لم تقتصر مشاركة الصحابيات في الحراك العلمي علي علوم القرآن والحديث والفقه فقط, بل تجاوزته الي مجال الأدب شعرا ونثرا, فوقفن علي صف واحد مع كبار شعراء الصحابة مثل حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن زهير. فالباحث المدقق في السيرة أديبات والتاريخ الاسلامي والأدب العربي يوقن بأن للصحابيات مشاركات في الأدب لاتقل عن مشاركات الصحابة بلاغة وابداعا, فقد عرف عن عدة منهن قرض الشعر وانشاء النثر, فمن عرف عنهن ذلك, أروي بنت عبد المطلب وصفية بنت عبد المطلب عمتا رسول الله, والخنساء, ورقية بنت صيفي, وسعدي العبشمية خالة عثمان بن عفان رضي الله عنه, والشيماء بنت الحارث, وعائكة بنت زيد, وقتيلة بنت النضر, وغيرهن كثير. أما صفية بنت عبد المطلب فهي عمة رسول الله صلي الله عليه وسلم وشقيقة حمزة رضي الله عنه ووالدة الزبير بن العوام, أسلمت وروت وعاشت الي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وكانت أديبة شاعرة رثت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: ألا يارسول الله كنت رجاءنا.. وكنت بنا برا ولم تك جافيا وكنت رحيما هاديا ومعلما.. ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ماأبكي النبي لفقده.. ولكن لما أخشي من الهرج آتيا كأن علي قلبي لذكر محمد.. وماخفت من بعد النبي المكاويا أفاطم صلي الله رب محمد.. علي حدث أمسي بيثرب ثاويا فدي لرسول الله أمي وخالتي.. وعمي وآبائي ونفسي وماليا فلو أن رب الناس أبقي نبينا.. سعدنا ولكن أمره كان ماضيا (تفسير القرطبي4/224). وكذلك كانت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من الفصيحات البليغات العالمات بالأنساب والأشعار, وكان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يستمع منها الي بعض ماترويه من الشعر, وقد تواترت الأخبار عن فصاحتها رضي الله عنها وبراعتها في الشعر, فعن هشام بن عروة, عن أبيه, قال:ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتا ومائة بيت الطبقات الكبري لابن سعد8/72). وكانت رضي الله عنها ماينزل بها شيء الا أنشدت فيه شعرا, فعن عبدالرحمن بن أبي الزياد عن أبيه قال: مارأيت أحدا أروي للشعر من عروة, فقيل له: ماأرواك؟ فقال: ماروايتي في رواية عائشة؟! ماكان ينزل بها شيء الا أنشدت فيه شعراالاصابة لابن حجر8/18. لقد بلغت أم المؤمنين عائشة من الفصاحة والبيان مبلغا عظيما, مما دفع كبار الصحابة الي الثناء عليها والاعجاب بفصاحتها وبلاغتها العالية, فهاهو معاوية رضي الله عنه يقول:والله ماسمعت خطيبا ليس رسول الله صلي الله عليه وسلم أبلغ من عائشة رضي الله عنها( البداية والنهاية8/132), ومن أقوالها الجامعة فصاحة وانجازا رضي الله تعالي عنها: جبلت القلوب علي حب من أحسن اليها وبغض من أساء اليها, وتقول:انكم لتغفلون عن أفضل العبادة: التواضع, ولما قبض أبوها أبو بكر رضي الله عنه ودفن قامت علي قبره, وقالت: نضر الله ياأبت وجهك وشكر لك صالح سعيك, فلقد كنت للدنيا مذلا بادبارك عنها, وللآخرة معزا, باقبالك عليها, ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم رزءك, وأكبر الأحداث بعده فقدك, فان كتاب الله عز وجل ليعدنا بالصبر عنك حسن العوض منك, وأنا منتحزة من الله موعودة فيك بالصبر عليك, ومستعينته بكثرة الاستغفار لك, فسلام الله عليك, توديع غير قالية لحياتك, ولا زارية علي القضاء فيك( تاريخ دمشق لابن عساكر30/443). وقد فاق بعض الصحابيات الرجال في الشعر بلاغة وابداعا, والمثال علي ذلك أم الشهداء, تماضر بنت عمرو رضي الله عنها الملقبة بالخنساء, التي أجمع علماء الشعر علي أنه لم تكن امرأة أشعر منها, اشتهر رثاؤها في أخويها معاوية وصحر وعظم مصابها, وأنشدت الحنساء في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني هي والأعشي وحسان بن ثابت فقال لها النابغة: والله لولا أن أبا بصير الأعشي أنشدني قبلك لقلت انك أشعر الناس( خزانة الأدب للبغدادي8/114), وكان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يستنشدها ويعجبه شعرها, وكانت تنشده وهو يقول:هيه ياخناس ويومي بيده(الاصابة7/614). والمتأمل في شعر الصحابيات ونثرهن يلحظ الصدق والسليقة والروحانية ورهافة الحس ومناصرة الدعوة والرسالة, مما يدل علي حضورهن القري ومشاركتهن الفعالة في المجتمع في عهد النبوة, وشعرهن ونثرهن في ذلك جزء لايتجزأ من التراث الأدبي العربي والاسلامي, فرضي الله عنهن. المزيد من مقالات د. علي جمعة