يبدو ان اقرار الدستور لن يترك الساحة السياسية خالية من الحوارات بين كل القوي, اذ يلوح في الأفق الان سؤال يشغل الجميع: وهو كيف يتم اختيار المحافظين( بالانتخاب أم بالتعيين؟ خاصة أن لكل منهما مساوئه ومميزاته. في البداية يؤكد الدكتور ثروت عبدالعال أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بجامعة أسيوط ان المادة187 من الدستور نصت علي أنه ينظم القانون طريقة اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية الأخري ويحدد اختصاصاتهم وهو ما يفسر قائلا: ان ذلك يمثل تفويضا من المشرع الدستوري للمشرع العادي وهو البرلمان في تحديد اختيار وشغل مناصب المحافظين سواء كان بالانتخاب أو بالتعيين. وحول الأنسب لمصر, يري أن اختيار المحافظ بالانتخاب لا يناسب مصر لأنها تأخذ بنظام الادارة المحلية وليس الحكم المحلي كما في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث لكل ولاية حكم ذاتي برئيس وبرلمان وسلطة قضائية, أما في مصر كدولة بسيطة فتأخذ تاريخيا بنظام الادارة المحلية حيث لا يتم التفويض للمحافظ سوي في سلطة واحدة هي التنفيذية باعتباره جزءا من هذه السلطة وتابعا لها.. مشيرا إلي أن لنا تجربة أخذنا فيها بنظام الحكم المحلي في عهد الرئيس السابق أنور السادات بداية من عام1975 الا أنها لم تستمر سوي بضع سنوات ولم يكتب لها النجاح. ويوضح الدكتور ثروت عبدالعال أن المطالب بتطبيق اللامركزية لتلافي مشكلات المركزية في اتخاذ القرار لا تعني انفصال الأقاليم ولكن منح مزيد من الاختصاصات للادارة المحلية بالاقليم وتعزيز دورها بحيث يكون دور المحافظ الموازنة بين مطالب الحكم المحلي في محافظته والسلطة التنفيذية للدولة وتلافي التعارض بينها وبين السياسة العامة للدولة ومصلحتها القومية دون جور علي مصالح المواطنين. وما بين انتخاب المحافظ وتعيينه يبقي السؤال الحائر حول لمن سيكون ولاء من سيشغل المنصب في الحالتين, وما بين مصلحة المواطنين وحل مشكلاتهم وبين أمن مصر القومي في ظل مخاوف التقسيم التي تم التلويح بها مؤخرا يبقي الحديث عن حل وسط يحقق معادلة التنمية والتطوير للمصريين في كل المحافظات وهو ما يوضحه نبيل مرقس استشاري مبادرة لا مركزية القرار قائلا: ان محاولة التطوير في الادارة المحلية لابد أن تكون مبنية علي أسس متكاملة فسواء الأخذ بطريقة الانتخاب للمحافظين وأعضاء الوحدات المحلية فان عملية اختيار الناس بارادتها لأشخاص يديرون محافظاتهم أو وحداتهم الادارية يتطلب توفير كوادر لديها من الوعي السياسي والمهني ما يجعلها قادرة علي النهوض والارتقاء بالادارة المحلية في مصر بما يجعلها مستقبلا أدوات لتفريخ كوادر لادارة الدولة مثلما يحدث في بلدان متقدمة مثل فرنسا وتركيا حيث كان ساركوزي وأردوغان قد تدرجا لسلم المسئولية علي مستوي دولتيهما بداية من المحليات الصغيرة. وحول المخاوف من سلبيات كلا النظامين في اختيار المحافظين سواء الانتخاب أو التعيين والمشكلات الناجمة, أشار مرقس إلي أنه فيما يتعلق بالانتخاب فان التاريخ المصري والقيم السائدة في تاريخ تقاليد الدولة المركزية الضمانة لمقاومة أيه نزعات انفصالية ولذلك فان الرغبة في الانفصال هي استثناء علي قاعدة أساسية حاكمة, وطالب بضرورة تعديل السياسات المتبعة تجاه مشكلات المصريين في المحافظات المهمشة أو الحدودية والنائية واعتبارها مجتمعات طرفية تتطلب ادارة من نوع خاص تراعي الطبيعة الثقافية الخاصة بها وتاريخها بما يتطلب قيادات لادارتها علي مستوي رفيع تتمتع بالخبرة التنموية والادارة المتقدمة والحرص علي البعد الاستراتيجي لهذه المناطق التي يكثر فيها الانفلات الأمني وما يصاحبه من عمليات تهريب متعدد الأنواع حتي في حالة الاستقرار مما يستلزم التعامل معها باعتبارها حائط صد للأمن القومي المصري. ويؤكد الدكتور خالد عبدالحليم مدير مركز التنمية المحلية بوحدة تطوير الادارة المحلية بوزارة التنمية المحلية انه من الضروري قبل الاستقرار علي أي من الطريقتين في اختيار المحافظ ان يكون هناك فهم مجتمعي كامل لتبعات كل طريقة سواء كانت بالانتخاب أو بالتعيين مشيرا إلي أن حسم الأمر يكمن في توزيع الصلاحيات والمسئوليات وآليات المساءلة بين الأجهزة المنتخبة والمعينة في المحليات. وأضاف أنه عند الاخذ بنظام الانتخاب للمحافظ, فلابد من تحديد طبيعة علاقته بالمجلس الشعبي في المحافظة وهل سيكون رئيسه أم مستقلا عنه وهو مالا يمكن حيث لا يصح ان يكون هناك كيانان منتخبان لأنه يضعف من كليهما ويجعل هناك تضاربا في المساءلة كما ان غياب دور الحكومة المركزية في كيفية ادارة المحليات يضر بالصالح العام الوطني لمصر لافتقاد من سيراقب تنفيذ السياسات العامة للدولة علي المستوي المحلي في المحافظات وأوضح أن البديل الاخر بالأخذ بطريقة التعيين للمحافظين هو الأنسب علي أن يتوافر بها اقرار صلاحيات للمجالس الشعبية المنتخبة في القانون الجديد ليكون المحافظ رئيسا للجهاز التنفيذي بالمحافظة وممثلا عن السلطة التنفيذية ومبعوثا للحكومة المركزية بها وبالتالي يكون مراقبا للقرارات والخطط المحلية بما يتماشي مع استراتيجية وسياسة الدولة العامة.