قررت باليومين الماضيين ألا أكتب شيئاُ عن الفيلم وتداعياته لحين اكتمال بعض من الرؤية عندي لأن الوضع لا يحتمل تفلسف أو فتي…وعندما بدأت في الاكتمال بدأت… لا أحد ينكر أن المؤامرة والحرب فنون ولهما ضروب وصنوف، وأن المؤامرة أشبه ما يكون ببروتوكول متبع في السياسات العالمية لإثبات وتحقيق الذات وهي بإيجاز صراع من أجل الوجود ولايستطيع أحد أن يغمض عينيه عن حقيقة صارت جلية وهي أن المؤامرة ستزداد على الوطن العربي خاصة بعد ثورات الربيع العربي… ولكننا يجب أن نجتمع أيضا على أن المؤامرة ليست شماعة لإخفاقاتنا وأن نجاح أي مؤامرة بتكرار نفس ملامحها وعناصرها ترجمته الوحيدة أن الطرف المتأمر عليه سمكة سهل اصطيادها… وهذه السطور المخصصة للحديث عن الفيلم وتداعياته ليست لإثبات أننا ضحية مؤامرة – ولاسيما مع تزامن هذه الآحداث مع ذكرى الحادي عشر من سبتمبر- وليست أيضاً للكفر بفكرة المؤامرة وتنحيتها جانباً بل هي مجرد تناول لزاوية من زوايا موضوع مقصدنا الأساس منه أن نتعلم حتى لانظل في الفخ…وما غاب عن هذه السطور سيحضر في أخرى… نحن في بلاد العرب والمسلمين ، اخترعنا في العقود الأخيرة فن جديد أو ( طُعم جديد) ليسهل اصطيادنا به أو جرنا به إلى الفخ… هذا الفن في غاية المتعة للغرب وممكن تصنيفه أنه fantasia لكن عند كل ذي لب ماهو إلا black comedy أو Tragedy. بلغة أهل هوليود يُسمى star making أي صناعة النجم. وأصبح المسلمون والعرب والمصريون يجيدونه بجدارة ودون أن يكلف الآخر شيئاً بل كله (ببلاش) وممكن أيضاً أن ننفق عليه مالاً ودماً وأحيانا تصير جثثنا سلماً لصعوده للنجاح وبئراً لنا نسقط فيه للهاوية…لا أعلم هل هذا من التفاني والإيثار أم من التكاسل والاستهتار؟ نحن من صنعنا الحضارة ونقلها العالم عنا والآن نصنع الانحدار ليتفرج العالم علينا!!! في عام 1989 بإيران، أصدر الخوميني فتوى بهدر دم سلمان رشدي لنشره رواية سنة 1988 أدت إلى ضجة كبيرة في دول العالم الإسلامي لتعرضه فيها لشخص الرسول بالتطاول والاسفاف مستغلاً بعض روايات صحيح البخاري. وفي نفس العام فشلت محاولة لاغتياله بواسطة كتاب مفخخ، حاول تمريره عنصر من حزب الله فانفجر الكتاب بشكل مبكر مما أدى إلى مقتل الأخير. وأعلن خاتمي في أغسطي 2007 أن فتوى الخوميني لا تزال سارية وغير قابلة للتعديل وقبلها بشهر منحته ملكية بريطانية لقب فارس…لكن الآهم أن استعظام الصغير أدى إلى أن الرواية وزعت ملايين من النسخ وتم ترجمتها للغات عدة… وعندنا في مصر، تحولت نوال السعداوي إلى بطلة البرامج الحوارية.عندما تخطت حدود الإبداع والحرية الفكرية وتحولت إلى مصدر ترويجي لأفكار مرفوضة تمس عصب العقيدة الإسلامية مثل قولها أن "الطقوس المستخدمة في الحج تعد من بقايا الوثنية" بالإضافة إلى روايتها (الإله يقدم استقالته) الممنوعة من النشر في مصر. أما الدنمارك فهي ليست عننا ببعيدة جغرافيا أو زمنيا، فلا أحد ينسى ما جرى بها بالربع الأخير من عام 2005، فبفضل مجهود المسلمين والعرب الترويجي و التسويقي لرسوم سفيهة،تحول صحفي مغمور وجريدته المديونة التي لاتذكر على خريطة توزيع الصحف إلى مصدر لأخبارالإسلام والمسلمين… لا أستهين من مشاعرنا ولا أقلل من واجبنا تجاه الحبيب أو انفعالاتنا الطيبة … لكني أتساءل بجنون ما الحكمة في أن آتى بصورة قد رسمها مجنون للاستهزاء بأبي وأنشرها وأكتب تحتها باكية بابا حبيبي ؟ ورغم كل ذلك لم نعتبر بل تصيدنا طُعم سام ألقاه لنا هذا الموريس اللاصادق وأقصد ب(لنا)المصريين ثم المسلمين…حقيقة لا أعلم كيف كان مستشارا تحت ميزان العدل؟! فوالله فهذا المخلوق المٌتبرئ من مصريته والمتنازل عن جنسيته والمٌتبرأ منه مصريا ومسيحيا ما ذُكر اسمه في حضرة أي مسيحي عاملاً كان أو مفكرا إلا وتبرأوا منه…فتاريخه حافل بمحاولات لتقسيم مصر جغرافيا ومجتمعيا…فتارة يطلب من أمريكا منع المساعدات عن مصر بسبب ادعاء اضطهاد الأقباط ، وتارة يسعى لرسم خريطة لتقسيم مصر شمالا لمسلميها وجنوبا لمسيحيها…وبعد فشل محاولاته لجأ لفيلم قصير حقير ليكون بوقا للفتنته… فيلم يبدأ بطبيب مسيحي يستغيث من مجموعة من صاحبي المظهر السلفي الذين يعتون شرا ويقتلون المسيحيين ويدمرون ممتلكاتهم..فينتقل لمنزله ويقول لزوجته ( قبضت الشرطة المصرية المسلمة على 1400 مسيحي للتستر على المسلمين) ثم يشرح لها أن الإسلام = الإرهاب… وبما أنه يعلم أن باطله هذا لن يكون فتيل فتنة…فلم يجد إلا من هو أحب إلا كل المسلمين من أنفسهم ليتحدث عنه كذبا ليصل بالمسلمين لقمة الاستفزاز ومن ثم تنفلت مشاعر المسلمين ويفقدون السيطرة على ردود أفعالهم… فأنتج فيلما مفلسا لا تعرف أي من مؤسسات صناعة السينما ولا القائمون عليها عنه شيئا، حتى ممثلو الفيلم صرحوا أن السيناريو والحوار لم يُذكر بهما كلمة محمد وأنه حدث إحلالا لمعظم الحوار… وبما أننا لم نتعلم خطفنا الطعم …ووقعنا مجددا في الفخ… فغضبنا ولا ألوم على أي غضب سلمي احتجاجي… فغضبنا…فرفعنا الفيلم على يويتوبً تشانل باسم (مرصد اسلامي)… فبدلا من وأد الباطل نشرناه وروجناه وسوقناه… فحققنا له أعلى مشاهدة حتى أهل البلد التي خرج منه الفيلم لم يعرفوا عنه شيئا إلا مننا أهل مصر… فتعاطفوا معنا شعبا وحكومة… لكن سرعان ما قتلنا التعاطف وقتلنا رجالاً منا ورجالا منهم… فثورنا فجولنا فعُميت أبصارنا عن الطريق السليم… فنزلنا فضربنا فقتلنا فأضاعنا حقوقنا واتهمنا نفسنا بنفسنا أننا لسنا لا إسلام ولاسلام… وصرنا من عاقل مسالم مظلوم منجى عليه… إلى غافل مجرم ظالم جاني… ومع نهاية الفيلم الصغير واستمرار الفيلم الكبير لازال اسم موريس صادق يستمر وينتشر ويتوغل وتعيش أمريكا في دور الضحية بأيدي إسلامية…مصرية وليبية وسودانية ويمنية وتونسية… لا أجد أبلغ من كلمات سيدنا عمر بن الخطاب ختاماً وإيجازاً لما قلت… ( أميتوا الباطل بالسكوت عنه ولاتثرثروا فيتنبه الشامتون) وللحديث بقية في نفس القضية …