تتمثل الوظيفة الرئيسية لأي حكومة في إدارة اقتصاد الدولة بأسلوب يضمن الاستمرار المأمول, وإنجاز أعلي مستوي من النمو الاقتصادي, الذي يهيئ بدوره مستويات عالية من الدخول. مما يترتب عليه توافر مستويات عالية من معايير جودة الحياة للمواطنين داخل الدولة, وعلي ذلك ينبغي علي الحكومة أن تكون منتبهة للأهداف الاقتصادية الرئيسية وهي: زيادة مستويات الناتج القومي الإجمالي(GDP). خفض مستويات البطالةUnemployment. خفض مستويات التضخمInflation. إحداث توازن في التجارة الخارجية للدولة بين( الصادرات والوارداتbalanceofTrade). وعلي ذلك نجد أن مشكلة البطالة من المشكلات الأساسية للحكومة, وحلها يتطلب احترام ومراعاة العوامل التي لا تقبل تأويلا أو تفسيرا, مهما تغيرت الحكومات أو الشخصيات. وأول هذه العوامل هو تعريف البطالة, فعلي الرغم من وجود تعريف دولي للبطالة صدر عن مؤتمر لخبراء إحصاءات العمل الذي تنظمه منظمة العمل الدولية, فقد دأب كثير من الحكومات في الدول المتقدمة والنامية علي تفسير هذا التعريف بما يتناسب مع أهواء وأهداف سياستها, أو المسئولين عن إصدار إحصاءات البطالة. ثاني هذه العوامل أن مشكلة البطالة لا تحل بين يوم وليلة, وإنما تحتاج إلي سنوات عديدة لحلها. كما أن دور الدولة في اقتصاديات السوق لا يتمثل في توفير فرص العمل فقط, وإنما في إيجاد المناخ المناسب الذي يشجع القطاعات الاقتصادية علي الاستثمار, وإيجاد فرص عمل جديدة. والمؤكد أن حل مشكلة البطالة لا يتحقق بقرارات وقتية, أو لإرضاء الجماهير الغاضبة, أو بالتركيز علي آلية أو سياسة جزئية معينة, وإنما يجب وضع سياسات متكاملة تشمل كلا من الاقتصاد الكلي والجزئي, فتعيين بعض العاطلين أو الخريجين الجدد في أجهزة الدولة, أو العودة إلي نظام الاستخدام المضمون الذي عرفته مصر في النصف الثاني من القرن الماضي قد يخفف من حدة البطالة السافرة مؤقتا, لكنه يتسبب في تفاقم مشكلتي البطالة المقنعة, والبيروقراطية. أما التركيز علي المشروعات التصديرية وعدم الاهتمام بإحياء وتنشيط السوق الداخلية يتسبب في الركود الاقتصادي, وبالمثل لا يحقق التركيز علي المنشآت الصغيرة والمتوسطة المساعدة في إيجاد فرص عمل كافية لاستيعاب الباحثين الجدد, هذا فضلا عن أنه من المعروف أن المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر منشآت تتأثر سريعا بأي ركود للاقتصاد, ولعل تنامي حالات الإفلاس التي أصابت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الدول المتقدمة نتيجة للركود, بل الكساد الذي تتعرض له اقتصاديا في الوقت الحاضر, خاصة تلك التي بدأت نشاطها خلال السنوات الخمس الماضية هو خير مثال لهشاشة تلك المنشآت. والعامل الخامس أنه بدون توافر أيد عاملة مؤهلة لشغل الوظائف التي تتطلبها سوق العمل, فإن مشكلة البطالة ستظل قائمة قد تقل أحيانا, وتزداد أحيانا أخري, ويعني هذا إعادة النظر في كل من المنظومة التعليمية والتدريبية, وهاتان المنظومتان تحتاجان إلي تغييرات جذرية, بل يمكن القول إنهما تحتاجان إلي ما يعرف في أدبيات الإدارة الحديثة بالهدم البناء. فالمنظومة التدريبية في مصر مثلا تحتاج لمثل هذا الإجراء الجذري, فهي منظومة مترهلة لم تتطور منذ الستينيات, ومبعثرة لا تنسيق بينها, ومخرجاتها لا تتماشي مع متطلبات سوق العمل.. كما وكيفا, والمقصود بالهدم البناء هنا هو تناسي المنظومة الحالية, بل وهدمها كلية ثم بناء منظومة جديدة, والشيء نفسه تحتاجه المنظومة التعليمية, خاصة أن سياسة خطوات التغيير الصغيرة تزيد في معظم الأحيان المشكلات تعقيدا بدلا من حلها.