"المحافظ".. هل سيظل قرار تعيين شاغر هذا المنصب بالتعيين أم بالانتخاب؟!.. هذا هو السؤال الحائر علي لسان الكثير من أبناء محافظات مصر والمعنيين بشئون المحليات في ظل مشاكل كثيرة لا أول لها من آخر تعاني منها المحافظات الآن.. وزاد من حيرة التساؤل هو أن الدستور الذي تم إقراره كان من بين إحدي الملاحظات والمآخذ عليه أن ترك مسألة الحكم المحلي وطبيعة عملها وتخصصاتها.. فكيف ينظر المعارضون والمؤيدون لفكرتي "التعيين" والانتخاب" وماهي حجة كل فريق وكيف ينظر إلي مساوئ الرأي المخالف لفكرته. بداية الحيرة كانت مع المادة (187) من الدستور والتي نصت علي أنه ينظم (القانون طريقة اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخري، ويحدد اختصاصاتهم).. وهو ما يلقي بالكرة في ملعب المشرع الذي سيشرع هذا القانون وبالتالي فإننا أمام صراع سياسي آخر جديد سنراه خلال الأيام القادمة.. يبدو أن إقرار الدستور لن يترك الساحة السياسية خالية من الحوارات بين كل القوي.. إذ يلوح في الأفق الآن سؤال يشغل الجميع.. وهو كيف يتم اختيار المحافظين.. بالانتخاب أم بالتعيين؟ خاصة أن لكل منهما مساوئه ومميزاته. وهنا يقول"الدكتور ثروت عبدالعال.. أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بجامعة أسيوط": إن ذلك يمثل تفويضا من المشرع الدستوري للمشرع العادي وهو البرلمان في تحديد اختيار وشغل مناصب المحافظين سواء كان بالانتخاب أو بالتعيين.. ومن وجهة نظري أن الأنسب لمصر هو اختيار المحافظ بالتعيين لا بالانتخاب الذي لا يناسب مصر لأنها تأخذ بنظام الإدارة المحلية وليس الحكم المحلي كما في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث لكل ولاية حكم ذاتي برئيس وبرلمان وسلطة قضائية ..أما في مصر كدولة بسيطة فتأخذ تاريخيا بنظام الإدارة المحلية حيث لا يتم التفويض للمحافظ سوي في سلطة واحدة هي التنفيذية باعتباره جزءا من هذه السلطة وتابعا لها..وقد كان لنا تجربة أخذنا فيها بنظام الحكم المحلي في عهد الرئيس السابق أنور السادات بداية من عام1975 إلا أنها لم تستمر سوي بضع سنوات ولم يكتب لها النجاح.. وللعلم فإن المطالبة بتطبيق اللامركزية لتلافي مشكلات المركزية في اتخاذ القرار لا تعني انفصال الأقاليم ولكن منح مزيد من الاختصاصات للإدارة المحلية بالإقليم وتعزيز دورها بحيث يكون دور المحافظ الموازنة بين مطالب الحكم المحلي في محافظته والسلطة التنفيذية للدولة وتلافي التعارض بينها وبين السياسة العامة للدولة ومصلحتها القومية دون جور علي مصالح المواطنين. ويري"اللواء أحمد زكي عابدين وزير الإدارة المحلية السابق": أنه من الضروري أن يأتي المحافظ بالانتخاب لأن شعب مصر لن يقبل بأي محافظ يأتي بالتعيين بعد ذلك.. ولكي يكون محافظا قويا ومستندا لإرادة شعبية قوية داخل المحافظة في مواجهة أي معارضة تتهمه بأنه معين..علي أن يتم وضع مواصفات للمحافظ وتقوم بوضع هذه المواصفات لجنة عليا محترمة يتم تعيينها بطريقة سليمة وتشمل السن والتعليم واللياقة والصحيفة الجنائية والسمعة وتضمن أنه عند انتخاب محافظ أن يكون جيدا.. ولابد أن يكون المحافظ من أبناء المحافظة ويرشح للمنصب ثم تجري انتخابات بالاقتراع المباشر.. وهو جزء أساسي لتطبيق نظام اللامركزية في المحليات مع ضرورة منح صلاحية تقديم الاستجواب وطرح الثقة للمجالس الشعبية للمحليات لتفعيل دورها. ويقول "الدكتور فريد السايح.. رئيس المركز المصري للعلوم الاستراتيجية والسياسية": إن انتخاب المحافظ يعد اللبنة الرئيسية في عملية الإعداد السياسي وما يرتبط بعملية اختيار الحاكم في المستقبل خاصة أنه معمول به في كافة الدول الديمقراطية كدول الاتحاد الأوروبي وأمريكا حيث تخضع عملية اختيار رئيس الولاية وهو ما يمثل لدينا وظيفة المحافظ للانتخاب الحر.. ومن خلال أداء الوالي أو المحافظ يستطيع بالفعل أن يكون لديه السلطات المطلقة فيما يرتبط بالعمل علي تحسين الولاية خاصة أنها عادة ما تكون في إطار لا مركزي بعيدا عن نظام الدولة لذلك يعد انتخاب المحافظ هو الأكثر واقعية ويعطي فرصة لمن يشغل هذا المنصب حتي يكون لديه الولاء التام لمحافظته في التطور علي المدي القريب والبعيد..فإذا كنا نريد حقا أن نختار من هو الأصلح لرئاسة الجمهورية ولرئاسة مجلس الوزراء أيضا فهذا سوف يتضح بعد ممارسة هذا الأسلوب في عملية اختيار المحافظ. وفي المقابل يرفض "الربان عمر المختار صميدة.. نائب رئيس حزب المؤتمر" نظام انتخاب المحافظ حيث يقول: إن الأنسب لمصر حاليا هو أن يتم " تعيين" المحافظين.. علي الأقل خلال الفترة الانتقالية وحتي تستقر مصر ديمقراطيا.. فمحاولة التطوير في الإدارة المحلية لابد أن تكون مبنية علي أسس متكاملة.. وحتي مع الأخذ بطريقة الانتخاب للمحافظين وأعضاء الوحدات المحلية فإن عملية اختيار الناس بإرادتها لأشخاص يديرون محافظاتهم أو وحداتهم الإدارية يتطلب توفير كوادر لديها من الوعي السياسي والمهني ما يجعلها قادرة علي النهوض والارتقاء بالإدارة المحلية في مصر بما يجعلها مستقبلا أدوات لتفريخ كوادر لإدارة الدولة مثلما يحدث في بلدان متقدمة مثل فرنسا وتركيا حيث كان ساركوزي وأردوغان قد تدرجا بسلم المسئولية علي مستوي دولتيهما بداية من المحليات الصغيرة.. وبعد ذلك نبدأ في تطبيق نظام اللامركزية ومن بينه اختيار المحافظين عن طريق الانتخابات مع ضرورة أن يتم معه في نفس الوقت انتخاب المجالس المحلية الشعبية ويكون لها صلاحيات واسعة في محاسبة المجالس التنفيذية.. وهناك مشكلة أخري تواجهنا هي المركزية في القرارات فنحن في حاجة إلي تطبيق اللامركزية حتي لا نفاجأ أن المحافظ في كل قرار ينتظر وزير المالية لتنفيذ أي مشروعات أو موازنات وهذا يتطلب أن تكون الخطوة الأولي هي إلغاء قانون الإدارة المحلية وإعطاء المحافظين ورؤساء الأحياء كافة الصلاحيات من خلال عمل لا مركزي وهذا لن يتحقق إلا من خلال سلطات مالية وإدارية تمكنه من إنجاح التجربة. ويقترح"المستشار محمد عطية وزير التنمية المحلية الأسبق": إنشاء معهد قومي للإدارة المحلية بحيث يكون كافة قيادات الإدارة المحلية من خريجي المعهد بعد موافقة المجلس الأعلي للجامعات وسيتم منح الخريج الماجستير ويتم تدريبه لمدة عام داخل 12 محافظة وبعد ذلك يتم تعيينه رئيسا لوحدة قروية ثم يترقي حتي محافظ.