مطروح اليوم    «القاهرة الإخبارية»: إصابة شخصين في غارة إسرائيلية غرب رفح الفلسطينية    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    "لم يسبق التعامل بها".. بيان من نادي الكرخ بشأن عقوبة صالح جمعة    تقرير: مشرعون أمريكيون يعدون مشروع قانون لمعاقبة مسئولي المحكمة الجنائية الدولية    "تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل".. بين العدوان المباشر والتهديد الغير مباشر    مواد البناء: أكثر من 20 ألف جنيه تراجعًا بأسعار الحديد و200 جنيه للأسمنت    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    اليوم العالمي للمتاحف، قطاع الفنون التشكيلة يعلن فتح أبواب متاحفه بالمجان    البورصة المصرية تستهل بارتفاع رأس المال السوقي 20 مليار جنيه    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    نتائج التحقيقات الأولية فى مقتل رجل أعمال كندى بالإسكندرية، وقرارات عاجلة من النيابة    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    تتخلص من ابنها في نهر مليء بالتماسيح.. اعرف التفاصيل    "المحظورات في الحج".. دليل لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج 2024    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرجعية الدينية و...العلمانية النفاقية (34)
نشر في الشعب يوم 24 - 03 - 2007


بقلم أ.د : يحيى هاشم حسن فرغل
عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا
yehia_hashem@ hotmail .com
[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم


إنها العلمانية التي لا ترد يد لامس إلا أن يكون مسلما وبوسائل دستورية ديموقراطية تعددية تبادلية عولمية تقدمية حداثية تحررية سلموية !! تتنقل بإصرار ووعي بين مخادع الاشتراكية واللليبرالية والرأسمالية والصهيونية واليهودية والمسيحية والإلحادية إلخ لكنها لا تفعل ومن المستحيل عليها أن تلتقي مع المسلم مهما يكن قربه منها

إنه إذا كان من العلمانية أنواع :
العلمانية الغبية التي لا تدرك لفرط أميتها أو فرط غبائها أو فرط جهلها أنها مناقضة للإسلام وتمارس شيئا من هذا وشيئا من ذاك حسب الظروف والتوجيهات .
والعلمانية اللاواعية التي تدرك وتعلن أنها مناقضة للإسلام ولكنها لا تدرك أنها واقعة في أسرها في بعض فتاواها وتصب في خانة أعدائها في بعض توجهاتها .
والعلمانية الصريحة التي تدرك وتعلن أنها مناقضة للإسلام إذ هو الإسلام الشامل قطعا ( ومن هؤلاء شبلي شميل وسلامة موسى مثلا )
والعلمانية المراوغة : في انطلاقها من موقع علم الاجتماع المعاصر ، وقد وجدنا للإمام ابن تيمية ت 728 ه وصفا مبكرا لها– دون أن يسميها بالعلمانية بطبيعة الحال - في مجموعة من الناس : ( الذين لا يوجبون اتباع دين االإسلام ، ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان ، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب والسياسات التي يسوغ اتباعها ، وأن النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا ، فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال ، وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا ، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها و يكفرون ببعض الأحوال ، وهم متفاوتون فيما يؤمنون ويكفرون به من تلك الخلال ، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من اهل الجهالات .... .. ) منهاج السنة ج1 ص 3 )

... فإن منها العلمانية النفاقية وهي تلك التي تدرك - ولكنها لا تعلن - أنها مناقضة للإسلام .
وهنا نجد طائفة كبيرة من نخبة المثقفين والمنفذين الذين وصفهم اللورد كرومر المندوب السامي للاحتلال البريطاني لمصر في بدايات القرن العشرين بقوله في تقرير له جاء في كتابه " مصر الحديثة " ( إن المجتمع المصري في مرحلة الانتقال والتطور السريع ، وكانت نتيجته الطبيعية أن وجدت جماعة من أفرادهم "مسلمون " ولكنهم متجردون عن العقيدة الإسلامية !! ، والخصائص الإسلامية ‍‍‍‍‍‍‍‍‍، وإن المصري الذي خضع للتأثير الغربي فإنه وإن كان يحمل الاسم الإسلامي لكنه في الحقيقة ملحد ، وارتيابي ، والفجوة بينه وبين عالم أزهري لا تقل عن الفجوة بين عالم أزهري وبين أوربي ) !! أنظر مقال الأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب بمجلة الأسرة العربية بتاريخ 18 102004 نقلا عن كتاب " " الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية " للعلامة أبي الحسن الندوي

ويقول عنهم المستشرق الإنجليزي جب في كتابه إلى أين يتجه الإسلام ( لقد استطاع النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة وتعليماتنا الخاصة أن يترك في المسلمين ولو من غير وعي منهم أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لادينيين إلى حد بعيد .ولا ريب أن هذا هو اللب المثمر في كل محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار . فالواقع أن الإسلام كعقيدة وإن لم يفقد إلا قليلا من أهميته وسلطانه ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانه ) نقلا عن " كبرى اليقينيات الكونية " لمحمد سعيد رمضان البوطي ص 227
وقد اجتمع - من يمثل هؤلاء أخيرا بخلطة من العلمانية الصريحة في مؤتمر "الاسلام والعلمانية" في دعوته إلى تفسير جديد للقرآن من منظور علماني برعاية "المحافظين" الجدد بأمريكا- ..!! حيث اجتمع المؤتمر يومي 4 و5 مارس الجارى (2007 ) فىمدينة بطرسبرج بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة بمشاركة وجوه علمانية بارزة داخلوخارج العالم الإسلامي، وكذلك مسئولي إعلام ومخابرات غربيين. وبالرغم من أن محور المؤتمر هو "تفسير القرآن بهدف إصلاحالإسلام" !!! كان أغلب من شاركوا فى الفعاليات من غير المسلمين، بل من العلمانيين أو ممن تحولوا عن الإسلام، ثم تخصصوا في مهاجمته.
فمن بين المتحدثين ناني درويش ابنة رئيس المخابرات المصرية في قطاع غزة قبل حرب 1967) والتي تحولت للمسيحية.وشارك كذلك سلامة نعمات مراسلجريدة الحياة اللندنية في واشنطن، ووليد فارس الباحث اللبناني الأصل والعامل في عدةمؤسسات فكرية وبحثية أمريكية يعتبرها الكثير من الأمريكيين واجهاتلإسرائيل.ووفاء سلطان الأمريكية من أصل سوري والتي اشتهرت في أوساطالمحافظين الجدد بمهاجمة أسس العقيدة الإسلامية، والكاتبة الباكستانية الأصل إرشادمانجي التي هاجمت الإسلام بعد اعتراضات من مسلمين على دعوتها لممارسة الشذوذ الجنسي في كتابها "المشكلة في الإسلام ، كما تحدث في المؤتمر نبراس كاظمي الباحث في مؤسسة "هدسن" اليمينية الأمريكية ومنى أبو سنة رئيسة قسم اللغة الإنجليزية بكلية تربية جامعة عين شمس المصرية. والكاتب الإيراني الأصل أمير طاهري الذي ينشر مقالات رأيوتحليل في جريدة "ذا جيروزليم بوست" الإسرائيلية.و المذيع التليفزيوني جلينبيك -من قناة "سي إن إن"- والذي اتهمته منظمات عربية مؤخرًا بمعاداة العربوالإسلام.بالإضافة الى زاند بونازي -منظمة المؤتمر- وهي ناشطة أمريكيةإيرانية كانت قد أعربت عن أملها في أن تشجع قمة "الإسلام العلماني" على إيجاد حركةعالمية جديدة من أجل "العقل والعلم والقيم العلمانية داخل المجتمعاتالإسلامية"..

ومن المشاركين أيضاً الكاتب الأردني المعروف د. شاكر النابلسي الذى قدم ورقة في المؤتمر حول ظهور العلمانية في الدولة العربيةالكلاسيكية منذ حكم معاوية بن أبي سفيان إلى ما بعد حكم العثمانيين.
وأوضحالنابلسى أن المنظمين للمؤتمر هدفوا من دعوتهم "للتفسير العلماني للقرآن" إعادةتفسير القرآن من منظور علماني أمر مجاز والقرآن حمال أوجه كما يقال حيث يوجد تفاسيركثيرة جداً. جاهلا أو متجاهلا أن لتفسير هذه الأوجه ضوابط منهجية قطعية : علمية ولغوية وعقلية وتشريعية و واقعية وإلا فقد سقطت من قبل في هذا الطريق مدارس إلحادية ومدارس باطتية مشهوروة وهو في إثرها أشبه بمن يعيد اختراع العجلة .
( وكان من اللافت للنظر خلال فعاليات المؤتمر غياب شخصيات إسلامية بارزة ،الأمر الذىاعتبره البعض إقصاء للرأي الآخر) ، موقع ألكتروني " المحيط" بتاريخ 632007 "
هؤلاء هم الذين يعيدون تفسير القرآن الكريم كأنهم يستحدثون من أجله مجمعا كهنوتيا بعد أن سلم الإسلام من مثله في تاريخه الطويل
وفي سياق العلمانية النفاقية هذه يأتي أحيانا الاعتراف بالإسلام " كطاقة شعبية هائلة تشبه أن تكون الطاقة النووية " في صورة مديح للإسلام –وهي الفكرة التي طرحها مدافعا عنها - الكاتب الإسلامي الأستاذ فهمي هويدي في جلسة مناقشة مع الأستاذ محمد حسنين هيكل مع آخرين بتليفزيون الجزيرة بتاريخ 1792004 - لكنه المديح الذي سرعان ما يستغله سماسرة العلمانية النفاقية : إذ يتبعونه بالقول بأنه ما دام الأمر كذلك فيجب إزاحة هذه الطاقة القنبلة جانبا إلى أن نطمئن إلى اليد التي تتعامل به ، كشأن القنبلة النووية ذاتها ، وكمنطق بوش نفسه حذوك النعل بالنعل ، ، متجاهلين أن هذه الطاقة لم تكن بنت اليوم ولكنها ذات تاريخ حضاري وتجربة إنسانية طويلة – أربعة عشر قرنا - أخطأت حينا وأصابت أحيانا ، جرى التعامل بها من خلال أنظمة اتصفت بحكمتها وتعدديتها ونجاحها وخبرتها السياسية والإدارية والحضارية والإنسانية الملهمة الطويلة ، متجاهلين كذلك أنهم كنخبة مسئولون عن أن يكونوا هم اليد التي تسوس الأمر بهذه الطاقة ، وترشدها وتنير لها الطريق ، وتحذرها من العدو الأكبر الذي هو العلمانية ، ما أقاموا على القول بأنهم مسلمون ، لا أن يتغزلوا في مفاتنها ثم ينحوها جانبا في انتظار " جودو" !!
وعلى كل حال فهم يزيحون الإسلام من الطريق إن كان طاقة ، وهم يزيحونه من الطريق أيضا إن لم يكن طاقة ؛ عجبي !!

تلكم هي " العلمانية المشكلة " : بؤرة انطلاق المشاكل بجميع أنواعها ومستوياتها ، الناتجة عن عزل الحركة الشعبية الجماهيرية عن مصدر الطاقة فيها ، في المرجعية الدينية ومن ثم تفرغ النهضة الإسلامية من طاقتها الشعبية كمصدر لقوتها .. ثم يجري حقن هذه النهضة بعد أن أصيبت بالشلل في استعراضات مسرحية بمركبات "سيميائية " بدءا من فيتامينات : " التمدين " و "الحضارة" و " التقدم " و" التطور " والحداثة " ولا بأس من قرص قاتل من " الفياجرا " بإشراف من العلمانيين المتصابين ، لينتهي بها الأمر إلى الموت السريري الذي يمكن أن يمتد إلى ما شاء الله ، ثم يأتي الفشل من بعد فرادى وجماعات ، دون أمل فيمن يملك لقاح الخلاص . ثم ينادي المنادي بمواراتها التراب ، لكي يتزوج الشيخ الفاني من غريمتها المتصابية ، ثم يأتي المستقبل عقيما وعند ذاك نجلس جميعا – كما نجلس اليوم – نبكي على الطاقة المسكوبة
إنهم بإبعادهم المرجعية الدينية – الإسلام الحل - عن مشروع النهضة في البلاد الإسلامية ومن ثم عن طاقتها الشعبية صاروا كمن يبني على موج البحر دارا ، أو كمن يبني على الرمال قصرا او بالأحرى كمن يبني في جحر الثعلب مسجدا جامعا

ولقد كان من تجليات العلمانيين أن تناطَح القادة " الأصدقاء " وهم في قمة السلطة أو على بعد قاب قوسين أو أدنى منها : رغبة في إقصاء أحدهم للآخر والقضاء عليه ، رهانا منه على هزيمة كاسحة لبلده لم يذق العرب أو المسلمون مثلا لها منذ قرن أو أكثر ليلصقها هذا بذاك ثم يقفز إلى العرش أو يثبت قدمه فيه بسلطة " التزييف " الإعلامية الرابعة ، التي تقود "دجاج"الشعب " – كما هو لقبه الممتهن في قاموس العسكر - :: فإذا هو قد ملأ الجو هتافا بحياتي قاتليه ، أثر البهتان فيه ... وانطلى الزور عليه ، يا له من ببغاء ... عقله في أذنيه . والتحية لأحمد شوقي .
، هكذا دون أن يرف لأحدهم جفن تقوى من الله ، والبركة في عقيدة التجافي عن مفهوم الحلال والحرام ، في المرجعية الدينية وقد ذاق القادة لبانها من ضرع الميكيافيلية العلمانية الصريحة ، وليذهب الشعب إلى الجحيم .
ولكن بيت القصيد الذي لم يذكره الشاعر هو أن عقل الشعب لم يصر في أذنيه إلا بعد محاصرة طويلة خادعة من تجذير الأمية ، وتضليل الإعلام ، و"توسيخ " العقول ، وتجويع البطون ، وتعذيب النفوس والجسوم ، وعزل ممنهج عن مصادر الوعي من الدين الصريح والعلم الصحيح والحرية الخلاقة
وبعبارة أخرى : أن الشعب لم يصبح ببغاء إلا بعد عملية إجهاض تاريخية طويلة أجريت لعقله بيد علمانية لتخليته من طاقته العقدية ومرجعيته الدينية ووعيه الإسلامي العريق

يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل بتاريخ 9 92004: في تجليات علمانية أخرى بحديثه بقناة الجزيرة : يكفي أن نأخذ من الدين المبادئ والقيم كما هو الشأن في الأحزاب الأوربية المسيحية في ألمانيا وغيرها
وهو يشير بذلك إلى مجموعة القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي لا تختص بدين من الأديان ، والتي تلتقي عندها العقول المتحررة من الدين ، والتي يقول فيها أصحاب وحيهم من المستشرقين والمبشرين : الصحيح في الإسلام لا يختص به ، والذي يختص به ليس صحيحا ، وهكذا بضربة واحدة قاسية ناعمة يتم التخلص من المرجعية الدينية ومن الإسلام
وهذه تجليات لا تعرف كيف تخرج من حذاء مماشاتهم للغرب ، أوهي مظهر من مظاهر العلمانية الجهول التي لا تعرف ولا تريد أن تعرف ما هو الإسلام
إنهم لو أرادوا أن يعرفوا أو لو أرادوا أن يتحرروا لعرفوا أن الغرب يتعامل في المسيحية مع جزئياتها ورؤاها الأسطورية كما هو حالهم اليوم في التحضير لحرب هرمجدون
إنهم لو أرادوا أن يعرفوا أو لو أرادوا أن يتحرروا لعرفوا أن ما هم فيه لا يتفق مع شمولية مبادئ الإسلام ، ولعرفوا أن الله سبحانه وتعالى قد وصفهم وصفا دقيقا ، كما وصف خزيهم في الدنيا ، وهذا ملموس في الحال ، ومآلهم في الآخرة وهذا متيقن في المآل ، يقول تعالى : ( كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ، فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) 90- 92 الحجر ، ويقول تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ، أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) 85 البقرة ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) 159 الأنعام ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) 49 المائدة
إنهم ينطلقون إلى مرجعية مقهورة بأهوائهم ، ضيقا منهم بمرجعية قاهرة بكلمة الله ، وبعبارة أخرى ينطلقون إلى علمانية ينحتونها كما ينحتون الأصنام بأيديهم ضيقا منهم بقرآن يستعصي على التغيير والتبديل ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون . فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ) 15- 17 يونس

إنهم لو أرادوا أن يعرفوا أو لو أرادوا أن يتحرروا لعرفوا أنهم عند ما يخرج الإسلام من العزل الذي وضعوه فيه بعيدا عن طاقته الشعبية الفاعلة ، ويخرجون هم من سجن الجهل المركب الذي غيبهم في قاع كراهيتهم له ... لا خوف عليهم عند ذاك من تفسيرات بعض الرجال لبعض نصوصه لأنهم عند ذاك يصبحون مثلهم أو أفضل منهم إذ لا احتكار في الفهم والاجتهاد لأحد في الإسلام.
ولقد نبه المستشار طارق البشري في بحث نفيس له عن «أحكام الولاية العامة لغير المسلمين» إلى إمكانية حدوث الاختلاف بين المجتهدين من الفقهاء وإلى ( أن كل واحد من الفقهاء له أن يتصور الواقعة بشكل مختلف ، ومنهم من يستعين بالنص الشرعي الذي يوافق ما ارتآه ، الأمر الذي يعني أن الخلاف لم يكن في النصوص، وانما كان حول تصوير الواقع، وهو ما ينسحب على مواقف كثيرة ، منها فتوى شيخ الأزهر الأسبق الشيخ حسن مأمون بضرورة محاربة إسرائيل ، ثم جاءت بعد ذلك فتوى الشيخ جاد الحق في السبعينيات بجواز الصلح ورغم تناقض الفتاوى ، إلا انه لم يكن ثمة خلاف بين الشيخين ، وإنما الخلاف جاء من كيفية تصوير الواقعة لكل منهما.)

هذا نموذج مهم لاختلاف الفقهاء اعتمد فيه كل منهم على المرجعية الثابتة المتمثلة في الكتاب والسنة ، ورؤية متنوعة للواقع الذي تنزل عليه أحكامهما ، مع رؤية مصلحية واسعة الأفق عالية المستوى ، تندرج فيما اصطلح عليه بالسياسة الشرعية حيث نرى الفقهاء شبه سياسيين والسياسيين شبه فقهاء ، وحيث تنمحي الفواصل العلمانية التي اصطنعت فصل السياسة عن الدين منتهزة في العصر الحاضر فرصة جهل الساسة بالدين والفقهاء بالسياسة ، نتيجة فصل سابق بينهما في مناهج التربية والتعليم منذ بداية ما يسمى " مشروع النهضة " ،: وهذا يعني أنه عند ما يخرج الإسلام من العزل الذي وضعه العلمانيون فيه بعيدا عن طاقته الشعبية ويجري الاتصال الحيوي بين الفقه والسياسة والجماهير في برامج التربية والتعليم والإعلام لا خوف عند ذاك على أحد من تفسيرات بعض الرجال لبعض نصوص الدين أو احتكارهم له ، لأن الجميع عند ذاك يصبحون منهم أو أفضل منهم إذا امتلكوا أدوات الاجتهاد ومنهجية البحث
يقول السيد المستشار طارق البشري عن قبول الاختلاف داخل المرجعية الدينية الأسلامية : ) المرجعية متداخلة مع اجتهادات الناس.. هي الأصل المرجوع إليه والمورود منه.. وهي تحتمل، بل تفترض قبول الاختلاف والتنوع والتغير بحسب الزمان والمكان. وكما قيل: الحكم صلة بين نص ثابت وواقع متغير.. والاختلاف في الأحكام، ولكن الاتفاق يكون فيمرجعية واحدة )
لكن ماذا عن اختلاف المرجعية الدينية الإسلامية مع مرجعيات موازية خارجة عنها ؟ كيف تدار العلاقة - في الواقع السياسي والاجتماعي - بينهذه المرجعية وبين من لا يؤمنون بها ويصدرون عن مرجعيات أخرى؟ وهل تتيح هذه المرجعية للمختلفين معها حرية التنظيم السياسي؟.يقول المستشار : ( .. إن من لا يوافق على هذه المرجعية لا يخضع لها كمرجعية.. وهذا حقه فلسفياوثقافيا؛ مع العلم بأنها لا تُطرح كعقيدة على غير أصحابها.. لكن يمكن أن يخضع لمايصدر عنها من أحكام وقوانين تفصيلية طالما كانت لا تخل بمبدأ المساواة اللازمة بينالمواطنين.. فإذا سأل البعض: كيف سيتعامل غير المسلم مع أحكام مردودة فكريا إلىالمرجعية الإسلامية التي قد يرفضها من الأساس؟ قلنا: إنه سيتعامل هنا معها كأحكامولا يتعامل مع مرجعيتها.. وطالما كانت الأحكام تقبل بالمساواة بين المواطنين جميعافهو سيتساوى مع المسلمين على وفق هذا المظهر ، وبموجبالمساواة الآتية من حكم مردودإلى هذه المرجعية. تماما مثل المسلم في فرنسا العلمانية.. فهو يتعامل مع أحكام مرجوع فيها إلىمرجعية وضعية علمانية.. وتعامله معها لا يتعلق بالمرجعية وإنما بهذه الأحكام التيتنحدر من هذه المرجعية وتمس نشاط حياته وتحكمه) نقلا عن إسلام أون لاين

وإذا كان البعض يطرح ما أشارإليه الأستاذ محمد حسنين هيكل في حديثه المشار إليه سابقا – بقوله نأخذ من الإسلام قيمه و مبادئه على العين والرأس ، أما الكلمة المقدسة فهي غير قابلة للمناقشة والخلاف !! فإنا نقول : معنى هذا أن تترك الكلمة المقدسة جانبا ، تقديسا لها على نحو تقديس أصنام المتاحف الفرعونية ، أو كتاب الموتى عند قدماء المصريين ، خيرها في موتها ، قداستها في تحنيطها ، احترامها في الصندوق الزجاجي الذي وضعها المتحفي فيه
يالله : في موقف نجدهم يدعون إلى الاجتهاد حيث يحلو لهم أن يطعنوا جمود العلماء ويعلقوا على شماعتهم الرغبة في إلغاء الإسلام ، وفي موقف آخر يفترضون أن ليس لهذا الاجتهاد مجال حيث يحلو لهم أن يجرموا المرجعية الدينية ، وأن يوقفوا هذه الاجتهادات ويصادروها أو أن يتجاهلوها بغطاء من قداستها !!

ثم ماذا عن دعاوى القداسة للبدائل وهي تظلل الأفق من مثل الديموقراطية والاشتراكية والوطنية والحرية والتطور والتقدم والعقلانية والعلموية والإنسانية والشعبوية والرأسمالية إلخ والتي تطرح في تباديل بحسب تباديل السلطة النافذة ؟

إنهم " يجرمون " المرجعية الدينية دستوريا لكي تطلق أيديهم في تشريع ما يشاءون من الربا والزنا والاختلاط الجنسي في دور التعليم وغيرها ، وهو اختلاط من شأنه مع غياب التوجيه أن يتملق في الشباب ميولهم التحررية جنسيا ، ويعزلهم من ثم عن القيود التي يفرضها الإسلام ، ويسهم في إجهاض طاقتهم .
وفي هذا السياق – على سبيل المثال – تذيع قناة روتانا برامج إباحية عن " بنات الليل " ويرفضها الرافضون باسم الحرص على التحليل العلمي !! أو سمعة الوطن ، أو سمعة الشرطة أو سمعة الأسرة ، أو سمعة الأفراد !! ، لكنهم في جميع الأحوال يحرصون في رفضهم على استبعاد القيم الدينية بالذات من قبيل الحلال والحرام ، ، ويسمونها وعظا وإرشادا منبوذا ، ثم هم في اليوم التالي يقبلون ان يروجوا للفاحشة في يوم احتفالي بعنوان "عيد فالنتين " وهو في منظومتهم القيمية " فضيلة " علمانية " تدعو للحب وتيسر له الفجور المموه بقليل من " الرومانسية " !

ومن ذلك على سبيل المثال أيضا : أن رفضت إدارة كلية الطب جامعة القاهرة تنفيذ رغبة الطلبة والطالبات بالفصل بين الجنسين داخل قاعة المحاضرات ، وتسبب تعسف الإدارة في أزمة داخل الكلية . ونظم الطلبة والطالبات استطلاع رأي أجري بين طلبة الفرقة الثانية بكلية الطب حول الفصل بين الطلبة والطالبات داخل قاعة المحاضرات، فأيد 75% من طلاب الدفعة الفصل بين الجنسين مقابل 25% أيدوا الاختلاط ، وبعد الاستفتاء تم تقسيم قاعة المحاضرات إلى قسمين واحد للطلبة وأخر للطالبات وفصلوا بينهما بشريط أزرق ، ، إلى هنا والتصرف ديموقراطي ؟ أليس كذلك ؟ لكن العلمانية تأبى ما يتفق مع المرجعية الدينية وحكم الشريعة أو ما يكون منبثقا منها ولو كان في أسلوب ديموقراطي ، أم تراها من الغفلة بحيث تستدرج إلى شريعة تتسلل إلى تربية القاعدة الشعبية من الشباب ؟ ومن هنا غضب الدكتور صلاح الغزالي حرب وكيل الكلية لشؤون الطلاب غضبة مضرية علمانية فسارع إلى نزع الشريط الأزرق من قاعة المحاضرات ، و قرر تحويل أربعة من الطلاب "العصاة " لتحقيق داخلي في الكلية و اتهمهم بإثارة البلبلة، فيما أعلنت عميدة الكلية الدكتورة مديحة خطاب رفضها مبدأ الفصل بين الطلبة والطالبات . !! ( الشعب 17122004)

وفي منطق العلمانية كما يجري جعل المعروف منكرا يجري جعل المنكر معروفا ، أليس التشريع حقا إنسانيا ليس لله فيه دخل ؟ يجري بمقتضاه تقنين القرارات الخارجة على القانون ، ، ثم يجري دسترة القوانين الخارجة على الدستور ، ثم يجري تعلية المرجعية الدستورية على المرجعية الدينية بإلغاء المرجعية الدينية نفسها ، وبلاش دوشة ، ، وإذن فما البأس في" تشريع ما ليس شرعيا " حرفيا : تشريع عدم الوفاء بالعهد " !! مثلا ولا غرابة ، فهذا ما حدث يوم 14102004 في باكستان من إصدار( تشريع يبيح للرئيس عدم الوفاء بعهده بالتخلي عن منصبه كقائد للجيش ) ، ليصبح عدم الوفاء وفاء ، وغير القانوني قانونيا ، ليصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا ، ليصبح الكذب والسرقة والتجسس والنفاق واللواط والخيانة والبهتان والنميمة والاستسلام للعدو وما شئت من الرذائل قانونية عندما يشاء المجلس التشريعي ، أليس هو مطلق اليد من كل قيد شرعي ، أو مرجعية دينية ؟ أليس مجلسا علمانيا أو في الطريق إلى ذلك ، أليس يدين للمكيافيلية بأكثر مما يدين " للإسلاموية " ؟

ومن تجلياتهم ما صرح به الدكتور ممدوح بلتاجي وزير السياحة والإعلام ( سابقا ) بمصر في قناة فضائية من تبرير عدم السماح بإنشاء حزب إسلامي في مصر بحجة أن إنشاء هذا الحزب رسميا يعني أن غير المنتمين إليه ليسوا مسلمين ، متجاهلا أن مثل هذه الحجة لو صحت فإنها تعني عدم السماح بإنشاء أي حزب في أي مكان في العالم ، لأن أي حزب من الأحزاب في جميع أنحاء العالم سوف توجه إليه التهمة الساذجة نفسها ، في حين أنه لا يضم ولا يدعي أنه يضم جميع الأفراد الذين ينتمون إلى عقيدة الحزب ، وإنما هو على أقصى تقدير يدعي أنه يضم من " يتبرع للعمل الحركي لهذا الحزب " أو ذاك ، والمحاكمة أوالمحاسبة في هذا ترجع لبرنامج الحزب المسموح به قانونا : إن كان يدعي هذا الأمر أو ذاك ، ولو طبقنا هذا المقياس على إنشاء الحزب " الوطني الديموقراطي " الذي ينتمي إليه الوزير نفسه لكان معنى ذلك أن في قيامه اتهاما لغير من ينتمي إليه باللاوطنية واللاديموقراطية ، وهو ادعاء ظاهر البطلان . متجاهلا في الوقت نفسه فلسفة إنشاء الأحزاب نفسها – في الفكر الديموقراطي المزعوم - وأنها تقوم على فلسفة الاعتراف بواقع التعددية ، والممارسة السلمية مختلفة تماما عن الفلسفة الإستئصالية للحزب الواحد الذي أخذ يتوارى عن الساحة السياسية في العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي
لكنها العقلية العلمانية التي تتكشف من رماد بيئة استئصالية تسلطنت في عقول الكثيرين
كما ادعى الوزير السابق أن السماح بإنشاء حزب إسلامي يعني السماح بإنشاء حزب مسيحي؟ ولم لا ؟ وحجة الوزير في عدم السماح بذلك أن إنشاء أحزاب إسلامية وأخرى مسيحية يعني إثارة الفرقة الطائفية منطلقا من عقيدة الحزب الواحد الأحد ، متناسيا أن للمسيحيين – دون غيرهم – في مصر مؤسستهم الأقوى من أي حزب ، وهي الكنيسة بما لها من صلاحيات صارمة في جميع المجالات ، ألزمت قوات الأمن – على سبيل المثال – بتسليمها واحدة من رعاياها : " وفاء قسطنطين" سيدة أعلنت إسلامها لتعيدها إلى " صوابها " !! ، في جلسة " نصح "
هذا هو نفوذ الكنيسة على رعاياها ، وهذا هو "ظهرهم" الذي يحميهم و" أبوهم " الذي يدافع عن مقدساتهم – اللهم لا حسد - فأي حزب يطلبون ؟ وأين الثريا من الثرى ؟ .
والغريب أن نفوذ الكنيسة الذي أجاز لها احتجاز وفاء حتى ترجع إلى المسيحية لم يكن قاصرا عليها في حادثة فردة كما يظن ، ولكنه جرى على كثيرات غيرهن ، الأمر الذي من أجله: قدم محامون وصحفيون وباحثون مسلمون بلاغا للنائب العام المصري، يتهم الكنيسة الارثوذكسية باحتجاز عدد من السيدات اللاتي اعتنقن الإسلام وتركن الديانة النصرانية.
الله أكبر ، اللهم لا حسد
وإذا كان الحسد يعني تمني زوال نعمة الغير فإننا لا نحسد ولكن نغبط ، نغبطهم ونتمنى للمسلمين نعمة كنعمتهم نتمنى للمسلمين "زعيما " يدافع عن مقدساتهم كما يدافع البابا
أم أن حرية العقيدة تصبح مكفولة لا يمسها أمن ولا تشجبها كنيسة لأمثال سلمان رشدي وتسليمة نسرين الروائية البنغالية التي نعتت القرآن بالعار ، و رشاد خليفة الذي ادعي النبوة وراسل كل الملوك والرؤساء بإمضاء رشاد خليفة رسول الله!! و للحداثيين الجدد ومحاولاتهم الحثيثة لهدم القرآن والسنة الذين قال عنهم الأستاذ الدكتور عبد العزيز حمودة أستاذ النقد والأدب العربي المعروف( من المهم أن نعرف أن المدارس النقدية التي أفرزتها الحداثة وصلت إلى الشك المطلق في كل شيء حتى الخالق سبحانه وتعالى ... إننا خلطنا بين الحداثة والتحديث وهذا خطأ كبير ، والحداثيون احتكروا الساحة الثقافية مما جعلهم يضيقون بالاختلاف .. ) ، ص 11 جريدة آفاق عربية 4 3 2004

هذا هو نفوذ الكنيسة على رعاياها فأي حزب يطلبون ؟ وأين الثريا من الثرى ؟ .
فما قيمة إنشاء حزب لهم إذن ؟ ولا قلامة ظفر ، إنه لا يعنيهم كثيرا ، وهو ليس إلا تحصيل حاصل من درجة أقل في حال قيامه ، اللهم إلا أن تكون المشاركة في اللغط حوله محض ضغط يضاف إلى ضغط على المضغوط عليهم والمقهورين أو بالأحرى انضماما تكتيكيا إلى العلمانيين الذين لا يسمحون بحزب إسلامي ولكنهم يطأطئون الرأس أمام قداسة البابا

وهم يخوفون الأقباط من مصطلح الحزب الإسلامي بقيامه على المرجعية الدينية وفي هذا بقول المستشار البشري : (تأسيس حزب سياسي على أساس المرجعية الدينية لا مشاكل فيه طالما كان تحت سقفالمرجعية الكلية.. مرجعيتنا إسلامية بنص الدستور وبموجب اعتقاد غالبية الشعب.. لكنالمشكل في أن يكون هذا التأسيس قائمًا على تأسيس العلاقة مع الحزب أو سياساته علىأساس التفرقة بين المواطنين وفق عقائدهم الدينية، وهذا مرفوض وضد الدستور.. مرفوضتماما التمييز دينيًّا بين المواطنين في دخول الحزب أو سياساته المستقبلية على أساسديني.. فيجب ألا يفرق الحزب بين المواطنين واقعًا أو مستقبلاً على أساس ديني فلا بدمن المساواة في العضوية والأهداف والسياسات...
والمرجعية الإسلامية لا تفرق -كما أسلفنا- بين مسلم وغير مسلم.. وأرى أن المادةالمقترحة بمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني هي لغو مقصود به باطل.. العبارة فيذاتها لا تفيد ولا تضر، ولكن أحسب أن المقصود بها باطل وهو منع كل من له مرجعيةإسلامية من أن يكون له تنظيم سياسي. )
لكنها العلمانية المشكلة، وهي الغطاء " التنويري " !! للتحالف الأمريكي التبشيري في مواجهته ضد الإسلام كما يتبين من الشهادة الخطيرة النادرة ل 'اشوك كولن ' أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقا بعد أن أعلن إسلامه: كما جاء في حديث أجرته معه مجلة المجتمع الكويتية العدد رقم (1629) الصادر بتاريخ 4/12/2004 كشف فيه النقاب عن محاولات الولايات المتحدة الامريكية زعزعة الأمن الداخلي في البلدان العربية وعلي رأسها مصر من خلال العمل علي تنصير المسلمين في الوقت الذي تشتعل فيه نيران الفتنة بأشكالها المختلفة !!!
وهكذا يصبح إلغاء المرجعية الدينية محض تمهيد لما يراد بالإسلام
ويقول اشوك في حواره الخطيرمؤكدا : لقد كلفت بمهمة تسلم مبلغ مليون و800 ألف دولار من الكنيسة الهولندية وتسليمه إلي نظيرتها في مصر!!!! بهدف إنفاقه علي الحركات العلمانية وبعض الأفراد لضرب حركة الإخوان المسلمين ، والزج بأعضائها في السجون والمعتقلات حتى لو وصل الأمر إلي تصفيةرموزها !!من مقال منى مدكور في الأسبوع بتاريخ 2012 2004

إن تحريك القلق أو الفتنة بين جناحي الأمة من المسلمين والنصارى إنما يقوم به العلمانيون الذين يستعملون كل ما يقع بيدهم من سلاح ضد خصومهم وإن تناقضوا مع أنفسهم ، فتراهم يملئون الفضاء صياحا وضجيجا بالشكوى من إرهاب التيار الإسلامي ، وإذا بهم ينتقلون - بعد أن تضيق عليهم دائرة الحوار - إلى سلاح الإرهاب الفكري يستخدمونه ضد خصومهم من أتباع ذلك التيار . وأخيرا وفي عصر الفيتو الأمريكاني تنبه العلمانيون وبخاصة بقايا الماركسيين منهم إلى أن لهم الحق في السباحة وفق التيار الأمريكاني " عم الكل"!! ، فأخذ بعضهم يرفع سلطة " الفيتو " في وجه خصومه من أصحاب التيار الإسلامي وإن كان المتحدث لا سلطة ظاهرة له ، ففي برنامج بإحدى القنوات الفضائية صرح السيد الدكتور رفعت السعيد أمين حزب التجمع (حزب توتو سابقا !!) بالآتي : ( نحن لسنا من السذاجة بأن نسمح لهم (يعني الأخوان) بتكوين حزب سياسي ) ، ( ومن الواضح - كما يقول الأستاذ هشام الناصر في مقاله بجريدة الشعب الإلكترونية في 4 62004 - أن الرجل يعيش في غيبوبة فكرية بعيدا عن أرض الواقع المحلي والعالمي، فمن هو كي يسمح أو لا يسمح ؟؟، وأين ثقل حزبه الواهي المتداعي الذي لم يكتسب القوة في سابق عهده إلا من خلال ما يسمي " باليسار الإسلامي والناصريين والاشتراكيين " والذين تركوه ولم يتبق به إلا نفايات من الماركسيين )
وليسمح لي الأستاذ هشام بأن أختلف معه هنا في نقطة فرعية فحزب التجمع وإن لم يكن له ثقل كحزب فإنه يمثل السلطة العلمانية الباطنة الحاكمة في مجريات الأمور ، وهو يتحرك ضمن إطار الديموقراطية الاحتكارية التي لا تسمح لغير العلمانية ، وباسم الديموقراطية أيضا !!.
ولكنهم لا يكتفون باستعمال مفردات الفيتو الأمريكاني والديموقراطية الاحتكارية فينتقلون إلى مفردات لا علم لهم بمعناها : حيث يتهمون خصومهم بالكفر وإن كانوا هم لا يحرصون على مكانهم في ساحة الإيمان ، وذلك حيث وصفوا بعض الدعاة " بالتأسلم" ؟ وهي صيغة تفيد اصطناع الإسلام والتظاهر به . كما يقال " متأمرك " و " متأورب " " ومتمركس " ومتمشرك ، ومتمرسل ، ومتصهين لمن ليس أمريكيا ولا أوربيا ولا ماركسيا ولا اشتراكيا ولا رأسماليا ولا صهيونيا – فليختر من ذلك من يشاء ما يريد - ؟ ومن ثم الحكم الضمني على من يصفونه بالتأسلم بالمروق من الإسلام والاصطفاف في خانة المتظاهرين به وهم ليسوا منه ، أليس العلماني إذن من " جماعة التكفير " وإن لم يكن من " جماعة الهجرة " ؟
ونحت آخرون مصطلح " الإسلام السياسي " بما يشعر بأنه إسلام مخترع ليس من الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في شيء ، وهؤلاء يرتكبون نفس خطيئة السابقين من تكفير من يسمونهم " المتأسلمين " ؟
أليس العلماني إذن من " جماعة التكفير" وإن لم يكن من " جماعة الهجرة "؟
إن العلمانية إنما تقوم بدورها اللقيط في تخريب العلاقة التاريخية المستقرة المطمئنة برعاية المرجعية الدينية بين الإسلام والمسيحيين وكما يقول الكاتب المرموق رفيق حبيب بالمصريون 522007 (يهدف النظام في النهاية للسيطرة على المجال الديني الإسلامي والمسيحي، لتوظيفه في خدمة بقائه في الحكم. ويستفيد النظام من ثنائية موقف الأقباط، ليوظفهم من أجل بقائه في الحكم. )
إننا نؤكد أن استبعاد القلق أو الفتنة بين جناحي الأمة من المسلمين والنصارى لن يكون بتجريم المرجعية الدينية ، فهي ملاذهم - وليس العلمانية - في تفعيل مرجعيتهم كما يقول رفيق حبيب .. في مقاله الذي نشرته المصريون هذاالأسبوع522007 : ( أن تميز المسيحيين بقانون أحوال شخصية خاص بهم هو تطبيقللشريعة الإسلامية، وإلغاء المادة الثانية من الدستور، يؤدي إلى عدم دستورية قانونالأحوال الشخصية للمسيحيين. فالعلمنة والمساواة تفترض وجود قانون واحد يحاكم أمامهكل المصريين، ولكن الشريعة الإسلامية تقول بأحقية أصحاب الأديان في الاحتكاملعقيدتهم، وبالتالي تسمح الشريعة الإسلامية بالتعدد القانوني، وهو ما ترفضه جميعالدساتير العلمانية في الغرب )
ثم يكشف رفيق حبيب عن استفادة الدولة والكنيسة كليهما بوجود النص على " المرجعية الدينية " دستوريا : الأمر الذي أوقع اليوم كليهما في حيص بيص إزاء إلغائها أو إبقائها : - من المصريون 522007 يقول : ( فالدولة المصرية والنظام المصري الحاكم، ومنذ تأسيسه في ثورة 23 يوليو، وهو لا يحاول قطع العلاقة مع المرجعية الدينية والحضارية للأمة، ولكنه أراد السيطرة عليها وتفعيلها في النطاق الذي يخدم بقاءه، ويخدم قدرته على استيعاب الجمهور المصري المتدين، وفي نفس الوقت حاول عزل هذه المرجعية الحضارية والدينية للأمة عن العديد من المجالات السياسية، خاصة المجال الاقتصادي وجزء من المجال التشريعي والقانوني، وجزء من المجال السياسي. بمعنى آخر، زاوج النظام بين المرجعية العربية الإسلامية، وبين المرجعية الغربية، وشكل نظاما سياسيا مختلطا، تتحكم فيه النخبة الحاكمة وتتحكم في انتقائها للمرجعية المناسبة لها حسب الموقف. وبهذا أصبحت النخبة الحاكمة في موقف يواجه بالنقد من النخب العلمانية والتي تريد على الأقل علمنة النظام السياسي والدستوري والقانوني بالكامل، ويواجه بالنقد من الحركات الإسلامية والتي تريد توحيد المرجعية العامة للنظام السياسي لتكون هي نفس المرجعية التي تنتمي لها الجماعة المصرية، وهي المرجعية الدينية والحضارية للأمة، أي مرجعية الحضارة العربية الإسلامية.
ووسط هذا الجدل، تعمق المنحى الانتقائي في تصور النظام السياسي، وظهر ذلك لدى الأقباط بشكل واضح. فكان من نتائج هذه الانتقائية أن تشكلت مواقف انتقائية لدى الأقباط، بحيث نجد لديهم العديد من المواقف التي تؤدي إلى التمسك بالمرجعية الدينية والحضارية في النظام السياسي، ومواقف أخرى تؤدي إلى التخلي عن هذه المرجعية لصالح المرجعية الحضارية الغربية، أي لصالح العلمنة. والغريب أن هذا الموقف الانتقائي يحدث أحيانا في نفس الموضوع. فعلى سبيل المثال، نجد هناك جدلا حول مسألة الأحوال الشخصية للمسيحيين، فالمحاكم المصرية وطبقا للقانون، تحكم بالطلاق أحيانا، ولكن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترفض تلك الأحكام، وقد صرح البابا شنودة الثالث أنه لن ينفذ حكما يخالف تعاليم الإنجيل. وتلك الأحكام الصادرة من المحاكم ناتجة من توحيد المحاكم الشرعية، كجزء من تصور نظام يوليو عن الدولة الحديثة، وكجزء من عملية العلمنة، مما أدى إلى صدور أحكام تتفق مع الشريعة المسيحية وأخرى لا تتفق معها. وهنا نجد أن موقف الكنيسة مع الاحتكام للمرجعية الدينية في المسائل القانونية، أي في النظام العام وفي التشريع. ولكن هذا الموقف يتعارض مع مواقف أخرى للأقباط أو للكنيسة، تريد تعديل المادة الثانية للدستور والخاصة بدين الدولة والشريعة الإسلامية. ) ثم يقول : ( ونحن هنا أمام موقف مزدوج، ففي العديد من المواقف يساهم الأقباط في تأكيد أهمية وحتمية الاحتكام للدين، وأهمية أن تحمي القوانين قداسة الدين في وجه أي ممارسة لحرية التعبير، وهو أمر يساهم في تعضيد المشروع السياسي للحركة الإسلامية، ولكن من جانب آخر، نجد محاولات لعلمنة جزء من النظام السياسي والقانوني، يرى الأقباط أنها تحميهم من التمييز ضدهم. وتلك الانتقائية التي أسس لها النظام السياسي، تجعل المجال العام محكوما بأحكام الدين أحيانا والمرجعية العلمانية أحيانا أخرى، وتلك وضعية تؤدي إلى تفكك النظام السياسي، وترهل النظام الدستوري والقانوني. وهذه الثنائية تخدم النظام السياسي المصري، لأنها تسمح له باختيار المرجعية المناسبة له، وتسمح له بالسيطرة على المجال الديني، حتى لا يصبح المجال الديني حكما عليه. ولهذا يهدف النظام في النهاية للسيطرة على المجال الديني الإسلامي والمسيحي، لتوظيفه في خدمة بقائه في الحكم. ويستفيد النظام من ثنائية موقف الأقباط، ليوظفهم من أجل بقائه في الحكم. )
وإدراكا لهذا الحرج وتفاديا لمحاذيره رفض البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في الأمسية الدينية التي نظمها نادي روتاري إسكندرية سبورتنج مساء أمس الأول 17/02/2007 تحت عنوان «فلسفة السلام بين الأديان» .. رفض تدخل الأقباط في مسألة التعديلات الدستورية باعتبارها من صلاحيات أولي الأمر الموكولة لهم بحكم الإنجيل ! . وحذر من مطالبة بعض الأقباط بإلغاء المادة الثانية من الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية حتى لا يتسبب ذلك في تهييج المسلمين. )أخبار : 19/02/2007
إن المرجعية الدينية الإسلامية لم تكن يوما ضد النصارى ، وكما يقول السيد المستشار طارق البشري (أما بالنسبة للأقباط، فالحاصل أنه لم تكن لديهم مشكلة من قبل.. وكانوا كثيرًاما يتحدثون عن أنه لا مشاكل لديهم في قضية الشريعة، بل كان بعضهم يرى فيها ميزةوضمانة.. ولم أجد في مطالعاتي للجدل الذي صاحب صياغة أول دستور لمصر أي اعتراض ذيشأن في هذه المسألة.. كان أقصى ما وجدته بعض النقاشات حول فكرة التمثيل النسبيللأقباط وهل تجوز أم أن ضررها أكبر من نفعها.. وأذكر أنه كان من أساتذتي في كليةالحقوق الدكتور شفيق شحاتة وهو فقيه متميز عميق الفكر كانت كتاباته في القانونالمدني شديدة التأثر بالفقه الإسلامي وكانت رسالته للدكتوراه عن نظرية الالتزام فيالفقه الحنفي وأشرف عليه الفقيه العظيم الشيخ أحمد إبراهيم..
لكن الذي جدّ هو ما جرى على الأقباط أنفسهم؛ سنرى في الفترة الأخيرة التأثيرالمتصاعد للمهجر وأقباط المهجر في الوعي القبطي وفي موقف الكنيسة نفسها... لقد صارأقباط المهجر أصحاب السبق في إثارة مثل هذه الاعتراضات وتزكيتها لدى القبط في مصروتعبئتهم وراءها. كما امتد تأثيرهم في الوعي القبطي إلى داخل الكنيسة نفسها التيصار جزء منها مرتبطًا بالمهجر ومتأثرًا به في مقولاته وأفكاره، وانعكس ذلك عليهاكتكوين مؤسسي وعلى سياساتها القائمة الآن؛ فصارت تجنح للغلو معتمدة على ضعف الدولةوتسعى للحصول منها على تنازلات تأخذ بها ما يطاق وما لا يطاق. )
وفي أصل اللحمة الرابطة بين الفريقين على أرض الوطن نلاحظ : أن الإسلام والعروبة كليهما ليسا وافدا غريبا على هذه الأرض التاريخية مصر
أما الإسلام فلأنه في المنظور الإسلامي دين جميع الأنبياء اسما ومسمى
وأما العروبة فاصلها في السامية ، والسامية أصل عرقي للعرب والمصريين على السواء
أما العنصرالحامي الأصلي للمصريين منذ عهد ما " قبل التاريخ فقد طرأ عليه " تغيير عميق أحدثه نزول القبائل السامية في وادي النيل ، ومازال النقاش دائرا لمعرفة ما إذا كان هذا الغزو قد جاء من الشمال أي عن طريق شبه جزيرة سينا أو من الجنوب أي عن طريق البحر الأحمر والصحراء الشرقية ، وسرعان ما اندمج هؤلاء الساميون في السكان الأصليين ، ) المصدر كتاب " مصر " لأتيين دريوتون وجاك فاندييه " ترجمة عباس بيومي ، ومراجعة محمد شفيق غربال بك وعبد الحميد الدواخلي ، نشر مكتبة النهضة المصرية – القاهرة ص 4
اما عن أصل اللغة المصرية فإنه (من المستغرب محاولة البعض أن يجعل من اللغة المصرية لغة أفريقية محضة أو لغة أسيوية خالصة ، إذ كان من العسير على المصري وهو محصور بين شعوب سامية أو أفريقية ثم هو ذاته نتاج تهجين سامي أفريقي أن يتكلم لغة تنتمي إلى مجموعة دون سواها من المجموعات اللغوية التي أمكن معرفتها حتى الآن ، حيث حاول العلماء منذ منتصف القرن الماضي ( التاسع عشر ) أن يقربوا بين اللغة المصرية وبين أسرة اللغات السامية ، (أو بينها وبين أسرة اللغات الحامية ( لبسيوس ) ويطلق اسم اللغات الحامية على لغات الشعوب الأفريقية التي يظن أنها تنحدر من حام بن نوح )
وبعد ان يستعرض المؤلف- أتيين دريوتون وجاك فاندييه - الآراء حول هذا الموضوع منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى متنصف القرن العشرين يقول : ( وبالإيجاز فقد وجد أن بين اللغات السامية والمصرية واللغات البربرية والكوشية قرابة مؤكدة تبرر استعمال اصطلاح " اللغات الحامية السامية " ..) ) المصدر كتاب " مصر " لأتيين دريوتون وجاك فاندييه " ترجمة عباس بيومي ، ومراجعة محمد شفيق غربال بك وعبد الحميد الدواخلي ، نشر مكتبة النهضة المصرية ص 5

وإنه لمن نافلة القول أن نؤكد هنا أن المرجعية الدينية التي أصبحت اليوم في مرمى نيران العلمانية اللقيطة كانت وما زالت هي الدماء الجارية في عروق الشعب المصري والدولة المصرية في عصورها جميعا على السواء ولم يكن الإسلام إلا تأكيدا تصحيحيا لمجرى هذه المرجعية وقد تخللتها عصور من التدهور ؛ نتيجة التعاون من ناحية والتنافس من ناحية أخرى ما بين الكهنة والفرعون على السلطة واستلاب كل منهما لجزء مما بين الدنيا والآخرة حيث كان الشعب هو الضحية بينهما
جرى ذلك منذ ما قبل التاريخ منذ هبوط آدم ( قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) البقرة 38
( إن الدين عند الله الإسلام ) مرورا بالعصور المتوالية
في العصر الثني : الأسرتان الأولى والثانية من 3197 ق – 2778 ق ، والدولة القديمة والدولة الوسطى ، و الدولة الحديثة إلى 1090ق
والعهد المتأخر : عهد الملوك الكهنة ( الأسرة الحادية والعشرون ) من سنة 1090 – 950
وفيما بعد تدهور الإمبراطورية المصرية ، ومنذ أن خضعت مصر لخمسة عشر قرنا من الحكم الأجنبي :
من الملوك الليبيون ( الأسرة الثانية والعشرون والثالثة والعشرون ) من 950-720 ق
والملوك الصاويون ( الأسرة الرابعة والعشرون ) من 730 – 715 ق
والملوك الأثيوبيون ( الأسرة الخامسة والعشرون ) 720 - 663 ق
الملوك الصاويون ( الأسرة السادسة والعشرون ) من سنة 663 – 525 ق
والحكم الفارسي
والأسرة الوطنية الأخيرة من الأسرة السابعة والعشرين إلى الأسرة الواحدة والثلاثين ) من 525 – 332 ق ) ص 11
والحكم اليوناني و البطالمة 332 – 33ق
والحكم الروماني 33 ق – إلى الفتح الإسلامي عام 640م

المصدر كتاب " مصر " لأتيين دريوتون وجاك فاندييه " ترجمة عباس بيومي ، ومراجعة محمد شفيق غربال بك وعبد الحميد الدواخلي ، نشر مكتبة النهضة المصرية – القاهرة :
وجاء الإسلام لا ليصفي عروق الدولة الدينية من دمائها ولكن ليطهرها من درن العبودية لغير الله
صعدت الحضارة المصرية القديمة ثم هبطت باستمساكها بالمرجعية الدينية ثم بتفريطها فيها
وباختصار شديد : فقد تشكلت عناصر الصعود :
من الإيمان بالله والإيمان بالآخرة
ومن هذين قام النظام الاجتماعي على الدين
ومن ثم قام النظام الإداري على الأخلاق .
وتشكلت عناصر الأخلاق : من ماعت ( الصدق والحق والعدل )
أخلاق : عملية أخروية
ومن هنا سرت القوة في عروق الدولة
كان المصري يؤمن بأن فضيلة الرجل المستقيم أحب عند الله من ثور الرجل الظالم ( أي من قربان الرجل الظالم ) ، كان هذا النص جزءا من النصيحة الموجهة للأمير " مريكارع " من والده الفرعون - أهناسي الأصل - في القرن الثالث والعشرين ق م )
و : ( إن فضيلة الرجل هي أثره ولكن الرجل السيء منسي ) هذا النص جزء من شاهد قبر مصري عاش حوالي القرن الثاني والعشرين ق م )
( يعترف بفضل الرجل الذي يتخذ العدالة نبراسا له ) (من أقوال الوزير الأكبر "بتاح حتب " المنفي الأصل في القرن السابع والعشرين ق م )
(إن العدالة خالدة الذكرى ، فهي تنزل مع من يقيمها إلى القبر .. ولكن اسمه لا يمحى من الأرض ، بل يذكر على مر السنين بسبب العدل ) : من شاهد قبر مصري عاش حوالي القرن الثاني والعشرين ق م ) [1]
أخلاق عملية مرتبطة بالآخرة ، بالدين ، بالمرجعية الدينية
وتشكلت عناصر الهبوط :
عندما تآمر الحكام والكهنة على استعباد الشعب فاقتسموا فيما بينهما أصول الدين :
احتكر الفراعنة الألوهية وصار الفرعون إلها ، واحتكر الكهنة الآخرة وصار الكاهن سمسار الطريق إلى الآخرة حصرا
وترتب على ذلك تصفية عناصر القوة وانحلال الأخلاق
ومن ثم انحلت الدولة كما انحل المجتمع

فما ذا يكون دور العلمانية بتجريم المرجعية الدينية غير دورة جديدة من تدمير هذه الدولة شكلا ومضمونا ، ثم لتزييف ديانة جديدة من نسج الكهنة كهان الأيديولوجيات العصرية !! فيها من هرطقات الدين الزائف ما فيه من الأحكام القبلية و التعصب ، والمنازعات " اللاهوتية " العنيفة ، وعبادة الزعيم ، والاضطهاد ، وحماسة الجماهير والعنصرية والحروب الطاحنة أنظر : " الإنسان في العالم الجديد " تأليف جوليان هكسلي ، ترجمة حسن خطاب ، ومراجعة الدكتور عبد الحليم منتصر ، بإشراف إدارة الثقافة العامة بوزارة التربية والتعليم بمصر نشر مكتبة النهضة المصرية من سلسلة الألف كتاب عام ص 229 وص 9

إن العلمانية هي المشكلة ..
وقد حذرنا القرآن الكريم من أمثال هؤلاء بما لا يدع لنا عذرا ، ، لعلنا نتعظ فيهم بقوله تعالى : ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 138 الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا 139 وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا 140 الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً 141 إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً 142 مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً 143 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا 144 إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا 145 إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا 146 مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا 147 صدق الله العظيم
ليت القارئ يقرأ هذه الآيات مرة ومرة ومرة دون مفسر أو حاشية ، وفيها لعله يجد :
1- أنه لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من المنافقين بذكر أوصافهم في إفاضة لا تترك عذرا لمعتذر
2- وحذرنا في حسم منهم ، ثم من نفسه إن أهملنا هذا التحذير بقوله ( أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا )
3- وحذرنا ) في وضوح من أن نتباكى بعد أن تقع الواقعة بقوله تعالى ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم )

إن العلمانية هي المشكلة ..
لهذا فإن المسلم يكرهها كما يكره الصهونية
فكل منهما سرقت أرضه التاريخية واعتدت على عقيدته
طردتنا من رحمة الله بدءا بتدبير من إبليس الزعيم
وهاهي تطردنا انتهاء بتدبير من الأبالسة التلامذة
العلمانية أم المشاكل
على مستوى الإنسان في الجنة حيث رفض الإبليس التسليم لحكم الله
وعلى مستوى الإنسان في الكون حيث سار المفسدون في الأرض على نهح إبليس وزادوا بأن ابتدعوا عقائد وأصناما
على مستوى المسلم في الدولة حيث ظهر العلمانيون ليروجوا له التمرد على حكم الله خارجين على صراطه المستقيم

إن الطريق المستقيم إنما يكون في خط متصل بين البداية والنهاية
بين البداية في المرجعية الدينية ، والفوز في النهاية بالفلاح في الدنيا والآخرة بعون الله
وكما يقول ابن عطاء الله السكندري ( من علامات النجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات )
قال في التنوير " وما أدخلك الله فيه تولى إعانتك عليه وما دخلت فيه بنفسك وكلك إليه :
" وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) الإسراء 80
قال ابن عطاء ( من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ) ص 137

إنها العلمانية النفاقية التي تسعى في التعديلات الدستورية الراهنة إلى تجريم المرجعية الدينية تقليدا طفوليا لخطى الغرب في عصر النهضة ضد الكنيسة ، وجهلا متعمدا منهم لما كانت تعنيه العلمانية من إرادة التخلص من سلطة رجال الدين حصرا.
------------------------------------------------------------------------
[1] فجر الضمير : في المقدمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.