بالرغم من كون عمليات الهجرة غير الشرعية معبرا إلي الموت في الكثير من الأحيان, إلا أن آلافا من الشباب العاطل الذي يحلم بحياة كريمة في بلاد أوروبا لا يهتم بالأخطار التي تلاحقه خلال رحلة الموت. وربما كشف مركب الموت الذي غرق في رشيد الأربعاء الماضي عن ظاهرتين جديدتين,أولاهما أن محاولات الهجرة غير الشرعية لم تعد مقتصرة علي الشباب والرجال الذين يبحثون عن حياة أفضل فقط,بل أكدت شهادات الناجين اتجاه أسر مصرية كاملة بمن فيها من النساء إلي مثل هذه الرحلات الخطرة,إلي جانب تسهيلات كبيرة في الرحلات بعكس ما كان في السابق,حيث وصل الأمر إلي تأجيل دفع مصاريف الرحلة كاملة حتي التأكد من الوصول,فإن تكلفة الرحلة تظل مؤجلة بشكل كامل أو تظل بين السمسار والوسيط مشروطة بإعلان المهاجر غير الشرعي عن وصوله,والاتفاق المادي بين المهربين والمهاجرين كان ينص علي جزء من المبلغ في الماضي إلا أنه الآن لم يتبق سوي أن يراهن المهاجر بحياته. وتحتاج هاتان الظاهرتان إلي تحليل ودراسة خصوصا وسط الإغراءات التي تحفز المواطنين علي الإقدام علي هذه الرحلة مرات أخري رغم خطورتها الشديدة,خصوصا أن أسعار الرحلة التي من المقرر أن تسدد بعد الوصول إلي تلك الدول قد تصل إلي30 ألف جنيه للفرد الواحد, بينما يصل سعرها إلي55 للأسرة الكاملة,وقد تبدو في ظاهرها مبالغ لا بأس بها لمن سيعمل بالخارج رغم أنها في حقيقتها تسعيرة جديدة لرحلة الموت. وتعد مناطق برج رشيد بالبحيرة وبرج مغيزل بكفر الشيخ وعزبة البرج بدمياط هي أكثر منصات انطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية في مصر علي الإطلاق,حيث ينتشر سماسرة الهجرة وأغلبهم من الصيادين الذين هجروا مهنتهم الأصلية,بحثا عن الثراء الفاحش باستغلال الفقراء والمعدمين الحالمين بمستقبل أفضل في دول أوروبا,وسجلت هذه المناطق أعلي نسب في السفر بطرق غير شرعية,وفي نفس التوقيت أعلي نسب وفيات وفقدان للشباب ضحايا لهذا الهروب من الواقع الأليم إلي حلم الثراء السريع,وهذه المناطق ليست مثل باقي القري الأخري علي مستوي الجمهورية,خاصة أن أكثر من80% من رجالها يعملون في مهنة الصيد,حيث يوجد بها موان للصيد,ما يسهم بشكل كبير في التغطية علي عمليات الهجرة غير الشرعية عبر قواربهم المتهالكة حتي أصبحت هذه المناطق منصات لانطلاق الموتي,وبؤرا للأعمال غير المشروعة بفعل الظروف القاهرة التي تسيطر علي معظم الشباب. ورغم أن سماسرة الهجرة غير الشرعية يجمعون الشباب في شقق مفروشة يتم استئجارها لمدة أيام قليلة للتحرك من خلالها إلي المركب مباشرة,ويجمعون مبالغ طائلة منهم, فضلا عن الحصول علي تعهدات كتابية من أسر الشباب المسافرين بعدم الإبلاغ عن السماسرة حال تعرض أبنائهم لمكروه,ومن ثم تكمن الخطورة,حيث يتعرض الشباب للغرق والموت دون أن يستطيع ذووهم الإبلاغ عن الواقعة خوفا من الملاحقات القانونية,إلا أن محاولات الهجرة غير الشرعية في تزايد مستمر. وبالتالي فإن هذا الواقع المرير يحتم أولوية إقامة مشروعات خدمية وإنتاجية لتوفير فرص عمل للشباب,ومواجهة الفقر والبطالة ومحدودية فرص العمل,وتوزيع عادل للموارد داخل الدولة,ودعم الأسر والمجتمعات الفقيرة والمهمشة لدورها الفاعل في إفراز ضحايا الهجرة غير الشرعية,وكذلك تغليظ العقوبة علي القائمين علي الهجرة غير الشرعية لتصل إلي السجن المؤبد,فقبل علاج العرض لا بد من علاج المرض..والهجرة غير الشرعية ليست في جوهرها المرض بل هي نتاج لمشاكل كثيرة داخلية تدفع بالشباب إلي التهلكة,فتلك الحادثة الأخيرة ليست بالجديدة بل هي صورة أصبحت متكررة تستدعي النظر لأزمة الهجرة غير الشرعية بطريقة مختلفة.