الفرصة قد تأتي في موعدها، وقد تتأخر أو تأتي في الوقت الضائع، المهم أن تأتي، قبل أن ينقضي عمر الإنسان، كانت هذه كلمات، الممثل جيف بريدجز -61سنة- المرشح هذا العام لأوسكار أفضل ممثل في منافسة شرسة مع أربعة ممثلين رجال هم جورج كلوني عن فيلم "عاليا في السماء"، ومورجان فريمان" عن فيلم "إنفيكتوس"، كولين فيرث عن فيلم "الرجل العاذب"وجيرمي لينرعن فيلم"خزينة الآلام"! ربما تكون فرصة جيف بريدجز أفضل من منافسيه، خاصة أنه حصل علي الجولدن جلوب، كما حصل علي جائزة نقاد نيويورك، ويبدو قاب قوسين من الاوسكار إلا إذا حدثت مفاجآت كتلك التي حدثت العام الماضي، مع الممثل المخضرم ميكي رورك، الذي كان قد عاد للاضواء بعد سنوات انقطاع، قضاها في محاولة العلاج من الادمان والاحباط، وكان فيلمه "المصارع" هو وسيلة الانقاذ لتاريخه الفني وعودة لنشاطه السينمائي، ولكنه لم يحصل علي الاوسكار، وفاز بها شون بين عن فيلم"ميلك"، أما جيف بريدجز الذي تم ترشيحه أربع مرات سابقة للاوسكار، فهو يعلق الآمال علي فيلمه"القلب المجنون" الذي يعتبره فرصته الاخيرة فالادوار الجيدة لاتأتي كثيرا لمن كان في عمره! أزمة منتصف العمر فيلم القلب المجنون، من تأليف وإخراج سكوت كوبر، وهو مأخوذ عن قصة كتبها توماس كوب، وتدور أحداثها حول باد بلاك، وهو مطرب للأغاني الريفية "COUNTRY MUSIC"، وصل الي مابعد منتصف العمر، وقد اهتزت مكانته الفنية، بعد أن كان من أشهر نجوم سنوات السبعينات، وتدهورت حالته الصحية والنفسية بعد إفراطة في شرب الخمر، وتخلي الرفاق عنه، ولم يعد له وسيلة لتقديم أغانيه إلا في الحانات والصالات المتواضعة، ولكن يعود إليه بعض الأمل، عندما يلتقي بصحفية شابة، تقوم بإجراء حوار معه، عن أسباب انهيار حياته الفنية والشخصية، ويتعلق بها عاطفيا رغم فرق السن بينهما، فهو يكبرها بمايزيد عن ثلاثين عاما، ومع ذلك يجد فيها الملاذ، وتجد فيه الحنان الذي افتقدته، ويحاول أن يبدأ معها مشوار حياة، ولكنها تشترط عليه أن يتوقف مبدئيا عن احتساء الخمر، وتعيش معه هي وطفلها الصغير الذي هجره والده، ولم يقدم له أي نوع من الرعاية، ويحدث أن تترك" جيني " طفلها الوحيد في رعاية "بلاك"، ولكنه يصطحبه الي إحدي الحانات لشرب الخمر، ويختفي الطفل، ويحاول بلاك البحث عنه وإبلاغ الشرطة، وبعد ساعات من الانتظار والترقب المخيف تعثر الشرطة علي الطفل الصغير، وتكون" جيني" قد اتخذت قرارا بالابتعاد عن "بلاك " الذي لم يستطع تحمل المسئولية، ولم يلتزم بوعده أمامها، بالاقلاع عن شرب الخمر، ويستجديها بلاك أن تعود إليه ولكنها تأبي ذلك، خاصة وهي تعرف أنه سبق له الزواج أكثر من خمس مرات، وله ابن لم يقابله في حياته، وإنه مصاب بعقدة تدمير الذات! فتقرر إنقاذ نفسها بالابتعاد عنه، وتتركه يعاني الوحدة وألم الفشل، وتزداد حالته الصحية سوءا، ويصاب بعدة أزمات وينصحه طبيبه بضرورة التخلص من وزنه الزائد، والاقلاع عن شرب السجائر والخمر وإلا فإن الموت سوف يلاحقه في اسرع وقت، ويلجأ بلاك للعلاج النفسي الجماعي، ويستغرق في كتابة بعض الاغاني، وتلحينها، وكأنها نداء قلبه المجنون للحبيبة التي هجرته، ولأن أسهمه في الغناء قد انخفضت ولم تعد هناك شركة تريد التعامل معه، فإن الانقاذ يأتيه من خلال، مطرب شاب يلعب دوره "كولين فاريل"، كان يوماً من أشد معجبيه، ويقوم هذا المطرب بشراء كلماته وألحانه وتقديمها في حفلات غنائية تلقي نجاحا كبيرا ولا تفوت المطرب الشاب فرصة الاشادة بمجد أستاذه "بلاك" الذي تعلم منه فن الغناء، في لفتة إنسانية عظيمة تعيد للمطرب المخضرم بعض الثقة التي كان في أشد الحاجة إليها، ولكنه يحاول العودة لحبيبته الصحفية فيجدها قد تزوجت واستقرت في حياتها، فيكتفي بما تركته التجربة في نفسه المعذبة، ويحول آلامه الي كلمات يتغني بها تلميذه المطرب الشاب! إعادة نظر النجاح في الحياة يحتاج الي إعادة النظر في الدور الذي تصلح لأدائه، ولامانع من أن تغير من موقعك كلما دعت الحاجة، لقد فشل بلاك في ان يحتفظ بنجاحه كمطرب، ولكنه وجد ضالته في تقديم كلمات الاغاني وتلحينها ليقدمها غيره من المطربين الذين لاتزال لهم شعبية وجمهور ينتظرهم! استطاع الممثل المخضرم جيف بريدجز أن يقدم عرضاً رائعاً في الأداء، ومعايشة لكل المراحل التي مر بها "باد بلاك"، دون أن تشعر أنه يمثل، وقد تكون قصة الفيلم أو حالة هذا المطرب قد تم تقديمها في أعمال سينمائية سابقة، ولكن ميزة "جيف بريدجز" أنه يشعرك أن تلك الحكاية حدثت له شخصيا! وهذا مادفعه الي زيادة وزنه أكثر من عشرين كيلو حتي تبدو حركته ثقيلة، ونفسه مقطوع أثناء الغناء!! وبالمناسبة فهو يؤدي الاغاني بصوته، وتعلم ايضا العزف علي الجيتار ! ومن أهم ميزات الفيلم مشاركة كولين فاريل النجم الشاب بدور صغير لتدعيم تجربة صديقة جيف بريدجز، وهو أمر يندر او يستحيل أن يصدر من أي من نجوم الشباب عندنا !كما ساهم الممثل المخضرم "روبرت دوفال" بعدة مشاهد لاتزيد عن الخمسة لنفس السبب! أدوار صغيرة "جيف بريدجز" من هؤلاء النجوم الذين تضم مسيرتهم الفنية عددا ضخماً من الأفلام المهمة، وقد سبق ترشيحه للاوسكار أربع مرات، ولكنه لم يكن يوما من نجوم الشباك، وهو أمر لم يشغل باله كثيرا، فقد انحصر اهتمامه باختيار أدوار يجد سعادة في تقديمها سواء كانت أدوار بطولة أو أدواراً ثانية، وهو مادفعه للمشاركة بدور صغير في فيلم "الرجال الذين يحدقون في الماعز"، مع جوروج كلوني منافسه الأول علي الأوسكار هذا العام! أما "ماجي جيلينهال " التي لعبت دور الصحفية الشابة "جيني"فهي من مواليد عام 1977، وسبق لها المشاركة في مجموعة من الافلام أمام كبار النجوم، مثل جوليا روبرتس في ابتسامة الموناليزا، وهيث ليدجار في فيلم الفارس المظلم "باتمان"، ونيكولاس كيج في مركز التجارة العالمي، وهي لم تصل لأن تكون واحدة من نجمات الشباك، وتفضل ان تشارك في أدوار مميزة امام النجوم الكبار حتي تأتيها الفرصة، في أي وقت فهي لاتتعجل الأمور وتؤمن ان فرصتها قادمة لامحالة!