عندما يقدم الممثل شخصية معينة في فيلم من الأفلام... يحبها ويذوب في تفاصيلها.. . ويعشق كل كلمة وكل مشهد في سيناريو أحداثها... وتحقق له إبداعا كان دفينا لم ينطلق إلا من خلالها... وتظهر علي الشاشة ويشاهدها الجمهور.. وتترك عند الجمهور أثرا كبيرا وضجة نجاح تحول حياته من النجومية العادية.. إلي النجومية التي تنطلق إلي أعلي الدرجات... هذه الشخصية تسيطر علي الممثل تماما... ولا تتركه بعد أن قدمها... إنها تحتله وتتحكم في مسيرته الحياتية العادية تماما... ويصبح النجم هو وهي في واحد... لا ينفصلان!!الناس كلها تناديه باسم الشخصية التي قدمها وأبدع فيها, في كل مكان يشار إليه بإعجاب... وصراخ.. والتفاف حوله... وتوقيع علي الاتوجرافات... وفلاشات الكاميرات الصحفية... وكاميرات الموبايلات والترحيب به وهو يسير بسيارته.. وعندما يقف في إشارة ويرحب به الجميع... هو الآن في منتهي السعادة لكل ما يحدث له.. ولكن!!بعد فترة قدم فيها بعض الأفلام الجديدة وشخصيات قوية وتقابل باستحسان الجمهور والنقاد... ولكنها لم تستطع أن تهزم الشخصية التي أدت إلي الضجة الكبيرة, والتي مازال الجمهور يناديه بها.. ولم تستطع أن تطفئ الوهج من الشخصية الضجة التي أصبحت تمثل حياته. الغريب أن الشخصية الضجة تجدها تسيطر علي الممثل في حياته العادية دون أن يشعر, فهو قد فتح لها باب إبداعه ودخلت إلي أدق تفاصيل نفسه الإبداعية.. وعرفت أسرار أدواته التمثيلية وتوحدت معها بشكل يصعب علي أي ممثل يقع في مثل هذه الشخصيات أن يهرب منها!! والأمثلة كثيرة نذكر منها الرجال هذه المرة... ثم لنا لقاء مع النجمات اللاتي يصبن بهذا المرض الجميل مرة أخري. * النجم الراحل... أحمد زكي... وهو يقدم شخصية الزعيم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر... عندما التقيت به في الاستوديو, حيث يصور أحداث الفيلم ناصر56.. وأنا عاصرت واقتربت من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. وجدت أحمد زكي أمامي بكل التفاصيل الدقيقة التي اختص بها الرئيس جمال... الضحكة الخاصة به.. وظهور أسنانه الناصعة البياض... نظرة عيونه العميقة ذات البريق الذي لا يقاوم.. طريقة سلامه باليد الممدودة بها كل القوة والعظمة والترحاب... نبرات صوت الزعيم... وطريقة سيره.. بعد جلستي مع أحمد تأخرت قليلا عن جواره لأراه وهو يسير, فوجدته عملاقا وله خطوات الرئيس جمال... بكل القوة.. والكبرياء والاعتدال.. والتواضع.. وتبينت أن شخصية الزعيم الراحل.. من الصعب التخلص منها بسهولة... وفعلا عاش. أحمد زكي مع شخصية الرئيس جمال فترة طويلة في تعامله من الناس حتي بعد أن قدم بإبداع كبير شخصية الرئيس الراحل أنور السادات. * قدم شخصية الرئيس جمال في مسلسل... وبعد الانتهاء من تقديمها... لم يستطع أن يهرب من قوة الشخصية وسيطرت علي تصرفاته العادية فترة طويلة.. يتعامل بادواتها الحياتية المعروفة..! * خالد زكي.. بعد فيلم طباخ الرئيس.. لم يستطع الهروب من شخصية الرئيس التي قدمها علي الشاشة فترة طويلة... وكان في كل الاحتفالات التي شاهدته فيها كان يتعامل بأسلوب رئيس جمهورية... وهدوئه.. وبعض حركات تخصه... وببساطته وتواضعه الراقي... فترة طويلة.. وحتي الآن لو تأملت خالد في أدواره التي يقدمها في السينما أو التليفزيون تجد فيها لمحات لشخصية رئيس الجمهورية التي قدمها في فيلم طباخ الرئيس.. ولم يستطع التخلص منها, ومازالت تنطلق منه دون أن يدري!! هناك ممثل نجم... قدم شخصية شاب مناضل ضد الاحتلال الانجليزي والسلطة أيام الاحتلال... وأيام الكفاح والنضال ايام الثلاثينيات.. في فيلم عرض في الخمسينيات.. وقبض عليه في أحداث الفيلم وسجن... وعذب وهرب من المخابرات الإنجليزية وغيرها في ذلك الوقت, والتي قامت بالقبض عليه وتعذيبه... ولا تستغرب أنه مازال حتي الآن... يعيش شخصية الشاب المناضل بعد مرور هذه السنين.. ويهرب من المخابرات التي يتصور أنها تطارده... والتي تؤكد وجودهم الشخصية التي مازالت تحتل كيانه... ولم يستطع الهروب منها.. ولا يعيش في مكان واحد.. ودائم التنقل بين الفنادق... والمدن.. ويصعب العثور عليه عندما يطلب لتقديم دور جديد في السنوات الماضية... وبعد صعوبة علمت مكانه... كان يزورني في رحلات هروبه... واقدم معي دورا مهما في مسلسل.. وكان دور بطل من أبطال النضال الوطني... وكان يؤديه بصدق البطل الشاب الذي مازال يسيطر عليه... وكان سعيدا جدا.. ولكنه مازال هاربا!! * الإخوة الكوميديانات.. أيضا شكله.. فمعظمهم لا يستطيعون الهروب من الشخصيات الكوميدية التي اخترعوها... وأبدعوها.. مهما حاولوا... محمد سعد.. اللمبي الذي مازال يعيش معه حتي آخر أعماله اللمبي8 جيجا ولم يستطع أن يهرب من اللمبي... وإن كان أخيرا.. قد أعلن عن أن فيلمه المقبل.. سوف يكون فيلما جديدا... وبعيدا عن اللمبي... وعن الكوميديا.. وإن كان لن يكون بعيدا عن محمد سعد!! وهو ذلك النجم صاحب الامكانات الفنية التي يجب أن تظهر في إبداعه الجديد ويهرب من احتلال اللمبي الذي لازمه في مشواره الفني الناجح!! محمد هنيدي.. مازالت تسيطر عليه شخصيته التي حطم بها حاجز الصوت الفني في السينما.. من خلال فيلم إسماعيلية رايح جاي وقدم بعدها شخصيات ذات طعم واحد.. ولم يستطع أن يتخلص من ضجة فيلم إسماعيلية رايح جاي وأسلوب أدائه... والأدوار النسائية... والموضوعات التي كثيرا ما تتكرر.. وأعلم أنه يحاول جاهدا أن يقدم محمد هنيدي المبدع, وأن يخرج من أعماقه النجم المبدع في عالم الكوميديا.. ويهرب من سيطرة الشخصيات التي قدمها.. واحتلت أعماله طوال الفترة الماضية.. والمحبوب.. أحمد آدم... الذي بداخله نجم تخنقه شخصية اسمها القرموطي ولم يستطع آدم علي الرغم من تقديمه بعض الافلام الكوميدية الهروب من الشخصية التي تفرض عليه الاحتلال... فيعود إليها في مسلسل جديد.. وهو قادر بإبداعه علي الهروب منها.. وتقديم شخصيات جديدة تهزم هذا الاحتلال...!! أحمد مكي.. إتش دبور.. والباروكة ومهما حاول أن يهرب من الباروكة وأسلوب اتش دبور.. ولكن لم يستطع حتي أن إعلان عمله الأخير.. بالباروكة. وعندما ذهب للقاء عادل إمام لاشتراكه في فيلم مرجان ذهب إليه في مكتبه بدون باروكة... ولم يعرفه عادل.. وسأله.. من أنت؟ وأخبره بأنه مكي المطلوب للمشاركة في الفيلم.. قال له عادل: اذهب والبس الباروكة, وعد إلي هنا مرة أخري حتي أعرفك!! وهناك العديد من النجوم الممثلين يعيشون في قالب شخصيات قدموها ورفضوا التخلص منها.. ولم ينفذوا تعليمات الأطباء النفسيين الذين نصحوا النجوم بالتخلص من سيطرة الشخصيات علي حياتهم... وأن يبتعدوا فترة عن العمل.. والسفر إلي مكان لا يعرفهم فيه أحد.. وللممثل أن يتذكر مشوار طفولته.. ويعود إلي التعامل مع أسرته اخوته.. والده.. والدته كما كان يتعامل معهم قبل ضجة النجاح والنجومية.. ويخلع نقاب النجومية في تعامله مع الناس... حتي يقهر الشخصيات التي تحمله ويجبرها علي الهروب منه... ثم يبدأ المشوار من جديد.. مع نصيحة بعدم اعطاء الشخصيات التي سيقوم بها فرصة جديدة للسيطرة عليه من جديد. ولا ينسي أنه يمثل.. وهو ممثل!!