عاد الهدوء إلي المدينةالأمريكية فيرجسون، بولاية ميسوري، بعد التوتر الذي استمر 11 يوماً متتالية، ولكن بقيت جريمة اغتصاب أمريكا لحقوق «السود» وصمة في جبينها بعد مقتل براون المراهق الأسمر، الذي يبلغ من العمر 18 عاماً علي يد شرطة مدينته مطلع الشهر الحالي، الحادث أثار موجة من الغضب العارم والاضطرابات التي اجتاحت شوارع 90 مدينة حتي وصلت إلي أطراف نيويورك وأدت إلي فرض حظر التجوال من قبل سلطات المدينة. العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية؛ وبما فيها الأمريكية اعتبرت الحادث جريمة عنصرية أظهرت الوجه القبيح لإدارة الديمقراطيين الذين وثقوا بها بعد التجربة المريرة مع الجمهوريين في حرب العراق والمستنقع الأفغاني. وتوالت ردود الفعل الدولية علي هذه الواقعة، حيث اتهمت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية و"واشنطن بوست" الأمريكية، وسائل إعلام بلاد العم سام بمعاونة إدارة الرئيس باراك أوباما ودعمها في نهج سياسة التعتيم الإعلامي وقمع الحريات وتقييد حرية التعبير. وقد استخدمت شرطة ولاية ميسوري قنابل الغاز والرصاص المطاطي لمواجهة الاحتجاجات التي تصاعدت علي الرغم من حظر التجوال المفروض علي الولاية. واندلعت التظاهرات أيضاً تضامناً مع متظاهري "ميسوري" في مدن أتلانتا وميامي ولوس أنجلوس وسان دييجو وفيلادلفيا وواشنطن، حتي وصلت إلي نيويورك، خرجوا رافضين دعوات أوباما بالهدوء والعودة إلي المنازل مرددين شعارات "ارفعوا أيديكم أعلي.. وسلمية التظاهر"، و"عزيزي أوباما لن نصمت بعد الآن". فيما حمل آخرون شعارات تقول "إن إيدينا خاوية ومرفوعة أمامكم فلا تطلقوا النيران" وشعارات أخري مثل " لا عدالة، لا سلام"، و"أوقفوا القمع وحاكموا المجرم". وانتقدت الصحيفتان، ما نفذته الشرطة الأمريكية من عمليات اعتقال للصحفيين والمراسلين أثناء تغطيتهم للتظاهرات مما يعيد البلاد إلي سنوات القمع مرة أخري. وكان من بينهم "وريان رايلي" من "هفنجتون بوست" الأمريكية و"ويزلي لاوري"، أحد المعتقلين الذي كان يرتدي شارة الصحافة، حيث نشر الأخير تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قال فيها إنه يمكن للشرطة الأمريكية ونحن في عام 2014 أن تعتقلك وتسجنك ثم تتركك وكأن شيئا لم يكن." وما أثار الرأي العام أيضاً تكتم الشرطة الشديد حول هوية واسم الضابط الذي قام بإطلاق الرصاص علي براون مدعين أنه قد يعرض حياته للخطر. إلا أنه بعد ضغوط كشف رئيس شرطة المدينة، توم جاكسون، في مؤتمر صحفي، عن الضابط "دارين ويلسون". وعلي النقيض، أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة (CBS) الأمريكية إلي الانقسام والعنصرية الحادة في رد الفعل إزاء تعامل الإدارة الأمريكية مع الأحداث. ورغم ذلك دعم 60% من الأمريكيين من أصل أفريقي أوباما ممن شملهم الاستطلاع وأعلنوا رضاهم إزاء سياسته بينما أعرب 39% فقط من البيض عن عدم رضاهم. كما ظهر الانقسام العنصري في ردود فعل الأمريكيين سواء من أصل أفريقي أو البيض تجاه سياسة حاكم ولاية ميسوري "جاي نيكسون" خلال الأحداث خاصة بعد إعلانه حالة الطوارئ واستدعاء قوات مكافحة الشغب في الولاية من أجل السيطرة علي أعمال العنف التي اندلعت هناك. حيث رأي أكثر من نصف الأمريكيين من أصل أفريقي أن انتشار قوات الشرطة زاد من تدهور الأوضاع في الولاية بينما أعرب ربع الأمريكيين السود فقط ممن شملهم الاستطلاع عن رضاهم إزاء الإجراءات التي اتخذها حاكم الولاية. فيما أكدت صحيفة الإندبندنت أن العنصرية بدأت تطفو علي السطح مجدداً، وبدأ يظهر كذب المجتمع الأمريكي المليء بمشاعر الحقد والكراهية، حيث كشفت الصحيفة عن منظمة "فرسان الإمبراطورية الجديدة" في الولاياتالمتحدة، التي تطالب رجال الشرطة من البعض بتصفية الزنوج، ومن ثم تطهير الأراضي الأمريكية منها، وتشن المنظمة حملة دعائية منذ الشهر الماضي تزعم من خلالها أن 90% من الجرائم في البلاد يرتكبها السود، واتهمت المنظمة رجال الشرطة البيض بالتخاذل والجبن، علي أساس أنهم لا يلاحقون السود. في حين أعلنت المنظمة المتطرفة المعادية للسود عن منح جائزة مالية ضخمة للضابط الأمريكي المتهم بقتل براون. وتوضح الصحيفة أن تلك المنظمة المتطرفة تعد بمثابة امتداد لمنظمة "كو كلوكس كلان" KKK العنصرية البيضاء التي كانت تمارس الاعتداءات الوحشية علي السود في مناطق الجنوب الأمريكي، ووصف الموقع الرسمي لمنظمة " فرسان الإمبراطورية الجديدة" الشاب القتيل براون بأنه مجرد واحد من السود الأشرار. ومن ناحية أخري، كشفت المنظمة عن بدء حملة لجمع التبرعات لصالح الضابط المتهم، علي أن يكون أقل تبرع 6 جنيهات استرليني أو 10 دولارات وزعمت المنظمة أن المساعدات ترمي إلي دعم الضابط "دارين ويلسون" الذي قام بواجبه تجاه واحد من الزنوج المجرمين. بينما رأت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أن موجة الغضب والعنف التي اجتاحت مدينة فيرجسون تسببت في انقسام في المجتمع الأمريكي. ولفتت الصحيفة الفرنسية إلي أن هذه الأحداث التي تشهدها المدينة قضت علي آمال أولئك الذين اعتقدوا بسذاجة أن انتخاب أول رئيس أسود في تاريخ الولاياتالمتحدة سيدخل البلاد في حقبة ما بعد العنصرية، ولكن بعد خمسة أعوام ونصف من انتخابه بالبيت الأبيض، وجد أوباما نفسه في مواجهة قضية العنصرية. وتشير الصحيفة إلي أن أوباما حاول التعامل مع هذه المسألة بأقصي درجات الحذر، فقد كان حائرًا بين الرغبة في الاستجابة لمعاناة المجتمع الأمريكي من أصل أفريقي وبين أن يكون رئيسًا لكل الأمريكيين، ويتهم العديد من المراقبين، لاسيما في مجتمع السود، الرئيس أوباما باللامبالاة في تقييمه للأحداث بفيرجسون وشدة التوازن في إدانته لتجاوزات قمع الشرطة وللنهب والعنف الذي ارتكبه جانب من المتظاهرين. وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان في العالم، الشرطة الأمريكية بالتوقف عما وصفته بترهيب المحتجين علي مقتل براون، حيث قامت بتوجيه البنادق صوب المُحتجين السلميين، ونشر ناقلات جنود عسكرية مدرعة، واستخدامها لقنابل الغاز المسيل للدموع، وإطلاق رصاص مطاطي علي المتظاهرين، واحتجاز صحفيين يقومون بتغطية الأحداث. وكذبت المنظمة رواية الشرطة الأمريكية للحادث، وأوضحت أن الشرطة هي التي أطلقت الرصاص علي الفتي المراهق أثناء سيره نحو بيت جدته برفقة صديقه، دوريان جونسون. صحيفة «ديلي دوت».. قالت إن المواجهات التي شهدتها فيرجسون.. ثم امتدت لميسوري كلها، لاتقل عن مواجهات غزة والضفة الغربية، ومناطق صراع أخري في: بنجلاديش والمكسيك وتايلاند وكينيا، بل وذكرت العالم بما حدث في بعض بلدان الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن، وبميادين شهيرة مثل: التحرير وشوارع البحرين وشوارع العاصمة الأوكرانية «كييف» وماحدث فيها من وقائع واستخدام مفرط للمولوتوف والقوة المفرطة للشرطة، بل والمطالبات الدولية بضبط النفس من جانب الشرطة، تجاه المتظاهرين المحتجين، والتي تكررت بعد أحداث ميسوري، بعد أن أدانت الأممالمتحدة علي لسان أمينها العام بان كي مون، ماحدث هناك، بالإضافة لإدانات واضحة، ومطالبات بضبط النفس، من بلدان مثل: مصر وسوريا وإيران، وغيرها. وعلي المواقع الاجتماعية علي شبكة الإنترنت، انتشرت المطالبات ضد القوة المفرطة في أمريكا، وانتشر هاشتاج شهير. وبشعار الأيدي المرفوعة، في إشارة للأيدي المرفوعة لأهالي فيرجسون المحتجين الذين طالبوا الشرطة بعدم إطلاق النار أو الغاز المسيل للدموع عليهم أثناء تظاهراتهم السلمية، وفي إشارة لمايكل براون، الذي زعمت الشرطة، أنه من بادر بمحاولة سرقة السلاح من الشرطي الأبيض، والهجوم عليه، مما اضطر الشرطي لقتله في النهاية! أما مجلة (فورين بوليس)، فقد ركزت علي القوة المفرطة لرجال الشرطة، خلال الاضطرابات وإعلان الطوارئ وحظر التجوال من منتصف الليل وحتي الساعة الخامسة صباحا واستدعاء الحرس الوطني، وتوقيف الصحفيين المتابعين للأحداث لحجب الحقيقة. وقالت صحيفة «ديلي دوت»، إن تكلفة ضابط الجيش الأمريكي ضد المتظاهرين تصل به وبمعداته لنحو 1524 دولارا أمريكيا.. أي مايوازي عشرة آلاف جنيه مصري. وذكرت الأحداث في ميسوري.. الأهالي بوقائع مماثلة أولها: أن الأحداث وللصدفة - كانت علي بعد أميال قليلة من قبر «دريد سكوت»، أحد العبيد الأفارقة الذين كافحوا لنيل حريتهم، ولم ينلها وكانت مطالبته تلك في الولاية الجنوبية ميسوري ذات الأغلبية السوداء. سببا في اندلاع الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، ثم إقرار مبدأ في الدستور الأمريكي بحقوق السود الكاملة، تماما مثل البيض الأمريكان. وثانيها: ماحدث في ولاية فلوريدا في فبراير عام 2012 للشاب «تريفورمارتن»، وثالثها: ما سبقها في عام 1992 عندما برأت المحكمة 4 رجال شرطة، من تهمة ضرب سائق دراجة نارية أسود. وهو ما أدي لاندلاع المظاهرات الدامية وقتها، في لوس أنجلوس وسقوط 51 قتيلا، في حادثة مأساوية. ولسخرية الأقدار.. جاءت الأحداث الأخيرة، في بلد يدعي احترام حقوق الإنسان، وأنه حامي حمي حقوق الإنسان، في العالم كله، بل أصدر آخر تقرير حول حالة حقوق الإنسان، في العالم وبالتحديد في 200 دولة، قال التقرير إن هناك العديد منها ما اسماه: سجلات سيئة لحقوق الإنسان. ويضاف لذلك.. انتهاكات أخري لأمريكا ضد حقوق السود والأقليات الأخري التي تعيش فوق أراضيها، وعدة ملاحظات كان أبرزها ما قام به العميل الأمريكي السابق سنودون.. من تجسس أمريكا علي رسائل البريد الإلكتروني. والهواتف المحمولة لأمريكيين عاديين، والتجسس علي مواقع التواصل الاجتماعي مثل: الفيس بوك وتويتر، والتجسس علي قادة أوروبيين ومن أمريكا اللاتينية.. ومنهم حلفاء تقليديون لأمريكا.. ويضاف لذلك فضيحة الطائرات بدون طيار الأمريكية، التي تقوم بانتهاك سيادة الدول الأخري، وبقصف مواقع وأهداف مدنية، يروح من ضحاياها الكثير من المدنيين، بدعوي محاربة الإرهاب، والجماعات المتطرفة، في العراق وسوريا واليمن، وجنوب الصحراء الأفريقية. كل ذلك.. دعا عددا من الدول حول العالم.. لإدانة ماحدث في فيرجسون، وكان الموقف المصري جديدا هذه المرة، فلم يعرف تاريخ حقوق الإنسان في مصر حدثا مثل التحقيق في مقتل عدد من المتظاهرين السلميين في أمريكا، وكانت أقصي المشاركات المصرية الخارجية قبل ذلك فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان في أمريكا.. هي المشاركة في مراقبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية هناك، وذلك ضمن برنامج أعدته أمريكا لمجرد التفاخر، بتجربتها الديمقراطية العريقة، فيما يتعلق بإجراء الانتخابات بين أكثر من منافس. ولأول مرة يتحرك المجتمع المدني المصري ومنظمات حقوق الإنسان من أجل حقوق الإنسان الأمريكي في إشارة تثير الانتباه إلي أن مصر الجديدة ليست دولة رد فعل ولكنها ستتحول إلي دولة فعل وأنها ستستخدم حقا دوليا لطالما أهملته لعلاقتها بالولاياتالمتحدة في السابق كما تؤكد أنها مؤمنة بذات المبادئ وذات الدور الذي وضعته أمريكا لنفسها وأن مصر الجديده ستراقب حاله حقوق الإنسان في العالم وهو ما كشفه الموقف الرسمي عبر وزارة الخارجية والموقف الحقوقي الذي عبر عنه مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية الذي قرر تشكيل بعثة حقائق لتذهب للولايات المتحدة من أجل التحقيق في أحداث ولاية فيرجسون، وقالت داليا زيادة مديرة المركز إنها رسالة للرئيس الأمريكي باراك أوباما حثته فيها علي ضرورة توقف قوات الأمن الأمريكية عن الاعتداء علي المتظاهرين من أصول أفريقية وأن تتوقف عن الممارسات العنصرية المتخذة ضدهم. وأضافت أنها أرسلت خطاباً مماثلاً لوزير العدل الأمريكي بنفس المعني كما تواصلت مع عدد من المنظمات الأمريكية التي تتابع الوضع هناك من أجل التعاون والتنسيق مع البعثة التي سيرسلها المركز بالإضافة إلي التواصل مع حملة مايكل براون أول قتيل في الأحداث المشتعلة هناك من أجل التصعيد ضد ممارسات الولاياتالمتحدة مشيرة إلي أن هذه ليست المرة الأولي التي يقوم بها المركز في أمريكا ولكن سبقها خلال أول العام مهمة أخري تتعلق بكشف علاقة الإخوان بالإدارة الأمريكية الحالية. وبحسب زيادة فإن الشرطة الأمريكية ضربت عرض الحائط بالشعارات والنصائح التي كانت توجهها لمصر التي تحث قوات الأمن المصرية علي عدم العنف مع المتظاهرين لافتة إلي أن الشرطة الأمريكية تواجه متظاهرين سلميين حقيقيين، بينما واجهت الشرطة المصرية مسلحين ومتظاهرين لا يعترفون بالسلمية وينتمون لتنظيم إرهابي.. وأثارت أحداث العنف الأمريكية، ردود فعل دولية واسعة، بينها دول انتقدتها الإدارة الأمريكية في السابق، بدعوي «استخدام القوة» ضد المحتجين. وبرز ضمن ردود الأفعال الدولية، بيان أصدرته وزارة الخارجية الإيرانية، أعربت فيه عن قلها إزاء ما وصفته ب»الممارسات القمعية ضد السود في أمريكا»، واعتبرت المتحدثة باسم الوزارة، مرضية أفخم، أن قمع الاحتجاجات الشعبية مؤشر بارز علي انتهاك حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة.. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن المتحدثة، باسم وزارة الخارجية دعوتها الحكومة الأمريكية، بصفتها عضو في معاهدة ولجنة حظر كل أشكال التمييز العنصري، للالتزام ببنودها، مضيفة أن التمييز الممنهج ضد السود، من قبل الشرطة والجهاز القضائي في أمريكا، وقمع الاحتجاجات الشعبية، التي حصلت إثر الأحداث الأخيرة، مؤشر بارز لانتهاك حقوق الإنسان والملونين في أمريكا، التي تبادر حكومتها سنوياً إلي إصدار العديد من التقارير عن انتهاك حقوق الإنسان في الدول الأخري.. وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة، إن الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين في مدينة فيرجسون الأمريكية تعيد للأذهان العنف العنصري الذي تولد عن التفرقة العنصرية في بلدها جنوب أفريقيا.. وشهدت الاحتجاجات سلسلة من الاعتقالات وقامت الشرطة الأمريكية باعتقال 47 شخصا، وصادرت ثلاث قطع سلاح في مدينة فيرجسون.. ودعا مشرعون أمريكيون إلي الهدوء وإلي تغيير أساليب الشرطة في التعامل مع محتجين بضاحية فيرجسون في سانت لويس التي هزتها اشتباكات وأعمال شغب بعد احتجاجات علي مقتل شاب أسود غير مسلح برصاص ضابط شرطة أبيض قبل عشرة أيام.