أحمد موسى: زيارة الرئيس السيسي لمركز قيادة الدولة الإستراتيجي «رسالة مهمة»    النفط يسجل مكاسب أسبوعية وسط مخاوف الإمدادات بالشرق الأوسط    رصف الطرق الحيوية بمدينة البلينا جنوب سوهاج    «الفرصة الأخيرة اليوم».. طريقة حساب فاتورة الغاز لشهر «أبريل 2024»    انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريطاني    إدخال 4000 شاحنة مساعدات لغزة من معبر رفح منذ أول أبريل    الزمالك يفوز على طلائع الجيش ويتأهل لنهائي كأس مصر للطائرة رجال    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    مسعود يتابع الاختبار الشفوي لطلبة التمريض بالشرقية    أسستها السويسرية إيفلين بوريه، قصة مدرسة الفخار بقرية تونس في الفيوم (فيديو)    وسط حشد جماهيري كبير.. أحمد سعد يشعل أجواء حفله بولاية هيوستن الأمريكية|صور    مدبولى يشارك فى المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض نيابة عن الرئيس السيسى    حزب "المصريين" يُكرم هيئة الإسعاف في البحر الأحمر لجهودهم الاستثنائية    تعرف على أفضل 10 مطربين عرب بالقرن ال 21 .. أبرزهم الهضبة ونانسي والفلسطيني محمد عساف (صور وتفاصيل)    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    طارق يحيى مازحا: سيد عبد الحفيظ كان بيخبي الكور    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية.. لقاء تثقيفي في ملتقى أهل مصر بمطروح    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    مدير «تحلية مياه العريش»: المحطة ستنتج 300 ألف متر مكعب يوميا    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    أبو الغيط من بغداد: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئا ثقيلا لا يمكن تحمله    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان دبي ومحاولة اقتناص النجاح
طارق الشناوي يكتب:
نشر في صوت الأمة يوم 20 - 12 - 2010

من المؤكد أن السينما المصرية لم تعد هي ذات السينما التي تعارفنا عليها في العقود الأخيرة، صار هناك نبض مغاير تستطيع أن تلمحه خاصة في المهرجانات السينمائية، فقد حصدت السينما المصرية جوائز مهرجان القاهرة قبل نحو أسبوع برغم أنني لم اقتنع بجدارة فيلم «الشوق» للحصول علي جائزة الهرم الذهبي إلا أن هناك جوائز متعددة أخري استحقتها عن جدارة السينما المصرية وأتصور أن جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي التي سوف تعلن مساء الأحد المقبل لن تغفل أفلاما مصرية هامة مثل «ميكروفون» لأحمد الله والخروج لشهام عيسوي وظلال إخراج ماريان خوري ومصطفي السناوي
حيث تدور أحداث الفيلم الاخير التسجيلي داخل مستشفي الأمراض العقلية، الفيلم تسجيلي طويل، ويتبقي أيضا للسينما المصرية فيلم «678» وهو رقم أتوبيس داخل الفيلم العديد من أحداثه للمخرج محمد دياب تكتشف أن الافلام الثلاثة يجمعها شيء مشترك وهي أنها الاعمال الأولي لمخرجيها تعبيرا لعمل الاول Fi
ast wosr بعد فيلم الاول والثاني، وكان من
هشام عيسوي ومحمد دياب هذا هو فيلمهما الروائي الطويل الاول، بينما أحمد عبدالله يعود مع فيلمه الثاني.. روح التغيير التي أراها في السنوات الاخيرة تدعو ولاشك للتفاؤل وتؤكد أن الدائرة التي ضافت تماما علي السينما المصرية بسبب سطوة النجوم علي كل مفردات الفيلم باتت تسمح بهامش ما هو انضمام شركات سينمائية عثرت علي محاولات مغايرة الانتاج يضمن لها التسويق خارج الحدود وفي نفس الوقت لايفرض شروطا مسبقة علي المشروع الفني، كما أن الميزانيات المحدودة نسبيا لهذه الأفلام أتاحت الفرصة للمخرجين لكي يتمتعوا بروح المغامرة التي تعتبر هي روح السينمائي وسلاحه للابداع وبالطبع لا يمكن أن يتحقق ذلك سينمائيا إذا لم تتخلص السينما من الخضوع للنجم أو يتغير النجم ودوافعه إلي العمل الفني وهذا ما توفر في عدد قليل جدا من النجوم مثل خالد أبوالنجا الذي قرر التواجد في معادلة المخرج أحمد عبدالله في فيلمه الاول هيلوبوليس والثاني ميكروفون ليس فقط كممثل أو بطل للفيلم ولكن أيضا مشاركا بالانتاج بأجره أو بقسط أيضا من المال مثلما حدث في التجربة الثانية لنفس المخرج التي حصل خلالها علي جائزتين وهما تانيت مهرجان في خارج قرطاج جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة وينتظر أفضل فيلم عربي من مهرجان «دبي».
الفيلم علي مستوي اللغة السينمائية يقدم من خلاله أحمد عبدالله حالة عصرية في التناول والانتقال بين اللقطات وكذلك يمنح فيلمه احساسا توثيقيا وليس فقط واقعليا ولكنك تري في ثنايا الفيلم تلك الحالة التلقائية الشديدة حتي في اختياره لتكوين الكادر فهو لا يضع تكوينا مسبقا بقدر ما يترك اللحظة أثناء التصوير تفرض عليه الكثير من تفاصيل الحالة الابداعية.. عين تسجيلية ترصد كل شيء وفي نفس الوقت تزداد حميمية واقتراب من المكان والبشر بإحساس جمالي لا يمكن اغفاله المشاعر التي تنتقل إلي بطل الفيلم هي نفسها التي نعيشها كجمهور ونحن نتابع أحداث الفيلم.. يراهن الفيلم علي كل ما هو صادق وحقيقي في مصر إنه وجه مصر المطمور.. وجه مصر الكامن في الاعماق ومنهج أحمد عبدالله ورفاقه من المخرجين المغامرين هو أيضا المعبر عن السينما القادمة التي أري أن اقتناصها للجوائز في الاشهر الاخيرة هو الأمل الذي سيخلق تيارا قادما وصوت «ميكروفون» أحمد عبدالله بالتأكيد سوف يصل للجمهور بعدأن حصد الجوائز!!
وبعيدا عن خصوصية التواجد المصري بالمهرجان يبقي أن هذا المهرجان حقق في هذه الدورة نجاحا ملفتا في اختيارات الافلام من بدأها بفيلم الافتتاح حديث الملك هذا الفيلم البريطاني المرشح بقوة هذه الدورة في الاوسكار للحصول علي جائزة أفضل فيلم ايضا أفضل ممثل لبطل الفيلم كولين فيرت وأفضل ممثل مساعد جليفري راش تمكن المهرجان بين 150 فيلما أن يعرض لاول مرة 50 فيلما عرض أول بينها بالمناسبة خمسة أفلام مصرية نشاهدها لأول مرة رغم أن المهرجان سبقه العديد من المهرجانات العربية التي تدفع مقابلا ماديا ضخما للفيلم الفائز ولكن لاشك أن هناك مجهودات من إدارة المهرجان الممثلة في رئيسه عبدالحميد جمعة ومدير المهرجان مسعود أمرالله في العثور علي كل ما هو جديد وعلي الساحة العربية مثلا شاهدت الفيلم الأردني مدينة ترانزيت بطولة صبا مبارك واخراج محمد الحشكي والفيلم العراقي الرحيل من بغداد والسوري دمشق مع حبي والمغربي ماجد.. كما أن المهرجان مثلما عرض في ختام الدورة الماضية فيلم الابعاد الثلاثة «اماتار» حرص هذه الدورة علي أن يعرض ايضا فيلم الابعاد الثلاثة «الارث».
*************
الخروج يخترق الممنوعات
الجنة تنتظر الجميع.. المسلم والمسيحي
ترصدت الرقابة علي المصنفات الفنية في مصر لهذا الفيلم قبل أن يري النور واتمني أن يتمتع المجتمع المصري بالرحابة الكافية لكي يعرض جماهيريا بعد أن تغلب منتج الفيلم شريف مندور علي المحاذير الرقابية التي تمنع تصوير العمل الفني قبل الحصول علي إذن مسبق بالسيناريو من الرقابة لفيلم هو الاول لمخرجه هشام عيسوي وذلك كان الفيلم الروائي الطويل.. لو ضاقت الرقابة في تناول هذا الفيلم سوف نراه علي هذا النحو الذي أراه قاصرا جدا بل مستفزا في ظل تأزم المشاعر حيث علاقة حب فتاة بين مسيحية أدت دورها الوجه الجديد ميريهان والوجه المصري محمد رمضان الذي يؤدي دور الشاب المسلم وهذا الأمر صار يشكل قدرا كبيرا من الحساسية في المجتمع بل إنني أتصور لمجرد أن يقرأ أحد المحامين المتعصبين تلك الكلمة: قبطية تحب مسلم أو علي علاقة معه سوف تتحول إلي قضية اجتماعية مثلما شاهدنا حدثا في أعقاب عرض مسلسل «أوان الورد» وبعد ذلك «بحب السينما»، بل امتد الغضب إلي فيلم «واحد صفر» قبل عرضه رغم أنه يقدم علاقة حب بين امرأة قبطية مطلقة ورجل قبطي!!
فيلم هشام عيسوي يصل في عمقه السينمائي إلي رؤية أعمق، فهو يقدم عائلة مسيحية لأن فيها زوج الأم رجل مقامر يستحوذ علي نقود زوجته.. التي تري ابنتها الكبري تعمل فتاة ليل تكسب أموالا تري أنها وسيلتها للقفز علي الفقر ولانقاذ ابنها من المصير الذي ينتظره.. الابنه الثانية ميريهان تحاول أن تعثر علي وسيلة رزق شريفة لكي تتمكن من الحياة مع حبيبها المسلم محمد رمضان ويكتشف أن بينهما علاقة عاطفية وجنسية تجاوزا فيها الاختلاف الديني بينهما وتأتي النهاية وكل منهما قد غرق من البحر ويستاءلان: هل هذه هي الجنة وهل الجنة واحدة للجميع؟ أعجبني أن تصبح الجنة هي الجنة لكل الأديان ولكن لم أرتح إلي تعبير ده يبقي مقلب؟ لأنه يعبر عن نوع من التطرف إلي المشاعر الدينية بعيدا عن تلك، أما المنطقة الشائكة التي اقتحمها مقامر بجرأة المخرج فكانت هناك لمحات إبداعية خاصة وجهود لا تنكر في التناول السينمائي تميزبه هشام العيسوي في قدرته علي قيادة ممثليه فقد شاهدت مثلا الوجه الجديد «مريهان» للمرة الثانية كانت الاولي في الفيلم الحائز علي الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة «الشوق» لم تقنعني في التجربة الأولي ولكن من الواضح أن المخرج يجيد قيادة ممثليه وتوجيههم فنيا ولكنه مثلا قدم ميريهان وسناء موزيان صديقتين وفي نفس المرحلة العمرية وهو غير مصدق فعليا فملامح وجه «موزيان» تضعها في مرحلة أكبر بكثير.. المخرج وضع كل التفاصيل الشائكة مثل ترقيع غشاء البكارة والزواج العرفي بين مسلمة ومسيحي وكأنه لا يريد أن يترك شيئا إلا ومنحه مساحة في السيناريو وهي في كل الاحوال تبدو لي رغبة أراها مع العديد من المخرجين في تجاربهم الاولي، خاصة لو أن هذا المخرج أمضي سنوات عديدة في الخارج مثل هشام العيسوي! الحارة التي قدمها هشام رأيت فيها براغة الصدق الفني.. اختياره لاماكن التصوير، حيث تبدو البيوت ليست فقط متلاصقة ولكن كأنها بيت واحد.. جرأة في تقديم عائلة مسيحية مع ابتعاده عن تلك المثالية التي ارتبطت دراميا بتقديم الشخصية المسيحية خوفا من رد الفعل وأعتقد أن تقديم شخصية مسيحية لا نراه ولكننا نكتشف من خلال الحوار أنها كانت علي علاقة جنسية مع فتاة مسلمة أتصور أن تقديم هذه الشخصية مقصود من خلال تهدئه الوطأة حتي لايقال لماذا لم يقدم المخرج شخصية عكسية لكي تعدل الميزان ونري مسلمة تقيم علاقة غير شرعية مع مسيحي.
الشخصية الوحيدة الايجابية بالمعني الاخلاقي للكلمة هو والد الفتاتين المسيحي المتوفي كما أن الأم التي تتحمل كل ذلك من الممكن أن نري فيها هذا الجانب ايضا مع الأخذ في الاعتبار أنها مسئولة عن الحال الذي وصلت إليه ابنتاها!!
لا أجد في اللغة السينمائية التي عبر بها المخرج عن أفكاره إلا البساطة المتناهية بدون أي محاولة لاثبات قدرات المخرج في أول تجربة روائية كما تعودنا عادة مع المخرجين في تجاربهم الاولي، وموسيقي تامر كروان تعانقت مع الفيلم في ابداع، وألق الفيلم كما نسجه المخرج به حس جماهيري ربما كانت هذه الميزة غائبة عن عدد من المخرجين الذين قدموا مثل هذه الافلام لانها عندما عرضت جماهيريا لم تحقق التواصل مع الجمهور صارت تعرض بأفلام المهرجانات ولكني أري أن فيلم الخروج لديه تلك الامكانية التي تتيح له أن يصل إلي الشارع ولكن قبل إن تتحقق هذه الخطوة يظل أننا ننتظر أيضا من الشارع المصري أن يملك القدرة علي أن يري الواقع الذي يهمشه وحيث إن الشارع يستطيع أن يشاهد مثل هذه الحكايات وأكثر.
************
(صرخة رجل).. البطل تشادي والسينما من جنوب افريقيا
داخل قسم سينما العالم عرض الفيلم التشادي «صرخة رجل» كان فاكهة مهرجان كان في دورته الاخيرة وحصل علي جائزة لجنة التحكيم وهو من المرات القليلة التي تتمتع فيها سينما جنوب أفريقيا بتلك المكانة.
لم يصرخ بطل الفيلم التشادي الذي يحمل عنوان «صرخة رجل».. لكننا طوال أحداث الفيلم كنا نستمع الي صراخه الداخلي الذي تنضح به مشاعره احتجاجا علي ما يعانيه.. وأيضا ما يعانيه الوطن من تمزق.. نسج المخرج التشادي «محمد صالح هارون» السيناريو بدرجة حرفية عالية منذ أن نري داخل حمام السباحة رجلا وابنه يتراهنان علي من يمكث أكثر تحت الماء حتي ينتهي المشهد والأب يمسك بجثة ابنه ويلقيها في النهر لأنها كانت الرغبة الاخيرة له ويتوجه الرجل بعد ذلك موغلا أكثر في النهر في صوت موسيقي أفريقية فولكلورية مليئة بالشجن.
الفيلم يحمل الجنسية التشادية لأن شركة سينمائية وطنية ساهمت في الانتاج مع كل من فرنسا وبلجيكا.. وكانت هذه المشاركة الافريقية الوحيدة الرسمية بمهرجان «كان» الاخير.. كما أن اللغة العربية احتلت مساحة في الحوار بالاضافة الي اللغة الفرنسية.. الفيلم لم يحقق بالتأكيد كل مشاعر الترقب له علي المستوي الفني.. إلا أنه كان مليئا بالتفاصيل التي شاهدنا فيها انكسار البطل واسمه «آدم» إلا أنه مشهور باسم «البطل».. فقد كان بطلا في السباحة قبل أن يصبح عاملا في فندق ومسئولا أيضا عن حمام السباحة وألحق ابنه بالعمل معه.. نري الرجل دقيقا جدا في تحمل أعباء وظيفية.. حيث نجده ينبه ابنه إلي ضرورة مراعاة ارتداء الزي الابيض داخل الحمام أثناء العمل.. اللحظة التي يبدأ فيها الانكسار الاول للبطل هي لحظة هزيمته أمام ابنه.. حيث إن الفندق اشتراه رجل صيني وجد أن العمالة زائدة فيه فقرر تخفيضها وتخلص من البعض وكان علي الموظفين في الفندق الاختيار بين الأب «آدم» 55 عاما والابن عبدالله 20 عاما فوقع اختيارهم علي الابن لهذه الوظيفة بينما صار البطل يعمل أمام البوابة وقدم المخرج أكثر من تفصيلة لتوضيح المأساة التي يعيشها آدم، حيث إن الموظفة سألته عن عمره فأراد اختصار عام واحد ثم تراجع وكانت تخرج رغما عنه نظرات الي بطنه واكتشف أنها كبرت قليلا وصارت تمثل عبئا فبدأ في تدريبات البطن للتخلص منها. ملابس الحارس الذي يقف علي باب الفندق كانت صالحة فقط للحارس السابق الاقل منه طولا.. وظل مجبرا علي ارتداء هذا الزي بينما جسده يتمرد عليه أثناء تناول الغذاء للاسرة (الاب والابن والزوجة)، تلاحظ الزوجة هذا السكون والفتور في العلاقة فلا يعبر أبدا الزوج عن غضبه فهو بالتأكيد ليس ناقما علي ابنه.. ولكنه حزين علي نفسه عندما صار مجرد عمالة من الممكن الاستغناء عنها.. وقدم المخرج شخصية الطباخ في الفندق الذي واجه نفس المأزق وتمت احالته للمعاش رغم أنه علي حد قوله في جملة الحوار كان يطهو الاكل بإضافة مشاعره الي مكونات المطبخ.. نجد أنفسنا بصدد مؤثر آخر خارجي هذه المرة.. إنها الدولة التي تعيش حربا أهلية وكان علي ابنه أن يشارك في الجيش النظامي الذي يحارب ضد المتمردين.. وشي في البداية الاب لرجال الجيش عن ابنه ليتم تجنيده حتي تصبح الساحة مفتوحة أمامه لكي يعود مرة أخري لحمام السباحة ويعيش بإحساسه بالذنب وأراد استرجاع ابنه.. شعر البطل بعجزه عن الدفاع عن ابنه.. حيث كان من الممكن أن يدفع المال لانقاذ الابن لكنه لا يملك الا القليل.. وفي لحظة القبض علي الابن من قبل القوات العسكرية التشادية لاجباره علي الالتحاق بالجيش نري صرخات الاستغاثة التي ترسلها زوجته إليه إلا أنه لايستطيع حتي الصراخ.. فقط يتابع الموقف في لقطة بارعة من شباك المنزل.. كان الحل الوحيد لادارة الفندق هو أن يعود الاب ليحل محل ابنه في حمام السباحة.. لكنه أيضا يعود منكسرا ويحاول مساومة الدولة بأن يتطوع هو مكان ابنه في الجيش لكنهم يرفضون هذه المقايضة.. كنا نترقب موت الابن منذ أن شاهدناه في اللقطات الاولي وهو يمسك بالكاميرا الفوتوغرافية ويصور كل شيء.. وفي كل لحظة تمر يحاول تثبيتها حتي لا تهرب منه تفصيلة أشعرتني بأن المخرج منحها لشخصية ابن البطل لتصبح بمثابة ارهاصة لابنه وأنه سوف يرحل لتتبقي منه هذه الصور التي اختلسها من الحياة.. عندما يعلم بطل الفيلم «آدم» بأن ابنه مصاب ويخبر صديقة ابنه بتلك الحقيقة تحاول أن تصرخ إلا أنه يمنعها ويضع يده علي فهمها فيكاد يخنقها ويسعي لتهريب ابنه خارج معسكر الجيش بعد أن أصيب بجروح فيطلب منه الابن أن يحقق امنيته بالسباحة في النهر.. فيلقيه في النهر ويغوص في الماء بقلبه ذاهبا إليه.. لكنه أبدا لا يصرخ وتتبعه الكاميرا لنري لقطة نستمع فيها إلي تلك الموسيقي الهامسة وهي تملؤنا احساسا بالشجن النبيل!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.