أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 20 يونيو بسوق العبور للجملة    إعلام عبري: اندلاع النيران في بئر السبع جراء سقوط صاروخ إيراني دون اعتراضه    وسط عاصفة اغتيالات.. «رجل مكافحة التجسس الغامض» يقود الاستخبارات الإيرانية    متى تلجأ إيران لتصنيع سلاح نووي؟    إعلام إيرانى: دفعة صواريخ جديدة تستهدف النقب بالقرب من قاعدة نواتيم الجوية    كأس العالم للأندية| بوتافاجو يفجر المفاجأة ويفوز على باريس سان جيرمان    سعر الدولار اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الارتفاع الجديد عالميًا    سعر الذهب اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الهبوط العالمي وعيار 21 بالمصنعية    «أول مرة في حياتي».. تعليق مثير من وسام أبو علي بشأن هدفه الذاتي    شيرين رضا: جمالي سبب لي مشاكل.. بس الأهم إن أنا مبسوطة (فيديو)    مباحث الأقصر تضبط مسجل خطر بحوزته حشيش وشابو بمنطقة أبو الجود    الفوز الأول.. أتلتيكو مدريد يطوي أحزانه ويدمر آمال سياتل    مينا مسعود يكشف عن كواليس ارتباطه بالممثلة الهندية إميلي شاه ويعلن موعد حفل زفافه (فيديو)    إسكان النواب: الانتهاء من مناقشة قانون الإيجار القديم تمهيدًا لإقراره نهاية يونيو    الشكاوى من المعلمين وليس الطلاب.. بداية هادئة لامتحانات «الثانوية العامة»    إعلام إيراني: معارك جوية فوق مدينة جرجان بمحافظة جولستان شمال شرقي إيران    اللجنة العليا للزيوت: لا نقص في السلع والمخزون الاستراتيجي يكفي 11 شهراً    «الطقس× أسبوع».. معتدل إلى شديد الحرارة والأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة والرياح والشبورة بالمحافظات    السيطرة على حريق شب داخل كافيه شهير بالنزهة    "مش كل لاعب راح نادي كبير نعمله نجم".. تعليق مثير للجدل من ميدو بعد خسارة الأهلي    «خرج من المستشفى».. ريال مدريد يكشف عن تطور جديد في إصابة مبابي    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    إيران تعلن عن غارات إسرائيلية على مناطق لويزان وبارتيشن ودماوند شرق طهران    10 صور لاحتفال وزير الشباب والرياضة بعقد قران ابنته    الجبهة الداخلية المصرية متماسكة في مواجهة كل الأخطار    محافظ المنيا يشهد مراسم تجليس نيافة الأنبا بُقطر أسقفًا لإيبارشية ديرمواس    قبل الغلق.. رابط التقديم لوظائف المدارس المصرية اليابانية 2026    إير كايرو توسّع أسطولها الجوي بتوقيع اتفاقية جديدة في معرض باريس للطيران    اليوم.. مصر للطيران تنظم اليوم 11 رحلة جوية لعودة الحجاج    ثقافة الفيوم تناقش أثر المخدرات على الشباب وتقدم مسابقات ترفيهية للأطفال.. صور    «إنجاز طبي جديد».. تحت مظلة منظومة التأمين الصحي الشامل    خبير في الحركات الإسلامية: الإخوان يستخدمون غزة كغطاء لأجنداتهم التخريبية    أستاذة علوم سياسية: الصراع الإيراني الإسرائيلي تحول إلى لعبة "بينغ بونغ" عسكرية    البطريركية القبطية في جنوب أفريقيا تقود صلاة الغروب الأرثوذكسية: "سلامي أتركه لكم"    خبير اقتصادي: البنوك المركزية قد تعود لرفع الفائدة هربًا من موجة تضخم جديدة    لينك نتيجة الصف الثالث الإعدادي في القليوبية برقم الجلوس    ريبييرو: أغلقنا ملف بالميراس.. ونستعد لمواجهة بورتو    وزير الأوقاف: تعاون مشترك مع اتحاد الجامعات لدعم الأعمال الوقفية ومواجهة الإرهاب    خلافات عائلية تنهي حياة خفير نظامي في الفيوم    محسن رضائي: لم نستخدم ورقتي النفط ومضيق هرمز ولم نلجأ لأصدقائنا بعد ولم نستخدم التقنيات الصاروخية الحديثة    خبير يكشف كمية المياه المسربة من بحيرة سد النهضة خلال شهرين    قادة كنائس يستعرضون دروس مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا    هل من حق مريض الإيدز الزواج؟ نقيب المأذونين يجيب (فيديو)    بسبب بلاغ للنائب العام.. محمد رمضان يعتذر لعائلة «هلهل»    هنا الزاهد ب"جيبة قصيرة" وصبا مبارك جريئة.. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| وفاة والدة مخرجة وفنانة تستغيث ونجمة ترد على شائعة زواجها    "وحش البحار" و"ليو".. أعمال يشاهدها الجمهور على "نتفليكس" في الصيف    تعرف على ترتيب مجموعة الأهلي بعد خسارته وفوز ميامي على بورتو    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف الأردنية نسرين الوادي.. طريقة عمل شوربة البروكلي    كارثة تعليمية| رسوب جماعي في مدرسة يثير صدمة.. وخبير يطالب بتحقيق شامل    باحث: 36 سببًا لمرض ألزهايمر    خالد الجندى: الكلب مخلوق له حرمة والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذائه    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ أسيوط يفتتح وحدة طب الأسرة بمدينة ناصر بتكلفة 5 ملايين جنيه – صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلام يا عرب..
نشر في آخر ساعة يوم 18 - 05 - 2010

التقيت به لأول مرة في قرطاج عام 1984.. حيث كان فيلمه »الحدود« يعرض لأول مرة في افتتاح المهرجان.. أعجبت جدا بالفيلم رغم إمكانياته الفنية المحدودة.. لكنه كان يتناول فكرة الحدود بين الدول العربية الذي كتبه مع صديق عمره محمد الماغوط وقام هو بإخراجه لأول مرة.
إنه الممثل العربي الكبير دريد لحام المشغول دائما بهموم الوطن العربي.. وبصراحة أحب أن أقول إنه بالنسبة للمثقفين والأدباء الذين يذهبون إلي الشام دون أن يلتقوا بدريد لحام فهم لم يذهبوا للشام.. فدريد بدون مبالغة أحد أهم المعالم الثقافية هناك. ذكرنا مع نهاد قلعي بلوريل وهاردي.. ثنائي كوميدي ناطق باللهجة الشامية.. لكنه لم يكتف بمجرد إضحاك الناس. وأذهل الجميع في أواخر الستينات بجرأة »مسرح الشوك«.. بعد هزيمة 1967. وليذكر من لايعرفون بأن الكوميديان ليس بهلوانا ولا مهرجا.. بل هو صاحب رأي ووجهة نظر.. وذلك ما أكده من خلال المواطن البسيط »غوار الطوشي« وأيضا من خلال مسرحيات »كاسك يا وطن« و»غربة« و»ضيعة تشرين« و»صح النوم« و»ين الغلط« وغيرها.

في عام 1984 شهدت نجاحه الباهر في فيلم »الحدود« الذي كان مفاجأة سينمائية.. ففي إطار كوميدي رفيع المستوي عبر دريد لحام عن محنة الإنسان داخل حدود وطنه العربي. وحين التقيت به وجدته لايقل رقة وعذوبة وتواضعا عن دريد لحام الفنان.. ومن شدة تأثري وإعجابي وانبهاري بالفيلم كتبت عنه.. ورشحته للعرض في مهرجان القاهرة.. وعرض بالفعل في مصر. وكان دريد أكثر المندهشين والمتأثرين .. وباعتراف الجميع كان نجاح »الحدود« لدرجة أن المعجبين بعد مشاهدة الفيلم حملوه علي الأعناق ورددوا الأغاني الشامية.. وهتفوا للوحدة واستعادوا ذكرياتها القديمة.. وحلموا بوطن عربي بلا حدود.. وتأكدوا أن الفن يلعب دورا أهم من الساسة حين نزيل كل الحدود النفسية الوجدانية.
وكنا نتابع بمنتهي التشوق الموضوع الجريء الذي يطرحه علينا بهذا الأسلوب الساخر.. فهو المواطن عبد الودود الذي حاول أن يعبر الحدود بسيارته ونتيجة لفقدان جواز سفره يقع في أغرب مأزق.. فالبلد الذي يذهب إليه يرفض أن يستقبله بلا جواز والبلد الذي جا منه يرفض أن يعود إليه لنفس السبب.. ومن خلال السخرية والسخف الروتيني والعجز عن اتخاذ قرار يتبادلها جيران هم شعب واحد.. لكنهم شاءوا تمزيقها بأسوار وهمية.. حيث أقام عبد الودود كوخا صغيرا يؤويه علي خط الحدود.
أما شريط فيديو مسرحية »كاسك يا وطن« فهي في كل بيت سوري.. ويبدو من عنوانها الذي يتحدث فيه عن الأوضاع العربية عامة بعد هزيمة 1967 .. فإن »غربة« هو رحلة المجتمع العربي من الاقطاعية إلي الاشتراكية إلي الشمولية إلي الغربة والاغتراب دون أن يتغير في حياة الناس شيء علي الإطلاق. وذلك حين كون هو والكاتب القدير محمد الماغوط ثنائيا ناجحا.. فقد كانت أمنية المواطن العربي في »كاسك يا وطن« هو إنجاب ابنة يسميها أحلام تعبر عن أحلامه.. ولكن بسبب الإهمال في المستشفي ماتت »أحلامه«.. وعندا سأل من قتل أحلامه جاء رجال المخابرات لكي يضربوه ويعذبوه بكل الوسائل حتي ينهار.. ويفقد البطل يوما بعد يوم شعوره بالانتماء لوطنه.. لقد قتلوا بوحشيتهم علاقة الإنسان بوطنه وكانت النتيجة أن طلق زوجته وبيع أولاده في الطريق العام.

ومنذ ذلك الوقت أصبحنا أنا ودريد وعائلته وزوجته هالة أصدقاء.. يدعوني إلي منزله حينما أزور دمشق.. وحين يجيء إلي مصر أزوره في الفندق المطل علي النيل.. وأدعوه لفسحة علي مركب.. وبدأ دريد يكلمني بكل صراحة عن أوضاعه الاجتماعية.. فقد ولد في عائلة فقيرة جدا.. وكان هو رقم 7 في أسرة كبيرة العدد مكونة من 10 أبناء. كانت أمه تعمل عاملة أنفار في جنوب لبنان حين كان الأتراك يقيمون جسرا علي نهر الليطاني.. وكان هناك شاب سوري »محمد لحام« يعمل مراقب أنفار.. أحبها وتزوجها ثم بدأ بإنجاب الأولاد.
تربي دريد في بيت فقير جدا في حي الأمين.. أحد البيوت الدمشقية القديمة.. عبارة عن صحن وحوله غرف يسكنها العشرات أما الحمام فكان مشتركا لكل السكان.. وكان أبوه بائعا متجولا يبيع الفحم.. تساعده الأم بالعمل في الخياطة.
حاول دريد أن يعمل في كل الحرف الدنيا كنافخ في الفخم.. وكان أجره خمسة قروش فرح بها جدا وأعطاها لأمه.. وكان الفضل في تربيتهم للأم التي أعطتهم الأمل رغم أنها أمية لكنها كانت مثقفة تحفظ التاريخ.. وتعلم منها دريد ضرورة الكفاح والإصرار وهي التي ساعدته علي تكوين دريد لحام الإنسان والفنان فيما بعد. وكان متفوقا في دراسته فتنازل الأخ الأكبر عن حقه في التعليم الجامعي من أجل أخيه وتخرج ليعمل مدرس كيمياء. وكان محبا للتمثيل.. مثل في فرق التمثيل في المدرسة والجامعة.. وانشغل بالمواطن البسيط بكل همومه ومتاعبه من خلال شخصية »غوار الطوشي« لكنه ترك الوظيفة بالرغم من أنها كانت أهم بالنسبة للعائلة لأن لها دخلا ثابتا مضمونا.
كان أول عمل سينمائي له هو »عقد اللولو« بطولة صباح .. كانت أول مرة يقف أمام الكاميرا.. وكان هدفه في ذلك الوقت الانتشار.. فقدم بعد ذلك 22 فيلما.. ومثل بعضها مع نجوم الشاشة المصرية.. لكنها لم تكن علي المستوي الفني المطلوب.

لم يكن الفن يطعم خبزا.
لكن زوجته »هالة« صبرت معه كثيرا.. إنها ليست الزوجة الأولي أم أولاده ثائر وعبير التي لم تكن راضية عن الفن فانفصلا.
وكانت هالة تعمل عضوا بفرقة الرقص الشعبي التي توازي فرقة رضا في مصر.. وأسندت له إدارة الفرقة.. وكانت طبيعيا أن يحب مدير الفرقة إحدي عضواته. وصبرت علي ظروف إنسانية صعبة للغاية. فحين حل العيد والأولاد محتاجون لملابس وكان دريد قد حقق شهرة في ذلك الوقت.. فقد كان يشتريان ملابسهم من دكان »البالة«.. والبالة هي الملابس القديمة التي تأتي من الخارج كمعونة.. وكان صاحب المحل يكرمهم بأن يغلق باب المحل لكي لا يشعرا بالحرج.

الفنان يتعرض دائما لمعجبات.. وقد يقع في بعض الأخطاء والنزوات.. أما زوجته هالة المرأة الجميلة من الداخل والخارج والتي تحملت معه سنين الضنك وصبرت معه كثيرا كانت امرأة عاقلة محبة للأولاد والأسرة وقد تعرض رديد لكثير من الشعائعات التي اعترف لي بها.. قائلا إن المشكلة أن نصف هذه الشائعات حقيقة.. لكن »هالة« تجاوزت الكثير من أخطائه.. لم تهدم البنيان الذي بناه الرجل والمرأة.. تجاوزتها من أجل الأولاد.. وصممت أن تبقي في المنزل معهم حتي انتهت العاصفة.

واستمرت صداقتنا ولا تزال علي مدي السنين.. حيث كنت التقي به في منزله مع زوجته هالة وأحفاده.. وفي مكتبه بدمشق.. وفي حلب مع مهرجان الأغنية والتراث الشعبي.
كانت أمنية دريد أن يمثل مع عادل إمام فيلما عن فكرة تشبه الحدود اسمه »بين السماء والأرض« لكنها لم تنفذ كما كانت أمينته أيضا أن يمثل مع فاتن حمامة وهذا أيضا لم يحدث في مصر.
كانت آخر مرة التقيت به هو وزوجته في غرفته المطلة علي النيل.. واستقبلني الفنان الكبير الذي انتهز فرصة وجوده بالقاهرة ليتأمل النيل الذي يعشقه ويقول إنه أجمل مكان علي وجه الأرض.. وهو رمز العطاء.. عطاء شعب مصر من الحب والكرم.
قال لي : أحب مصر حبا خرافيا.. وفي رأيي أن كل فنان عربي يحلم بوثيقة اعتراف مصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.