الصورة الثانية للقروض هي السائدة في التعامل الآن. وصارت عماد التعاملات في المجتمع الحديث بعد أن طغت المادة علي نفوس البشر وسرت نشوة التعامل فيها بين النافع وغيره.. وبين الخبير بأمورها.. ومن جرفة تيارها بعد انعدام ضوابط التعامل وسيادة أجواء الغابة مرة أخري بعد اختلاط الأنظمة والمنظمين الوضعيين. تلك هي القروض الإنتاجية أو الاسثمارية.. العصر التي سبق أن رددنا علي القاصرين ممن حاولا قصر حكم الربا علي النوع الأول من القروض "الاستهلاكية" وقالوا إن العرب الذين صادر حكم التحريم في شأن ربا جاهليتهم لم يعرفوا القرض الإنتاجي. وقد حلا للبعض تسمية هذا النوع من القروض بقروض التجار. وهم الصناع. وهي تسمية محببة لأنها تفيد مضمونه. ألا وهو القرض من أجل العمل والكد للحصول علي الربح المشروع من أجل إحياء حاجات المجتمع من التجارة والصناعة وما تفرع عنها. لكن الربا وفوائده بلغ درجة العداء لهذا النوع من القروض لأن عرضه النفع. والربا غرضه الهدم والفاقة. فمن صفات المرابي أياً كان اسمه مصرفاً أو شخصاً. الطمع الدائم في الفائدة المرتفعة فيدفع ماله وفقاً لحاجته الشخصية لا إلي حاجة البلاد من تجارة وصناعة فيصاب نظام التجارة بمرض الدوران التجاري المصاب بنوبات الكساد والبوار. كما أن من سمات الربا ألا يرضي باتجاه رأس المال إلي غرض نافع تشتد حاجة المصلحة العامة إليه. بل يتدفق إلي المكان ذي الربح المرتفع مشروعاً أم غير مشروع. فلا تناسبه مجالات النفع لأنها ستخرج المال عن يديه فترة كبيرة من الزمن. كما أن الربا يبتعد عن المساواة. فكيف يغلب جانب العمل عليه. وتتضح صورته في هذا النوع من القروض. بل لابد من سيطرته وحرمان من يعمل مقابل تدخله وانتظاره الحصول علي الفائدة واعتماده المخاطرة. كما يدعون. بل النسبة المحددة والمضمونة سلفاً. فالتاجر مضطر للقرض أو سحب الحوالات باستيفاء الربا. وهم في خشية حيث هذا مصدرهم. والغريب في الأمر أن الظلم بين والغبن فاحش. فما هذه القروض الممنوحة بتلك الفائدة الكبيرة سوي أموال هؤلاء التجار والصناع والمنتجين عموماً الذين أودعوها تلك البنوك. أو أسسوا بها هذه الدور وينالون عنها قسطاً يسيراً من الفائدة التي يقوم البنك بإقراضها هي ومعظم مصادر ائتمانه المتعددة بأسعار باهظة لهؤلاء. فأمواله هي الفارق بين الفائدة اليسيرة والباهظة التي يدفعها ويستردها بهذه الصورة دون كد أو مغامرة أو مجرد احتمال لخسارة بل كسب محدد مسبقاً ومضمون علي الدوام. وقد كان من الممكن أن تكفي هذه الودائع لممارسة التجارة دون الحاجة لتلك العملية الربوية المركبة حيث القاعدة أن من لا يتناول الربا لا يؤديه. ولكن في هذه الأحوال فإن الأرباح الضخمة تنهال علي البنوك وهي في مأمن كامل عن المخاطرة مطمئنة إلي استرداد قروضها وفوائدها بعيداً عن أي خسارة. ولكن إذا سألنا المناصر للربا أتي لهذه المصارف أن تستمر إذا لم تأخذ الفائدة علي ما تقوم به من إقراض وكيف تستوفي تكاليفها؟ إن الأمر ليسير في الرد علي ذلك وهو وضع المنهج الصحيح للتعامل من خلال هذه البنوك وإدارتها. فإذا كانت البنوك تؤدي نفعاً في الدور الذي تقوم به بإحلال الائتمان المصرفي محل الأموال معتمدة علي الودائع لديها وما يجد منها. إلا أنها في الوقت ذاته تلحق بالمجتمع خطراً محدقاً. فهي تصيب ثراء غير مشروع من الفائدة المقررة علي المقترضين وتجنب المساهمة في المخاطرة في مشروعاتهم. كما أنها تميل في أوقات الاستقرار إلي التوسع في القروض بما يتجاوز رصيدها والعكس في أوقات الضيق بما يهز الكيان القتصادي وتوالي الأزمات.