الصباحات المصرية تزحف مثقلة بطعم الحريق.. بفداحة العري.. بنكبة السقوط.. صرنا نحن المصريين في قبضة دوامة المحن نقاوم.. بل المطلوب أن نتفاءل رغم أن الأخبار تأتي بما لا تشتهي الأنفس والأحداث المتلاحقة.. المتناثرة قد تحض علي اليأس ولكن اليأس يعني الهزيمة، والمصريون جيناتهم المجوهرة رغم كل المآسي المتراكمة ترفض الانهزام.. نستقبل نسيم الشروق المعتم المصحوب بوداع أبطالنا شهداء الجيش والشرطة.. شهداء طائرة مصر المنكوبة.. الحرائق الغامضة المتزامنة ربما بفعل خائن، خائب أو أحيانا غافل، تداهمنا محاولة إيقاظ الفتنة في صعيدنا من خلال انتهاك حرمة جسد سيدة مصرية فاضلة فترتد إلي ذاكرتي سطور من (قرية ظالمة) للدكتور محمد كامل حسين ووميض مبهر ولكنه أليم من (عزازيل) د. يوسف زيدان عن هيباتيا وتجريدها من ملابسها، أيام عجاف نواجهها بجسارة وقوة حضارة بلغت من العمر عتيا، نحن المصريين نتقن الصمود والحروب الداخلية والخارجية، والحزام الناري الذي يحاصرنا أمنيا واقتصاديا ينعش عزيمتنا.. أتنفس فحيح المؤامرة في كل فاجعة، فأنا من هواة نظرية المؤامرة التي يستعلي عليها إما جاهل أو منتفع، فالمؤامرة هي حكاية التاريخ والتاريخ حكاية الجغرافيا المتغيرة، حكاية الكراسي وشهوة امتطاء السلطة في كل زمان ومكان. ولا يوجد تاريخ أو جغرافيا بدون المؤامرات، المكائد، والدسائس كما أنه لايوجد بدون الجرائم والاغتيالات وبدون الحروب والثورات ومن ينكر نظرية المؤامرة فهو ينكر، بل يدهس العلوم الإنسانية، هو إذن مضلل، يحترف التضليل الفضائي! الورقي والإلكتروني والمؤامرة. أما النقد البناء فمطلوب سلاح نافذ منذ الأزل، وعندما تقع واقعة يقفز السؤال البليغ لماذا الآن؟ ومن المستفيد؟ ولماذا هؤلاء؟ واليقين يتلقفه الانتهازي أو الغافل يعبث به ثم يلقي به في أتون التيه، والغفلة واغتصاب الوعي الجمعي والفردي، من ينكر المؤامرة إذن ينكر أيضا السياسة، لعبة المعلن والخفي، الجلي والمستتر، الباطن والظاهر، السياسة هي العناق والقبلات أمام الكاميرات والشاشات الكونية والخناجر والطعنات المتآمرة في الخفاء وكل شيء مباح من أجل المال، السلطة، الهيمنة علي الأوطان والثروات. يقول ماريو بوزو في روايته (العراب) : «المال هو السلاح والسياسة هي متي تضغط علي الزناد»، والمال يشتري الضمائر الخربة والنفوس الخسيسة فتارة السلاح هو كلمة وتابعها غسيل مخ للضمير الجمعي، وتارة هي كرة نار وشعلة لهب تلتهم الأخضر واليابس، وتارة هي رصاصة أو قنبلة تقتل وتبيد الأرواح ولكن الكلمة هي الأخطر والأبقي قد تفتك بعقول الملايين فهي باقية.. خالدة حتي وإن كانت مضللة، مدلسة، ناحرة للحقيقة، ويستعمل جان بول سارتر كلمة (براكسيس) أي أن في فلسفته الملتزمة الكلمة فعل. وهكذا عزيزي القارئ أنا أتنفس المؤامرة في أغلب ما نكابده من أحداث، فتلك الأيام العسيرة لها مذاق الرماد، أحداث تبدو أنها مع سبق الإضرار ليس فقط الإصرار، لماذا تقترف الواقعة البشعة للسيدة سعاد في ذات التوقيت الذي يكون فيه الشيخ د. أحمد الطيب في الفاتيكان وفرنسا في زيارة تاريخية!!؟ لماذا تسقط الطائرة المصرية أو يتم إسقاطها وهي قادمة من باريس!!؟القاهرة- باريس علاقات رائعة في مجال التسليح، الاقتصاد، الثقافة ،هي سبيكة مجوهرة ضاربة في القدم، لماذا تنفجر الطائرة الروسية في شرم الشيخ، بينما القاهرة- موسكو علاقات مدهشة من التواصل المديد، العميق والمساندة المستمرة. ثم تأتي سباعية اشتعال الحرائق واسميها حرائق العجز ومؤامرات العجزة لأنها لن تفلح في تقويض وتركيع وطن قرر البقاء ومنازلة كل الدول الطامعة، الجامحة في شرها، وكل الجماعات المعادية لمصر، ولم نشهد قط عبر التاريخ أي وطن هزمه الإرهاب وجماعاته وعصاباته والقوي العظمي الداعمة له، وعلينا تحمل لزوجة من ينكرون نظرية المؤامرة، والإعلام يعج بهم من الضيوف أحيانا ومن الإعلاميين الذين هم أقرب إلي المونولوجيست فهو يستولي علي الشاشة لمدة 3 ساعات وحده، فهو المتوحد الأعظم، يدير الكون، الفضاء، هو العالم بكل شيء من الترمس إلي النووي ومن الباذينجان إلي الغواصة، من الفتلة إلي الصاروخ، ومن النانو إلي البسلة!! كلما شاهدته أشعر أني أريد أن أكتب (حوار مع صديقي المتحول)!! وبينما ينكر نظرية المؤامرة فواضح أنه لاينظر حوله: سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، السودان وسيقول إن هذا السقوط والتقسيم والحزام الناري نتاج الأنظمة الديكتاتورية المزمنة وسأرد من الذي ساندها ياشاطر وإن كنت ناسي أفكرك علي رأي الست هدي سلطان!! تقبيل يد القذافي وجماله وخيمته في الإليزيه والشانزليزيه واستعمال داء العظمة لدي صدام حسين والزج به في حروب وغزوات مستعرة، ألم تقرأ سيادة الإعلامي وأنت مقصر في حق الشعب لأن لديك حلا لكل مشكلة وهي تافهة بالنسبة لعقلك الفذ وبصيرتك الشاهقة لأنك لم تترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية!! لماذا تضن علي شعبك!! ألم تقرأ (الأمير) لميكيافيللي؟ ألم تقرأ (1984) لأورويل؟!! وكيف تكون لعبة السيطرة، التآمر، ويقول سيادة الإعلامي كيف تكون علاقة الرئيس السيسي ليست علي مايرام بأمريكا والوفود رايحة.. جاية؟!! وهل ياسيادة الإعلامي السياسة شفافة، وساذجة أم هي لعبة الخنجر والقبلة، وهناك شكليات ومصالح معلنة وخفية، جلية وخبيثة تتقنها القوي العظمي المدججة بالقوة المارقة. ولا أدري لماذا تفتح خزائن ذاكرتي الطفولية لتراودني مشاهد الست الرغاية للفنان أحمد الحداد ولكنه كان خفيف الظل. وعند بعض من هؤلاء الإعلاميين الذين فضلوا نظرية الشراب عن نظرية المؤامرة، فالوطن بالنسبة لهؤلاء مثل الشراب يمكن قلبه حسب المصلحة فهم يقعون في قبضة الهوي. ثم هناك كليشية «مصر مش ممكن تسقط» وهل كان للعراق وسوريا وليبيا أن يسقطوا، وهل كان يمكن تخيل سقوط، تقسيم، تفتيت الاتحاد السوفيتي، ولكنه بُعث من جديد بفعل قوته الكامنة وبفعل بوتين وشعبه. أثناء حرائق العجز أو أسبوع البيرومانيا أي هوس إشعال الحرائق يظهر الخبير الاستراتيجي والتكتيكي ليقول إنه الحر!! هل لم يكن هناك حَر في مصر قبيل هذا الجحيم المصطنع، وهل لن يكون هناك حر قادم!! ثم آخر يفتي إن العيال بتلعب!! طب هي العيال لم تكن تلعب؟!! ولن تلعب فيما بعد! أما سيادة الإعلامي الناكر للمؤامرة فبرنارد هنري ليفي في كتابه (الحرب دون أن نحبها) اعترف بنفسه عن حجم المؤامرة في ليبيا!! عندما كان الإعلامي رئيسا للتحرير كتب: (لماذا يختار المواطن مرشح الإخوان ولماذا ينتصر المصريون للإخوان.. ينتخب المواطن الإخوان لأنهم لم يرشحوا فاسدا ولاناهبا للبنوك ولا سارقا لقوت الناس ولا من شاركوا في بيع ثروة مصر ولا مستبدا ولا عابدا منافقا للرئيس ثم يرفعون رئيسهم لمصاف الأنبياء والآلهة!! كان الاختيار بين جمال وعصام العريان فمن حق الناس أن تختار العريان، ويقول للبلتاجي: «أنتم وحدكم أمل هذه الأمة ومن ثم وجب عليكم أن نستفزكم لفعل شيء لأجل هذه الأمة»!! «جماعة يتصارع فيها حب البقاء مع حب الوطن والخلق القويم»!! أما تعرية سيدة المنيا بعد دولة القانون 25 30 فمصر بأثرها دثرتها، وبينما نتبادل العزاء والأحزان في شهدائنا ونقول البقاء لله والبقاء أيضا لمصر متربعة فوق عرش الخلود.