الآن على شباب الألتراس فى جميع الأندية أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية والأدبية والوطنية فى صياغة وطن جديد بلا تعصب أو عنف أو طائفية أو قهر، وطن يحترم آدمية الآخر حتى ولو اختلفنا فى الدين والفكر والعقيدة أو الانتماء للأندية، فالتعصب يقود إلى العنف والعنف يقود إلى الهمجية والهمجية تعيد البلاد إلى الخلف وتدفعنا إلى الانشغال فى توافه الأمور والانصراف فى هذه المرحلة الهامة والدقيقة عن بناء الوطن سياسيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا لتُخطف منا البلاد لفئة واحدة تكفِّر الرياضة والفن والثقافة وترى الحياة من منظور واحد وأفق ضيق. فبقدر ما جاءت كارثة استاد بورسعيد مفجعة ومفزعة وأُزهقت فيها أرواح بريئة، وبقدر ما يتحمل الأمن جزءا كبيرا من المسؤولية فى عدم تأمين الجماهير، خلقت جماهير الألتراس فى الأندية البيئة والمناخ والظروف التى مهدت لوقوع الكارثة، فلولا التعصب الأعمى والتشجيع المتطرف لما صار هذا العداء الغبى بين الجماهير وتربص بعضها ببعض وتدبير الحِيَل والخطط والمؤامرات للانتقام. ولا يخفى على أحد أن العداء وصل من العنف ذروته بحرق أحد المشجعين بعد مباراة لكرة السلة بين الأهلى والزمالك وإشعال النيران فى أوتوبيس المشجعين ثم الواقعة الأخيرة باحتجاز بعض الجماهير رهينة بعد مباراة المصرى والاتحاد وهو ما هدد جماهير الإسكندرية بالرد عليه بعنف، والأغرب من ذلك بيانات الحرب المتبادلة على صفحات «فيسبوك» بين جماهير الأندية والغريب أن جماعات الألتراس انتشرت فى جميع الأندية والمحافظات وباتت هى النشاط الأساسى للشباب وهو أمر قد يكون مقبولا فى العهد البائد حيث كانت هناك خطة منظمة من النظام الحاكم لشغل الناس فى شؤون تافهة حتى ينصرفوا عن قضاياهم الهامة وينشغلوا بينما البلاد يتم السطو على مواردها وأراضيها لحفنة من اللصوص. عشنا فى عهد كان الكلام فى السياسة حراما، والمطالب بحقه مصنفا على أنه مشاغب ومتآمر ومموَّل من الخارج وصاحب أجندة خاصة للنيل من استقرار البلاد، وكما زرعوا بذور الفتنة الطائفية ودفعوا الناس إلى قتل بعضهم البعض بسبب التأسلم أو التنصّر وجدوا فى جماهير الأندية وشباب الألتراس ضالتهم من أجل شغل المجتمع بنزاع جماهيرى تُستخدم فيه كرة القدم كوقود للعنف والفُرقة والتشتت، لذلك كان من المهم جدا إذكاء روح التعصب وقهر هذه المجموعات وضربها وإذلالها على بوابات الاستاد حتى تنتقل من التشجيع إلى الشغب فالتعامل الأمنى العنيف والمتطرف فى مواجهة الألتراس كان مدروسا ومنظما وصاحبَتْه حملة إعلامية مضللة على أن هؤلاء الشباب من عبدة الشيطان ومدمنى خمر وشواذ وغيرها من الاتهامات التى تم إنتاجها كى يزيد الشباب فى عنادهم وغضبهم وعنفهم بعضهم تجاه بعض، فتوجيه الحماس والغضب والكراهية فى كرة القدم كان مقصودا منه استنفاد الطاقة الجبارة والخلاقة التى يتمتع بها هذا الشباب وتوجيهه بعيدا عن أنظار سارقى البلاد وحكامها وورثتها. ولكن الآن الوضع تغيّر أو لنقل إنه فى طريقه للتغير والفرصة باتت واسعة كى يشارك شباب الألتراس فى بناء مجتمعهم والمشاركة السياسية فى صياغة مستقبلهم ومستقبل البلاد ومن ثَم فإن عنادهم أو استمرارهم فى التشجيع المتعصب لم يعد له محل من الإعراب وإهدار للوقت والجهد واستنفاد للطاقة، ويتعين على هذه الجماعات الآن أن تتوحد وتعلن حلَّ نفسها وتتوجه إلى العمل السياسى فأداؤها التنظيمى وتجدد أفكارها وخيالها الواسع يؤهلها لأن تكون قوة سياسية تستطيع أن تشارك فى بناء دولة مدنية حديثة. لقد كانت النهاية مأساوية، فسقوط 74 شخصا بسبب مباراة كرة قدم أمر مفزع ومرعب، وإذا تركنا أنفسنا للانتقام والعنف فالدم لن يقف وعلينا أن نركز جميعا الآن ونضغط من أجل الكشف عن الجناة والاقتصاص منهم، بعدها يكون القرار الجرىء من هذا الشباب المخلص فى حل جميع روابط الألتراس.