أتمني لو أن حركة المحافظين التي صدرت أمس الأول تكون الحركة الأخيرة لتعيينات المحافظين , وأن تطوي صفحة التعيينات للأبد, ليصبح الانتخاب هو النظام المعمول به في اختيار المحافظين بعد إقرار الدستور الجديد. المحافظون هم الحلقة الأهم في نظام الحكم في مصر, وبدون إصلاح منظومة المحليات لن يكون هناك إصلاح حقيقي ملموس, مهما كانت الإرادة السياسية والجهد المبذول, فالمحليات ترتبط ارتباطا وثيقا بكل ما يتعلق بهموم ومشكلات المواطن, بدءا من جودة رغيف الخبز, والتوزيع العادل لاسطوانة البوتاجاز, ورصف الطرق, وتوفير وسيلة آمنة للانتقالات الداخلية, ومرورا بالتعديات والعشوائيات وتلوث المصارف المائية, وإقامة مناطق صناعية لاستيعاب الأيدي العاملة وجذب الاستثمارات داخل المحافظات, وانتهاء بالعلاقة مع الحكومة المركزية لتوفير التمويل اللازم لخطط التنمية والتنسيق في كل ما يتعلق بالشأن العام. المحافظ الآن يقوم بدور البوسطجي, ويكتفي بالجلوس في المكاتب المكيفة, وتحويل الطلبات إلي الجهات المعنية, وإذا حاول أحد المحافظين التحرك وأخذ زمام المبادرة, وقع فريسة للضغوط المحلية أو المركزية حتي تتم إقالته, لأنه يتحرك دون غطاء أو سند, وبجهد ذاتي فردي, واجتهاد شخصي, وهو ما يجب أن ينتهي بانتخاب المحافظين ليعبروا بحق عن مطالب المواطنين وأحلامهم وآمالهم ومشكلاتهم, وحتي يقوموا بأقصي جهد لتحقيق كل ما يتمناه المواطن في الريف والحضر, وبدون ذلك سوف تظل المحليات محلك سر, والمحافظات درجة ثانية وربما ثالثة ورابعة, لأنها بعيدة عن العين والقلب معا. انتخابات المحافظين تتطلب إدخال تعديلات جوهرية علي قانون الإدارة المحلية ليتحول إلي حكم محلي بضوابط وقواعد تضمن وجود نظام متطور للإدارة المحلية, يتناسب مع طبيعة كل محافظة وظروفها المعيشية والاقتصادية, وبما يؤدي في النهاية إلي إيجاد منافسة بين المحافظات لتحسين مستوي معيشة المواطن, وحل المشكلات التي يواجهها في حياته اليومية. يرتبط بذلك أيضا إدخال تغييرات جذرية علي طريقة اختيار المجالس المحلية وصلاحيتها, بحيث تتحول هذه المجالس إلي برلمانات حقيقية للرقابة علي الجهاز التنفيذي, بدءا من رؤساء القري مرورا برؤساء المدن والمراكز والأحياء وانتهاء بالمحافظين, ولابد من إعطاء صلاحيات سحب الثقة لمجالس المحافظات ومنح هذه المجالس حق استجواب المحافظين ووكلاء الوزارة وغيرهم من القيادات التنفيذية, ومن غير المتصور أن تستمر تلك المجالس بوضعها الحالي مجالس دردشة, وإصدار توصيات تصبح حبرا علي ورق في أغلب الأحوال, لأن المحافظ يضمن ولاء تلك المجالس ويعلم أنها لا تملك ضرا ولا نفعا, ولا تستطيع أن تحاسبه أوتطلب إقالته. هموم المحافظات كثيرة ومتنوعة, ولا يدركها إلا من يعيش في هذه المحافظات, ويملك الخبرة السياسية والمحلية, ويستطيع أن يقدم رؤية موضوعية وحلول للكثير من المشكلات ببذل الجهد وابتكار الحلول لتلك المشكلات. لو شعر المحافظ أنه جاء بالانتخاب طبقا لبرنامج محدد, وأنه سوف يحاسب علي هذا البرنامج في نهاية ولايته, لبذل أقصي ما في وسعه, ولكن لأن المحافظ يعلم أنه جاء بالاختيار واستمراره يتعلق بمدي رضا من اختاره, فإن الأداء سوف يستمر ضعيفا وباهتا, والمشكلات سوف تتراكم حتي وإن بذلت الحكومة المركزية أقصي ما في وسعها. أرجو أن يتدارك السادة أعضاء الجمعية التأسيسية هذا الأمر ولا يعقل أن يكون رئيس الجمهورية بالانتخاب ويظل المحافظ بالتعيين, فهل تكون حركة المحافظين الأخيرة هي آخر تعيين للمحافظين؟! نتمني ذلك. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة