العيون تتكلم قبل الألسنة .. الفرحة ترسم ملامحها على الوجوه والدموع تسبق الكلمات للتعبير عن الحنين للعودة للوطن مع امتنان عميق لمصر التى احتضنتهم فى قلبها وسط الأزمات .. صفير «قطار 1940» لم يقوَ على منافسة زغاريد الفرحة فوق رصيف محطة مصر، ابتهاجا بعودة الأشقاء السودانيين الى وطنهم ضمن مبادرة العودة الطوعية. «قطار الأمل» الذى خصصته السكة الحديد لم يحمل داخله ركاب وحقائب فقط، بل حمل مئات الحكايات والقصص والمشاعر ورحلة العودة الى الديار، قلوب الأشقاء بيضاء صافية تحمل فى طياتها جميل مصر وتفيض عرفانًا وامتنانًا لأم الدنيا، وبين أمل الاستقرار فى الوطن، وألم صافرة الوداع التى دوت من القطار إيذانًا بانطلاق رحلة الإياب يعج دفتر العودة بحكايات تشى بفرح ممتزج بحزن دفين بين فرحة احتضان الوطن والتوجه إلى السودان، وبين غصة فراق «وطن الاحتضان» الذى استضافهم فى ذروة الأزمة. «شكرًا مصر»..لم يكن مجرد شعارٍ على الملابس وإنما عبارة خرجت من قلوب الأشقاء السودانيين الذين وجدوا فى «أم الدنيا» الحضن، وفى شعبها الإخوة والسند، وفى أرضها الأمان وقت الأزمات. القطار لم يكن فقط وسيلة نقل، بل جسرًا من المحبة، يربط بين قلوب شعب واحد فى بلدين مصر والسودان، جريدة «الأخبار» كانت على متن القطار، لا لتسجل الأرقام والبيانات، وإنما كشاهد على واحدة من أنبل اللحظات الإنسانية، توثق اللحظة وتُصغى لنبض القلوب، تكتب حكايات المسافرين بحبرٍ الإنسانية والأخوة، وتنقل مشاعر العودة للوطن الممزوجة بالشكر والعرفان. «شكرًا مصر».. شهادات الأشقاء السودانيين توثّق جميل «أم الدنيا» الوداع من نافذة القطار طه شمبات: وجدنا معاملة راقية والوطن لا يزاحمه فى القلب أحد فى صمت جلس الرجل السبعينى، يُمعن النظر من النافذة الزجاجية لعربة القطار وكأن عينيه تُلملمان آخر مشاهد من «أم الدنيا» وذهنه شارد فى رحلة العودة وقلبة سبقه إلى أرض السودان، لم يكن يتحدث، ولكن نظراته تحكى الكثير.. ودموع عينيه تختزن شيئًا من الحنين وشكر لا توفيه الكلمات. اقتربنا منه بهدوء وجلسنا بجواره دون أن يشعر وسألناه «إيه شعورك وأنت راجع السودان؟» لم يقل سوى كلمة واحدة، «فرحان» خرجت بصوتٍ مرتعشٍ مختنقٍ من السعادة يشوبه الحزن، قالها كمن يستعيد شوقًا دفينًا للأرض، للذكريات، للبيت الأول، وكأن العودة لم تكن مجرد رحلة، بل عودة للحياة. 14 شهرًا قضاها طه شمبات فى مصر، بعد أن خرج من السودان فى أعقاب الأزمة التى مر بها، بدأ رحلته فى مصر من مدينة الإسكندرية برفقة زوجته وبناته الثلاث وولده الصغير، ظل بضعة شهور ثم انتقل إلى القاهرة ليستقر فى حى فيصل. يروى طه تجربته وهو لا يخفى امتنانه لمصر وقال: «لم نواجه أى مشاكل خلال إقامتنا فى مصر، بل وجدنا معاملة راقية جدًا، شعرنا معها بأننا بين إخوة حقيقيين، الشعب المصرى احتضننا، واحتوانا بكل محبة، ولم نشعر يومًا بالغربة». إلا أنه استكمل حديثه بنبرة يغمرها الحنين للوطن وقال «مهما رأيت فى مصر من راحة وسلام، يظل الوطن له مكان لا يُزاحمه فى قلبى شيء، كنا نتابع أخبار السودان يوميًا، حتى وصلتنا فيديوهات من أهلنا فى منطقتنا تُطمئننا أن الوضع عاد إلى الاستقرار، وأن منازلنا بخير، فزادت فرحتنا بالعودة». اختتم طه، كلامه قائلًا «نحمد الله أن نعود سالمين، ونشكر الشعب المصرى على حسن الاستضافة، ونأمل أن نعود فى زيارات كثيرة ولكن لا تكون عودة المضطر». أبو سمبل تودع الأشقاء أسوان - محمد على سليمان: شهدت مدينة أبو سمبل جنوب محافظة أسوان المرحلة الأخيرة من رحلة العودة الطوعية لنحو ألف مواطن سودانى، حيث وصل القطار إلى محطة السد العالى شرق أسوان، واستقبل العائدين بعد وصولهم من القاهرة ضمن الدفعة الثانية من برنامج العودة الطوعية.. انطلقت 18اتوبيساً من محطة القطارات من مدينة أبو سمبل فى رحلة لأكثر من 300 كيلومتر نحو ميناء قسطل الحدودى، ثم إلى معبر أشكيت داخل الأراضى السودانية.. وتابع اللواء د.إسماعيل كمال محافظ أسوان من داخل الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة تقديم التسهيلات للأشقاء السودانيين. «تحيا مصر» أحمد محمد: سنحكى لأولادنا عن كرم «أم الدنيا» وقف الشاب أحمد محمد عمر رفقة أصدقائه يلوحون بعلامات النصر وإشارات الفرح وهم على رصيف القطار مستعدين للعودة ،قائلا «جئنا إلى مصر منذ سنتين والظروف فى السودان الان أفضل وعائدون لبناء دولتنا من جديد ، ونشكر مصر على حسن التعامل والاستقبال». و أضاف «جئنا إلى مصر من أجل الأمان ومصر لم تقصر معنا والمصريون عاملونا معاملة الاخوة وإن شاء الله نوفى جزاءكم عندما تزورونا فى السودان». وأشار إلى أنه سيعود إلى الخرطوم شرق النيل فالأمور تحسنت كثيرا ولابد من العودة لبلادنا من أجل اعمارها . وقال إنه سيحكى لأهله عن ما رآه فى مصر فما رأينا إلا الخير والوفاء والكرم والجود ..واختتم حديثه بالهتاف « تحيا مصر شكرا مصر». صلاح على: نشكر الرئيس.. والمصريون ساندونا وجهه مشرق ببشاشة صافية، وعينان تبوحان بالعشق لمصر قبل أن يتحدث اللسان، استقبلنا الحاج صلاح على عمر داخل عربة «قطار1940»، بابتسامة تخللت لحيته الممزوج ألوانها بين سمار النيل وصفار الذهب، وقلبٍ بين ضلوعه بدا كمن يحمل حنينين، حنين لوطن ينتظره، وعشق عميق لبلدٍ احتضنه. صلاح على عمر، ابن ولاية الخرطوم، شرق النيل، من منطقة تُعرف بين أهلها ب «صوب الفن»، والتى ظل يتغزل بجمالها ومناظرها الخلابة التى تطل على النيل الخالد، والتى اضطر إلى فراقها عقب الحرب فى السودان، وقال «منذ أن جئت إلى مصر فى مايو 2023 وأنا لا أشعر أننى غريب، بل كنت بين أهلى وناسى، أقمت فى منطقة فيصل، بالمنشية، ووجدت إخوة مصريين وقفوا بجانبى بكل حب وكرم، ساندونا ماديًا ومعنويًا، لم نشعر يومًا أننا لاجئون، بل شعرنا أننا جزء من هذا البلد، يعجز اللسان عن إيجاد كلمات تصف هذا الفضل، جزى الله مصر وأهلها خير الجزاء».. وأضاف «ما قامت به الدولة المصرية من تسهيلات وتنظيم لهذه العودة الطوعية، يستحق الاحترام والتقدير، من خلال قطار مخصص، وتسهيلات متكاملة من تذاكر وطعام وراحة، كلها مقدمات إنسانية تعكس قيمة هذا البلد، ونشكر الرئيس عبد الفتاح السيسى على هذا العمل النبيل».