هناك أدوار يؤديها الممثل علي الشاشة.. وينتصر عليها.. وهناك أدوار يقدمها الممثل باقتدار.. ولكنها تسيطر عليه.. وهناك أدوار يتعرض لها الممثل لأول مرة وتكون لشخصيات لم يعرفها من قبل.. ولكنه درسها وجمع كل عناصرها.. وقدمها علي الشاشة بصدق وبعدها يظل الممثل يصدق هذه الشخصية.. ولا تتركه.. وتظل معه طوال مشواره الفني.. لا تنساه.. ولا ينساها مهما تغيرت أدواره. ونجاحه في تقديم أدوار أخري.. ولكن هذه الشخصية لا تتركه.. حتي في حياته العادية.. تؤرقه.. وتعيش معه.. ويصعب الخلاص منها.. ويناديه الجمهور باسم هذه الشخصية. ولا أحد يريد أن يساعده علي الخلاص منها.. هي سعادة.. ولكنها قيد يعيش به الممثل من شخصياته الناجحة.. ولا يستطيع التغلب عليها والخلاص منها.. ولا يساعده الجمهور في التخلص منها.. فهو لا ينساها وينادي علي الممثل باسم الشخصية مهما طال الزمن.. علي تقديمها للجمهور!! فهناك مثلا الممثل الشهير أنتوني بيركنز. الذي فاقت قدراته كل تصور منذ فيلمه الأول.. سايكو.. الذي أخرجه هيتشكوك.. وقدم فيه شخصية الابن المعقد الذي تربطه بأمه علاقة غريبة أدت إلي اقتحام ذاته والسيطرة عليه تماما.. حتي إنه كان يتحدث بصوتها في لحظات سيطرتها عليه حتي بعد موتها.. ويرتكب الجرائم البشعة إرضاء لأمه التي ماتت ولكنها يعيش معها في فيلتهما.. هذه الشخصية كانت قريبة جدا من حياة الممثل أنتوني بيركنز.. كانت علاقاته الإنسانية في حياته العادية تلامس تلك العلاقة الغريبة في الثلاثة أفلام التي قدمها مع هيتشكوك من سلسلة أفلام سايكو والتي قدمها كلها بإقتدار وانتصر علي الدور الذي وضعه في قمة النجومية.. ولكن الدور هزمه تماما.. ويقال إنه أمضي بقية حياته بعد قيامه بهذا الدور أسيرا له.. منعزلا عن العالم.. تحيط به عناصر الدور من كل جانب في حياته.. وفي علاقاته حتي هزمه مرضه الذي اصابه بسبب هذا الدور المعقد.. وفارق الحياة..!! وهناك كثير من الممثلين.. يصدقون أدوارهم.. ويمارسون عناصر هذا الدور بعد أن ينتهوا من أدائه علي الشاشة.. دون أن يشعروا.. أو يشعروا ويجدون متعة نفسية في هذا التصديق.. منهم من يصدق أنه دكتور.. أو ضابط مباحث.. أو رجل أعمال خطيرا.. أو دون جوان عصره.. ويصل بهم التصديق إلي حد ممارسة حياة تلك الشخصيات في حياتهم العادية.. وتأتي تصرفاتهم غاية في الطرافة والغرابة!! وهناك شخصيات تسيطر علي الممثل بعد أن يؤديها شكلا ومضمونا.. مثلا شخصية الفلاح المصري التي قدمها النجم الكبير محمود المليجي في فيلم الأرض.. ظلت تسيطر عليه تماما بعد أن قدمها علي الشاشة ورفضت الشخصية أن تتركه علي الرغم من عظمة كل أدواره.. ولكن هذه الشخصية.. قد التصقت بنسيج تكوينه.. ولم تتركه.. وهو لم يستطع تركها!! ومثلا شخصية نازك السلحدار التي قدمتها النجمة الرائعة صفية العمري بكل إقتدار.. وتحاول النجمة أن تتخلص من سيطرة هذه الشخصية بكل الطرق.. ولكن الشخصية لم تتركها.. ولا تنساها النجمة.. علي الرغم من كل نجاحات كل الأدوار التي قدمتها بعد ذلك وتحسب لها في مشوارها السينمائي والفني عموما.. حتي الآن..! وهكذا يظل الصراع الرائع بين الممثل وشخصياته دائما دائرا.. هزيمة.. وانتصارا.. سيطرة وتصديقا.. حب وكراهية.. ليحقق في النهاية المعادلة الصعبة بينه وبين شخصيات عاشها وقدمها علي الشاشة تحكي تاريخه ومشواره الفني.. الحقيقة الوحيدة في حياته.