علي هامش جولة الرئيس السيسي الآسيوية فإنه مهم القول بأن التقدم الاقتصادي والتكنولوجي ليس ما يجب ان يحظي باهتمامنا في هذه الدول وإنما الاهم هو الاستفادة الواقعية ايضا من تجاربها الناجحة في مكافحة الفساد وتقديس العمل والارتفاع بمستوي الخدمات. حول هذا الأمر أذكر أنني عندما زرت سنغافورة في اوائل التسعينيات القرن الماضي قال لي عدد من كبار مسئوليها الذين التقيت بهم ان محور نجاح دولتهم استند بشكل أساسي علي الانضباط والنظام. أضافوا أن هدفهم تركز وهم يخططون لمسيرة التقدم الاقتصادي والتكنولوجي بعد استقلال بلدهم عن الاتحاد مع ماليزيا - علي العمل بأن تكون رقم واحد في العالم في كثير من معالم التقدم والحداثة خاصة في مرافق الخدمات الاقتصادية. هذه القائمة ضمت المواني والمطارات والطيران وتحلية مياه البحر والنظافة والعمل علي توطين التكنولوجيا المتقدمة. لعل ما أثار انتباهي في مسألة ما تحظي به الاولوية من نظافة.. امتداد اللون الاخضر في كل أنحاء سنغافورة الي جانب فرض غرامة باهظة علي البصق في الشوارع ومضغ «اللبان» وعدم نظافة دورات المياه في الأماكن العامة من جانب مستخدميها. وفيما يتعلق بقضية إدارة الدولة التي حققت فيها سنغافورة نجاحا باهرا فالقواعد المطبقة تقضي بأن يحصل الموظف الحكومي حتي درجة الوزير علي الدخل الكافي الذي يجعله لا يمد يده للرشوة أو التقصير في عمله.. وفي المقابل فإن مصير المرتشي مهما كانت مرتبته الوظيفية هو الاعدام أو السجن المؤبد اذا ثبتت الإدانة. الشئ المثير في قوانين سنغافورة التي بها مجلس تشريعي منتخب هو ان الناخب مطالب بأن يكتب اسمه في بطاقة الانتخاب. بناء علي ذلك فان الحكم في دولة سنغافورة الناهضة التي لا تملك ثروة طبيعية ديكتاتوري ديمقراطي هدفه الصالح العام. اما من ناحية نجاح سياسة جذب الاستثمارات الخارجية التي ساهمت في نهضة سنغافورة الدولة التي لاتملك أي ثروة طبيعية فإنها اعتمدت علي تقديم التسهيلات والحوافز الخدمية التي كانت عاملا قاطعا في انطلاقها.. كان من نتيجة ذلك وصول الناتج القومي لهذه الدويلة التي لا يزيد سكانها علي خمسة ملايين نسمة الي ما يساوي عدة أضعاف الناتج القومي في دول يصل تعدادها لما يزيد عن 20 ضعف سكانها. ان ما يبهرك سماعه في كل مكان تزوره في سنغافورة هو تفعيل شعار.. «إننا بدأنا من حيث انتهي العالم». وبعد وصول سنغافورة لأعلي مراتب التقدم خاصة في المجال الاقتصادي فقد اصبح متوافر لدي رجال اعمالها فائض مالي يدفعهم للبحث عن مجال للاستثمار الخارجي.. وهو الامر الذي يعد ضمن اهداف زيارة الرئيس السيسي. اذا انتقلنا الي الجزء الخاص بزيارة الرئيس للصين غول الصناعة والاقتصاد علي مستوي العالم فإن اهم ما يمكن تفقده والاطلاع علي ما حققته من عائد اقتصادي هائل للاقتصاد الصيني.. تأتي المناطق الصناعية المتخصصة التي اصبحت مقرا لمئات الشركات العالمية. ان هناك شروطا أساسية للسماح لهذه الشركات بالعمل في الصين وبيع منتجاتها في السوق الصيني الذي يصل عدد مستهلكيه الي المليار و300 مليون نسمة. هذه الشروط تحتم نقل تكنولوجيا انتاج هذه الشركات للصين والقيام بتدريب العمالة المحلية التي يعد انخفاض اجورها عنصرا حافزا لهذه الشركات للمنافسة في خفض تكلفة منتجاتها. وتعد المواقف الحازمة التي تتخذها الدولة الصينية ضد الفساد والرشوة من اهم عناصر اقبال الشركات علي العمل في الصين. اذكر في هذا الشأن انني وعند زيارتي للصين عام 1985 لإجراء حديث صحفي مع رئيس وزرائها في ذلك الوقت «لي بنج» ان أعلن عن اعدام عمدة بكين لاتهامه بتلقي رشوة من شركة ماكدونالز الامريكية للاطعمة من أجل تسهيل اعمالها بالعاصمة الصينية. وحول تجربة الصين في اقامة المناطق الاقتصادية والصناعية فإنها اقدمت علي اقامة البنية الاساسية التي تضم المرافق داخل مدن كاملة تحت الارض. هذه المدن تم تجهيزها لتسمح لسيارات الصيانة باصلاح أي أعطال. نعم ان هناك دروسا كثيرة مستفادة من زيارة الدول الآسيوية التي اصبحت رمانة الميزان للاقتصاد والصناعة في العالم.. المهم هو تحقيق الفائدة المرجوة.