وسط ضجيج تحسن المؤشرات الاقتصادية الذي تعلنه الحكومة.. تجد الحكومة نفسها هي التي تعلن عن وجود 10 ملايين طفل فقير »عن تقرير مشترك مع الأممالمتحدة».. وهو ليس فقراً عادياً بل فقر متعدد الأبعاد كما أسماه التقرير، يعني فقراً في كل شيء في التعليم والصحة وخدمات المياه والصرف الصحي والمسكن والمأكل والملبس، وطبعاً الصعيد دائماً يتفوق في مؤشرات الفقر عن باقي المحافظات.. حيث بلغت نسبة فقر الأطفال في الصعيد 32٪.. وعلي الرغم من أن وزارة التضامن الاجتماعي هي نفسها التي أعلنت هذا التقرير إلا أنها لم تعلن عن برامج لمواجهة هذه المشكلة.. ومن الطبيعي أن بعضاً من هؤلاء الأطفال لديهم أسر فقيرة أيضاً.. ولا أعلم هل المؤشرات الاقتصادية التي تري الحكومة من جانبها أنها إيجابية والمتمثلة في ارتفاع معدل النمو وخفض معدل التضخم، الذي لا أحد يري آثار هذه المؤشرات سوي الحكومة وحدها.. فمتي تصل هذه المؤشرات للناس عموماً وتمحو آثار الفقر الذي وصفته التقارير الحكومية الرسمية بأنه فقر في جميع مناحي الحياة. وهل تكفي الجنيهات البسيطة التي تمنحها الحكومة في صورة معاشات تحت مسميات متعددة منها تضامن أو تكافل أو كرامة لتوفير حياة كريمة للفقراء وذلك ضمن قاعدة بيانات تضم 15 مليون فقير في البلاد، وفقا لإحصائيات الحكومة الرسمية، التي أعلنت أن لديها قاعدة بيانات للفقراء تدرس من خلالها توفير حياة كريمة لهم.. ورغم ذلك فهم لا يزالون تحت خط الفقر.. فمتي تصل الحكومة لهم، وطبقاً لإحصائيات الحكومة أن المستهدف 3 ملايين أسرة فقيرة في برنامج الحماية الاجتماعية لديها. واستطاعت أن توفر حماية اجتماعية ل1.5 مليون أسرة فقط. وتجد الحكومة نفسها هي التي تشمر عن ساعدها وتعقد الاجتماعات المهمة لتوفير الوجبة المدرسية لطلاب المدارس الحكومية، وهي نفسها التي تعلن استحالة توفير هذه الوجبة في النصف الأول من العام الدراسي وتقرر تأجيله للنصف الثاني من العام!! وعلي الرغم من أن هذه الاجتماعات المهمة تعقدها الحكومة منذ الإجازة الصيفية برئاسة رئيس الوزراء شخصياً، وهي أيضاً التي تعلن أن هذه الوجبة ستجذب العديد من الأطفال الفقراء للعودة للذهاب للمدرسة، بعدما كشفت التقارير الصحية إصابة ملايين الأطفال بفقر الدم من جراء سوء التغذية. وتنتشر علي صفحات الجرائد والمجالات استغاثات لعلاج أطفال من أمراض بعضها يتطلب علاجه مبالغ لا تعد بالكثيرة تصل في أقصاها إلي آلاف بسيطة، والبعض الآخر يطلب توفير مأوي أو مسكن متواضع وغيره من حالات إنسانية حلولها ليست بالصعبة لو احتوت الحكومة هذه الفئات الفقيرة سواء كان فقراً مدقعاً كما أعلنه التقرير أو فقراً متوسطاً لما وصلت إليه هذه الحالات. وصحيح أن التقرير لم يكشف عن طبيعة انتماء هؤلاء الأطفال لأسر بعينها أو أنهم من أطفال الشوارع أو المشردين، لكن الوصول إليهم ونشر أعدادهم بهذه الدقة شيء يخجل الحكومة حقاً لأنها استطاعت أن تصل إليهم وتفحص حالتهم بمنتهي الدقة طبقاً لهذه الإحصائيات. فماذا تنتظر الحكومة حتي توجه إليهم العناية والرعاية المحترمة والكريمة، خاصة أن هؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين يوم وحتي 17 عاماً. ويؤكد التقرير أنهم أيضاً يفتقرون للخدمات التعليمية.. يعني يحاصرهم الفقر والمرض والجهل.. لأنهم بالتأكيد يتسربون من التعليم. وعلي فكرة الحكومة تعلن المؤشرات الصادمة في الفترة الأخيرة للفقر من خلال جهاز التعبئة العامة والإحصاء ولكنها في الوقت نفسه لا تتحرك لكبح جماح الفقر وتنعقد اللجنة الوزارية للعدالة الاجتماعية برئاسة رئيس الحكومة، والتي تتباها بلجان الحصر وأرقامها وبحثها.. وبين اجتماعات اللجان هذه وتلك فقراء يزدادون ويموتون جوعاً ومرضاً.