والعقوق هو خليط من النفور والغباء والتحدي تحدي النفس في غبائها وتحدي الآخرين المفترض فيهم الطاعة والعقوق كان في الزمن الماضي حالات نادرة وغالبا ما يقع العاق فريسة للفشل والدوران في دائرة مغلقة لا يخرج منها لأنها نفسه والنفس هنا أمارة بالسوء. وفي هذه الايام البالغة الصعوبة كثر العقوق مما ينتج عنه تصرفات شائنة تأخذ صاحبها إلي هلاك نفسه لا يدري به إلا بعد فوات الأوان حيث يدور وجدانه في دائرته الخاصة ويرسخ في ذهنه انه الصواب وان الاخرين هم الخطأ وفي ايامنا هذه كثر ايضا «الزهق» حيث اصبح اصحاب الولاية سواء الام او الاب او الرؤساء في العمل خاضعين لنفس الزهق والصبر النافد فتصبح النصيحة فالتة لا تخرج من القلب او العقل ويصبح العاق فريسة لنفسه التي تكون غالبا في حالة شقاق عن العقل وتزداد الامور تعقيدا كلما حاول المحيطون النصح فيصبح داخل العاق يموج بزهو النفس وانه علي صواب والعالم كله علي خطأ والعقوق ليس في الابناء فقط ولكنه موجود في العلاقات البشرية وبذرته هي الاعتداد بالرأي مهما كان خطأ.. وبتأملي للشارع المصري اصبحت أري عقوقا في كل شيء... بين الابناء والاباء وبين الابناء والمعلمين وهناك العقوق السياسي الذي يبدأ بالمعارضة وينتهي بشق الصفوف والوقوف امام التيار المصلح لا لشيء الا لمجرد المعارضة واثبات الذات!! والمعارضة الأمينة تختلف عن المعارضة لمجرد ركوب موجة ترفع المعارضة إلي أعلي وهو لا يعلم انها سوف تهوي به ويسقط سقوطا مدويا!! ولا تستطيع الأمهات أو الأباء هذه الايام الوقوف أمام سطوة الابناء وهنا يبرز الابتزاز العاطفي وتصبح ساحة الحياة مليئة بشحنات من الغضب تتصاعد وتخرج خارج نطاق البيت إلي الشارع. لهذا نلاحظ في مصر هذه الايام كثيرا من المناقشات التي لا طائل منها سوي اخراج شحنة من العقوق الاجتماعي لو صحت العبارة. سألت شابا عن احد قادة الرأي في بلادنا وهو رجل من العقلاء المعروفين بالحكمة فقال لي عبارة عجيبة - ده راجل صايع!! تعجبت هل يصبح الحكماء من الصيِّع؟ فسألته - لماذا يا ولدي؟ - لانه ليس لديه ما يقوله إلا النصائح القديمة البالية والاراء التي عفي عليها الزمن!! واسقط في يدي واحسست ان العقوق لم يعد كلمة في موضعها الاصلي بل خرجت لمضمون آخر يتناسب مع مقتضي احوالنا التي اصبح العقوق قاعدة والدخول في حوار الطاعة استثناء.... ويرحمنا الله من عقوق الزمن.. انه ذلك العقوق المملوء بالغضب والذي يحول الأخضر إلي يابس... ادعوا معنا ليبعد الله عنا عقوق الزمن.. بعد ان اصبح عقوق الابناء سمة العصر!!