تعدُّ الخنساء واحدة من أشهر النساء في الإسلام، فالمرأة التي عرفت بكونها شاعرة عربية أصيلة، بقصائدها في الرثاء في الجاهلية تحولت إلي امرأة صابرة تضرب المثل في التضحية بالنفس والولد في سبيل نصرة الإسلام. أم عمرو تماضر بنت عمرو بن الحارث السليمية، الملقبة ب "الخنساء" لجمال أنفها، اعتبرها نقاد الشعر العربي ومؤرخوه أشعر امرأة عربية علي الإطلاق، لكن شهرتها لا تقوم علي مرثياتها التي قالتها في أخويها في الجاهلية قبل الإسلام، بل ترجع إلي مواقفها البطولية انتصارا للحق بالوقوف خلف الإسلام ورسوله تنصره بأغلي ما تملك، فلذات أكبادها. شاعرية الخنساء اعترف بها معاصروها من فحول الشعراء في الجاهلية، ففي سوق عكاظ، كان يعقد مجلس للشعر يحكم فيه النابغة الذبياني علي شعراء القبائل العربية، وعندما جاءت الخنساء وأنشدته شعرها، قال النابغة: "اذهبي، فأنت أشعر من كل ذات ثديين، ولولا أن هذا الأعمي (يقصد أعشي قيس) أنشدني قبلك لفضلتك علي شعراء هذا الموسم". الخنساء التي كانت تبكي أخاها صخرا في قصائد طوال، غيّرها الإسلام إلي الأفضل فعرفت أن عزة النفس والتضحية بها في سبيل قضية عظيمة كنصرة الإسلام أبقي وأكثر خيرا عند ربها، وهانت عليها الحياة بعد أن رأت رحيل خير خلق الله، لذلك عندما بدأت الجيوش الإسلامية تتجهز للخروج إلي ما بات يعرف بعصر الفتوح، جمعت الخنساء بنيها الأربعة لتلقي إليهم بوصيتها فقالت: "يا بني أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعده الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فلما كشرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها، وتواقعوا عليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم، حتي قتلوا واحدًا في إثر واحد. ولما علمت الخنساء بخبر وفاتهم، لم تزد علي أن قالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته". وظلت عابدة قانتة حتي أتاها اليقين سنة 24 للهجرة.