هل صحيح ان الشعب المصري من أكثر الشعوب التي قامت بثورات.. ولكن لم ينجح في اتمام أهدافها والوصول بها الي المحطة النهائية كما يجب.. وهل صحيح أيضاً ما يردده البعض من المحللين أن الشعب بطبيعته لم يستفد من أخطاء الماضي لانجاح ثورته؟! ردود الفعل حول هذه المقولات تباينت بين مؤيد ومعارض.. فالبعض من المعارضين يرون الصورة سوداء قاتمة محبطة لجموع الشعب.. في حين يري المؤيدون لها انها ثورة حقيقية لكن أهدافها لم تتحقق كما لم تنجح أي ثورة سابقة للشعب كما يسجل التاريخ. "عقيدتي" ناقشت القضية مع عدد من الخبراء والمتخصصين لتجيب علي السؤال المهم.. كيف يستفيد الشعب من أخطائه السابقة لتصحيح مسار ثورته الحالية. يوضح الدكتور عبد التواب مصطفي أستاذ السياسة بالجامعة الحديثة أن الشعب في مأزق كبير يصعب الخروج منه لأن قطاعاً كبيراً يعاني من ضعف الذاكرة ونسي ما حدث له في الماضي ولم يحسن الاستفادة من الخبرات السابقة فقد مررنا بسنوات عجاف حرمنا فيها من كل أشكال الحرية والتعبير عن الرأي وقمنا بالثورة علي هذا النظام القمعي وراح خير شباب مصر ضحية لهذه الثورة العظيمة.. لكن للأسف الشديد نسينا هذه التجربة المريرة ورحنا نسلم الثورة لأحد أقطاب النظام السابق وأحد رموزه فالمسار الطبيعي للثورة أن تظل مستمرة وقائمة حتي تتخلص من كل رموز النظام السابق. أزمة الحرية قال الشيخ عادل أبو العباس من علماء الأزهر الشريف: غالباً ما تأتي الثورات بعد الاحساس بالظلم الشديد الذي يقع علي النفس البشرية بسبب الديكتاتوريات التي تمارسها السلطات الحاكمة وبسبب أزمة الحرية السياسية التي تعاني منها الشعوب عندما تكبل هذه الحريات ويمارس عليها من الضغوط ما يجعلها مكتومة الأنفاس ومكتوفة الأيدي فإذا حاولت ان تخرج نفسها لم يكن أمامها إلا السجن أو ان تحارب في أرزاقها.. وكما يقولون لكل شئ طاقة فإذا وصلت الي مداها تفجرت هذه الطاقات في هيئة ثورات علي هذا الظلم. وأضاف: أري أن نجاح الثورات أو فشلها يرجع في المقام الأول الي ثقافة الشعوب ووعيها ولا شك أن الحرية تعيش أزمة في وطننا العربي بأسره وليس في مصر وحدها وبسبب هذه الأزمة إما أن تنجح الثورة وإما أن تفشل وذلك لعدة أسباب أولها: الأمية الثقافية فضلاً عن أمية القراءة والكتابة وهذا ما تعاني منه شعوبنا الإسلامية علي وجه العموم فأمة اقرأ أصبحت لا تعرف القراءة والكتابة وقد وصل عدد الأميين في العالم الإسلامي ما يفوق العقل والخيال حسب احصاءات منظمة اليونسكو والتي أوردت أن أكثر من 50% من عالمنا الإسلامي لا يعرف القراءة والكتابة وهذا سبب خطير يترتب عليه نجاح الثورة أو فشلها وهذا ما نراه جلياً في مصر فالإعلام أصبح يوجه الناس كيفما يشاء دون أي وعي منهم فقد نري أن الرجل الأمي يأخذ اليوم قراراً ثم سرعان ما يغيره بعد ساعة لأن قراره ليس ملكاً له وليس نابعاً من تفكيره واقتناعه. واستطرد: للأسف الشديد عامل التخويف والترهيب هو الباب الرئيسي لنجاح الثورة أو فشلها والإعلام الفاشل يضرب بشدة علي هذا الوتر فيخوف الناس من فلان ويذهب بهم الي جانب فلان ثم بعد فترة يخوفهم من هذا وذاك حتي لا يستطيعوا اتخاذ أي قرار وتستمر حالة الفوضي والتوتر والقلق وهذا ما نراه جلياً في أوضاعنا الحالية. ثانيا: قد يكون الشعب المصري مظلوماً لعدم نجاح ثوراته وتحقيقها كل أهدافها كما رأينا لأنه عاش فترة طويلة من الديكتاتورية التي جعلته يتربي علي الخوف علي لقمة العيش فأصبح شغله الشاغل وهمه الأول والأخير أن يأكل ويشرب وليس أن تنجح الثورة أو تأتي بفلان وتستبعد آخر حتي لو كان ما جاءت به الثورة ظالماً كسابقيه وسوف يسلبه حريته لكنه يوفر له لقمة العيش حتي ولو وضعه في السجون وهذا للأسف الشديد حال كثير من المصريين. ثالثاً: هناك ضغوط نفسية علي الشعب المصري والشعوب العربية تكمن في التخويف من فئة معينة تتكلم باسم الإسلام وهذا ما يجعل الأمور في غاية الصعوبة حيث انه بسبب أميته الدينية لا يتخوف من التيار الإسلامي فحسب بل قد يصل به الحال أن يتخوف من الاسلام نفسه لأن الشريعة التي ستطبق قدمت له خطأ علي أنها قطع للأيدي واقامة للحدود وليس سوي ذلك فأصبح يخاف بسبب هذه الأمية الدينية وهذا ما يجعل الثورة في خطر ويجعله يعيش حياة متناقضة فلا هو يعرف الإسلام الحقيقي ولا يعرف كذلك معني الليبرالية ولا معني العلمانية فاصبح يوجه مرة ثانية ويقاد حسب ارادة المرشح ومن يدعون له وهذا أيضاً ما يجعل الثورة في خطر ثم تأتي الطائفة الثالثة والأخيرة التي قالت في البداية وصرحت بأنها مع الديمقراطية من أجل انجاح الثورة وسترضي بالنتيجة أياً ما كانت لكنها عندما وقعت ولم يحالفها الحظ راحت تغير رأيها وتدعو الناس للمقاطعة مما جعل الناس في حيرة أكثر ومما قد يجعل الأمر ينتهي في النهاية لدي من يدعون الي الديكتاتورية من جديد وهذا شئ مخز ومؤسف. جهل تاريخي واعترض الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس علي هذه المقولة قائلاً: هذا قول غير صحيح علي الاطلاق وجهل بالتاريخ وهدفه احباط الناس وتسويد الصورة ولا أدري لمصلحة من فالتاريخ الحديث يؤكد ان الثورات المصرية نجحت ابتداء من ثورة 1805 التي أطاحت بالمماليك وولت محمد علي علي عرش مصر كما أن ثورة 1919م نجحت أيضاً وظهر بمقتضاها دستور 23 وفرضت علي انجلترا احترام مصر وشعبها المناضل والاعتراف بها دولة ذات سيادة. بالاضافة الي نجاح ثورة يوليو 1952م والتي استطاعت ان تحول نظام الحكم في مصر من ملكي الي جمهوري وتحقيق الاصلاح الاقتصادي وبناء السد العالي وتأميم قناة السويس وهذا الانجاز رائع لا يمكن ان ينكره أحد.. أما بالنسبة لثورة 25 يناير فقد نجحت في اسقاط رأس النظام ومازالت مستمرة ولن تنتهي بعد حتي تحكم عليها بالفشل كما يردد أنصاف المتعلمين في وسائل الإعلام المختلفة. الجمود الديني وأضاف: لقد قامت الثورات المصرية جميعاً في ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية وكذلك عالمية صعبة ولكي تحقق ثورتنا أهدافها التي قامت من أجلها عليها ان تتخلص من حجر الفلول وحجر الجمود الديني المتثمل في جماعة الإخوان المسلمين فنحن نريد تدينا متنوعا.. كما أنني أري انه لا خوف علي ثورتنا لأن الناس أصبح لديها وعي بكل ما يدور حولها وعرفت الطريق لميدان التحرير وكل ميادين مصر فأياً كانت نتيجة جولة الإعادة لن يأتي ديكتاتور جديد لأنه أصبح للرأي العام قوة لا يستهان بها وهو قادر علي تحقيق ما يريد في أقل وقت وكما نجح الشعب المصري في خلع مبارك سيخلع من يخدعه ويضلله ويسرقه مثلما فعل بمبارك ولن ينتظر طويلاً. أما القول بفشل الثورات المصرية فهذا تطرف فكري وتوجه معين سودوي لا أقبله ولا أريد تكراره لأن الناس محبطة وتحتاج لأي شئ يسعدها وينير لها الطريق لا أن يحبطها ويكئبها. أخطاء تاريخية وأبدت الدكتورة أمينة كاظم أستاذ علم النفس بجامعة قناة السويس تحفظها علي هذا الرأي مؤكدة علي نجاح الكثير من الثورات المصرية واخفاق بعضها فعلي سبيل المثال نجحت ثورة القاعدة الأولي والثانية واللتين انطلقتا من الأزهر الشريف في وجه الحملة الفرنسية ونجحنا في طردها من مصر بعد ثلاث سنوات وانسحاب نابليون بونابرت من مصر وانبهاره وجنوده بقوة الشعب المصري وصموده في حين أنه مكث سنوات طويلة محتلاً بلادا عربية أخري دون أي مقاومة منها رغم ارتكاب أبشع الجرائم في حق شعوبها في حين فشلت ثورة عرابي بسبب خيانة بعض العرب له.. لكن ثورة 1919م بقيادة سعد زغلول نجحت نجاحاً منقطع النظير وزلزلت الانجليز وأحدثت طفرة في البلاد وانبثق عنها انتفاضة كبيرة وظهر بسببها دستور 23. الإعلام وإجهاض الثورة وتناول خيط الحديث الدكتور جمال النجار أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر قائلاً: من اسوأ الفترات التي لعب فيها الإعلام المصري دوراً غير محمود هو قبل ثورة 25 يناير وبعدها فقد كان قبل الثورة موجهاً لصالح النظام وموالياً له ولما قامت الثورة بدأ الاعلاميون يتحسسون مواقفهم ووقف بعضهم مع الثورة والبعض الآخر مع النظام ولما بدأت بوادر نجاح الثورة تظهر تحول الفريق الذي وقف مع النظام وأطلق عليهم المتحولون وضرب هؤلاء مثلاً سيئاً للاعلاميين المصريين ويسجل التاريخ عليهم هذه المواقف وسيحاكمهم لأنهم خانوا شرف المهنة والأدهي من ذلك انه بعد الثورة ظهرت تيارات مختلفة لكل منها مصلحة تحاول تحقيقها وتحول الإعلام لميليشيات ونشأت قنوات جديدة وراحوا يتراشقون بالسباب والشتائم مما أجهض الثورة وضيع أهدافها السامية والنبيلة فما أراه اليوم علي أرض الواقع ليس تحقيقاً لأهداف الثورة إنما تصفية حسابات وكأن مصر أصبحت كما صورها الكاريكاتير الكبير مصطفي حسين ببقرة حلوب وكل واحد يحاول أخذ جزء منها والبقرة تئن وتتألم وضرعها يجف.