القروض الاستهلاكية: ويقوم بها جهتان تمتلكان السيطرة علي نفسية الفقراء جهة المرابين المنتشرين في أنحاء البلاد التي بها الكثير من المعوزين وبخاصة في المجتمعات النامية ذات المستوي الاقتصادي العادي. فالمرابي هو الذي يقدم القرض ولا يكتفي بالضمانات والوثائق التي تكبله بالقيود وإنما يرهقه بالفائدة الباهظة والشاقة التي تجعله دائما يسير في فلكه وكم تبلغ فداحة هذا النوع من القروض يتوارثه الأبناء عن الآباء. وقد لا يتخلصون منه حتي بعد أداء فوائد الربا هذه. فقد سلب المرابي قوة المدين الشرائية. وجعله يستمر في شريحته الدنيا دائما فهو لا يستطيع التفكير في تحسين دخله أو تحقيق تجارة تدر عليه دخلا ثابتا فإن المرابي يسلب منه أمواله ويزيد أعباء المجتمع قروضا فوق قروض وإن استطاع فسينقل تبعة خسارته علي الآخرين. والجهة الأخري التي تقدم القروض هذه البنوك في صورة السلف المالية التي تقدمها لأغراض اسهلاكية وتفرض عليها الفائدة. ومن صوره فتح اعتماد بمبلغ معين يضعه البنك تحت تصرف العميل ليسحب منه تباعا حتي يستنفده مقابل فائدة ربوية تحتسب علي أساس هذه الدفعات التي سحبها العميل وتواريخها كما يظهر ذلك في صورة السند الأدني الذي يعهد فيه المدين لدائنه بمبلغ معين بعد أجل يتمكن الدائن بمقتضي ذلك اللجوء إلي البنك ليصرف قيمة السند بعد خصم الفائدة عن مدة الأجل ثم يقوم البنك بتحصيل القيمة من المدين عند حلول أجل الاستحقاق وعلي هذا فالقرض إذا قصد به الاستهلاك يأخذ صورة القرض الناجز أو صورة فتح الاعتماد. إن البديل لذلك موجود وقائم منذ وجود الإنسان ويحتاج إلي تأكيد دعائمه الفترة تلو الأخري بتقوية دعائم القربي بين الناس وتدعيم أسس التكافل الاجتماعي في كل بيئة وضرب المثل بالقدوة التي يمثلها أولو الأمر في كل مجتمع. وقد تمثل ذلك في التشريعات الإسلامية التي تسد حاجة الإنسان مما يسد عليه أبواب الاقتراض وذلك بتوجيه حصيلة الزكاة التي هي ركن وواجب دائم المصدر إلي مستحقيها في مصارفها المعروفة إلي جانب تحقيق مصادر التعاون الممثلة في قوله تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان". ويحصل ذلك بقيام الحكومات بسد المنافذ علي المرابين ومنع البنوك من ممارسة نشاطها في هذا المجال وذلك لأن الحكومة ستغني بمنشآتها التي ستقوم بإنشائها وستمول غير المستحقين للزكاة ممن تضطرهم حاجات المعيشة إلي الحصول علي قروض تساعدهم في ذلك فما أحوجنا إلي إعادة بيوت أموال المسلمين التي تعد منفذا وملاذا شريفا يحفظ للمسلم كرامته دون استغلال أو ربا يستعينون به لتفريج كربتهم العارضة دون فائدة علي أن يبادروا بردها إلي رصيد الزكاة وسيسرعون متحمسين لردها عند ميسرتهم ليقينهم أنها سترتد إلي ما هو مخصص لمثل حالتهم مع ضمانات للوفاء بتلك الأموال. كما أن مصدر أموال تلك البيوت دائا سيجد المورد والمعين ممن يرغبون في تدعيم التكافل والتقرب إلي الله بتغذية تلك المنافذ بعيدا عن الربا والمجاهرة التي نراها في غير أبوابها مما يساعد علي توسيع وظيفة تلك البيوت لمستحقي الزكاة وغير مستحقيها ويعتبر من المصادر الرئيسية لتلك البيوت وهي موجودة بالفعل ولكن تؤدي دورها متناثرا أموال الأوقاف الخيرية والاستبدال. فكثير من الأوقاف الخيرية بها أقسام للقرض الحسن لتمكين المدينين من الوفاء بديونهم. وهذا كثيرا ما يكون من ريع الأوقاف غير مؤثر في أصولها. بضمانات محددة. وقابل للزيادة من سلطة مجالس الأوقاف التي تملك سلطة التعديل والتغيير. وضرورة حمل تلك المنافذ لمسمياتها الإسلامية الصحيحة التي تمنع الحرجة من اللجوء إليها صحيح أن بعض البنوك تقوم بهذه الوظيفة كبنك ناصر الاجتماعي المصري وفروعه متعددة الوظائف كما في قروض الطلاب والمتزوجين وغير ذلك وجمعه للزكاة من الراغبين وبعض صور خدمات وزارة الشئون الاجتماعية. إلا أنه ينظر لهذه الخدمات نظرة معينة من جمهور المتعاملين علي أساس أنها تتعامل مع فئة خاصة من المحتاجين مما يجعل من يلجأ إليها متحرجا من إعلان ذلك من ناحية كذا شبهة قيام هذه الجهات بأعمال ربوية تتقاضي عليها الفائدة في نواح أخري مما يثير الارتياب لدي الناس في الابتعاد عنها. كما أنه قد برز دور في هذا الجانب للبنوك الإسلامية التي سنتحدث عن ظهورها حالاً عند التعرض للقروض الإنتاجية وكيف أن لهذه البنوك اهتماما بقروض المحتاجين وتؤدي مجالا أعظم من صورة القرض الحسن فهي تخرج من أموالها حقوقا ثابتة مفروضة للمساكين والمحتاجين بل تنص هذه البنوك في قوانينها علي أنها في بعض الحالات المبررة تقوم بالقرض الحسن بشروط خاصة. أما لو خضعت هذه المنشآت للدولة من ناحية الإشراف والمتابعة فإن ذلك يبرز مسئولية الدولة في حل مشاكل رعاياها وإن أمر التيسير علي المحتاجين من أبنائها إنما هو المهمة الأولي للدولة وأولي الأمر بها ففكرة إحياء بيت المال فكرة ملحة للقضاء علي شبح المرابي والبنوك الربوية. وقد نبتت فكرة التكافل بين الأفراد تدريجيا من الحريصين علي دينهم وبيئتهم بدءاً من الجمعيات الأسرية في محيط العائلة والأسرة القروية أو ذات البيئة الاجتماعية المتماسكة لتهب تلك الجمعيات لنجدة من تلم به نازلة كزيجة أو بناء وما شاكله علي أن يقوم المتحصل عليها برد أقساطها إلي نهايتها دونما فائدة وهي صورة مصغرة من صور القرض الحسن صورة التعامل بين الأفراد قبل اللجوء لأي جهة. كل هذا التنظيم المحكم سيعمل علي اندثار القرض الاستهلاكي حيث التعاون وسد الحاجة الفوري سيجعل إيراد الأفراد متناسقا مع مصارفها وسيساعد علي انقراض صورة المرابي الفرد أو أبواب الفائدة التي لن نجد من يلجأ إليها لاتساع منفد سد حاجته.