شكلت العلاقات الثقافية بين مصر وكوريا الجنوبية عنصرا مهما وأساسيا في منظومة العلاقات بين البلدين, فيوجهان اهتماما واضحا بتنمية التعاون المشترك في الفنون, الآداب, البحث العلمي والنشاط الأكاديمي, وبعد إنشاء المركز الثقافي الكوري وهو الأول من نوعه في المنطقة العربية والشرق الأوسط شهد التعاون الثنائي بينهماحالة من الانتعاشوزيادة الوعي بالثقافة والعادات الكورية, فيماأعرب رئيس الوزراء الكوري هونج كيو آهن أثناء زيارة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لكوريا الجنوبية عن أمله في أن يلعب هذا المركز الثقافي دورا محوريا في تحقيق مزيد من التقارب بين الشعبين المصري والكوري وهو ما يؤدي في النهاية إلي علاقات صداقة متينة بين الجانبين. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك علي أرض الواقع بحيث يصبح المركز قوة دفع للعلاقات بين البلدين؟ وكيف يمكن توجيه الخدمات والمحتويات الثقافية التي يقدمها المركزليصبح لها مردود إيجابي عليالمواطنين المصريينخاصة الشباب؟ وتوفير فرص للتعليم والعمل من خلالالمنح في مراحل التعليم الجامعي والدراسات العليا, وإلي أينوصلت مراحل إنشاءالكلية المصرية الكورية للتكنولوجياالتي تمالتوقيععلي اتفاقية إقامتها؟.. هذه الأسئلة وغيرها طرحناها علي د.بارك جاي يانج المستشار الثقافي والإعلامي ومدير المركز الثقافي الكوري في مصر في حوارنا التالي معه: كيف تري انعكاسات زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لكوريا الجنوبية علي العلاقات الثقافية بين البلدين؟ أثق في أن زيارة السيسي ستعززالعلاقات الثنائية بين البلدين في كل المجالاتوسيحرز التعاون المشترك بينهما خلال فترة زمنية وجيزة تقدما ملحوظا علي كافة الأصعدة,ومن بينها المجالانالثقافي والتعليمي, خاصة أن كلا من الجانبين المصري والكوري لديه الرغبة الأكيدة والرؤية الواضحة لتحقيق ذلك. ومن هناأتوقع حدوث تقدم ملحوظ وطفرة في العلاقات الثقافية بين البلدين في المستقبل القريب. وما هي أهمية التعاون الثقافي المشترك من وجهة نظركموكيف ترون مردوده علي المجالات الأخري؟ نري أنه بدون التعاون الثقافي فإن العلاقات بين أي بلدين تكون مؤقتة, سطحية, ومحدودة بأغراض سياسية أو اقتصادية ما, بينما تمنحها الروابط الثقافية والاجتماعية والتعليمية أبعادا أخري أكثر تشعبا وعمقا, وتهتمالرئيسة الكورية بارك جون هيه, للغاية بتحقيق النهضة الثقافية في الداخل وتري أنه الطريق لسعادة واستقرار الشعب, كما تهتم كثيرا بالتوسع في التبادل الثقافي مع الدول الأخري, ولتعزيز العلاقات مع مصر أهمية كبيرةلما تحظي به من مكانة رفعية في منطقة الشرق الأوسط, ولاهتمام فئات كثيرة من المجتمع الكوري بالثقافة المصرية, خاصة أنه يتم تناول جوانب من الحضارة المصرية القديمة في المراحل الدراسية المختلفة كما أن هناك حواليخمسكليات متخصصة في تعليم اللغة العربية إلي جانب إدراجها كمادة اختيارية في كثير من الجامعات والمدارس الكورية, وذلك كله إنما يمهد الطريق لنجاحالتعاون بين البلدين, وتقوية العلاقات الثقافية مع مصر كجسر للوصول إلي وجدانالمصريين. وبالتاكيد تنعكس العلاقات الإنسانية والثقافية بالإيجاب علي الجوانب الأخري وفي مقدمتهاالاقتصادية, فإن المواطن عندما يري عبارةصنع في مصر علي منتج جيدوهو يكن لفنونها التقدير ويستمتع بثقافتها سيفضل هذا المنتج علي المنتجات الأخري لدول أخري, وكذلك رجال الأعمال علي مستوي الاستثمار. وأريأن إنشاء الكلية المصرية الكورية للتكنولوجيا التي يتم الآناختيار الأرض التي ستقام عليها سيكون له آثار إيجابية غاية في الأهمية علي التعاون بين البلدين. بعد مرور نحو عام ونصف العام علي إنشاء المركز الثقافي الكوري ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المركزفي إحراز تقدم ملموس في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين؟ لقد تم إنشاؤه في أكتوبر عام2014 كأول مركز ثقافي كوري في المنطقة العربية والشرق الأوسط, وجاء اختيار مصر اعتزازا بمكانتها الثقافية المتفردة كما أشرت, وباعتبارها مهد الحضارات وملتقي الثقافات المختلفة, ولارتفاع عدد السكان الذين يشكل المثقفون نسبة كبيرة منهم, باتجاهاتهم المختلفة وفي ضوء كل هذه الأسباب, وفي وجود كل ذلك الاهتمام بالمجتمع المصري, فإن المركز يسعي بالتأكيد إلي تحقيق دور محوري للتقريب بين الشعبين وتقوية العلاقات الثقافية بين البلدين. وماهي آلياته في تحقيق ذلك؟ التعريف بمختلف فروع الثقافة الكورية وتعليم اللغة الكورية, بجانب قسم اللغة بكلية الألسن جامعة عين شمس الذي افتتح عام2005, وهو ما يفتح آفاقا واسعة أمام الشباب للدراسة في كوريا والحصول علي فرص عمل سواء في الشركات الكورية بمصر أو داخلكوريا, كما يؤدي الدارسون للغة الكورية دورا في تعزيز العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات ومن الملاحظ أن المصريين يتعلمون الكورية بسرعة وتمكن شديدين إلي حد أن بعضهم يجيدها ويتحدثها بطلاقة ربما أكثر من أبناء كوريا!, ونوفر من خلال المركز منحا للحصولعلي التعليم الجامعي والحصول علي درجة الماجستير والدكتوراه وكذلك للطلاب في مراحل التعليمالجامعيليستفيد الشباب المصري من التجربةالتعليمية في كوريا الجنوبية ومن المعروف أنهاقد شهدتنهضة عظيمة في هذا المجال حيث كانت البداية بإصلاح التعليم بدءا من مرحلة الروضة وحتي التعليم الجامعي لذا أصبح ضروريا الاستفادة منه, ومن أهم آليات المركز وأحدثها نادي الأصدقاء الذي أطلقناهيوم الثلاثاء1 مارس2016 تزامنا مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكوريا, وهو ناد يهدف إلي مساعدتنا في تحقيق أهدافنا الثقافية من خلال مجموعة من الشباب ومحبي كورياالمتطوعين, كما ننظم سفر وفود مصرية في كل المجالات من شعراء, تشكيليين, فنانين, أدباءلكوريا بهدف التبادل الثقافي, ويقدم المركز أنشطة يومية مجانية للجمهور مثل إقامةالندوات والأعمال الفنية وصالة تدريب التايكوندو, بالإضافة إلي المكتبة والغرفة التقليدية, وتضم نماذج من أسلوب الحياة التقليدية للكوريين, فضلا عن غرفة المالتي ميديا, والتي تتيح لزوار المركز فرصة مشاهدة الدراما والأفلام الكورية والتعرف علي موجة الهاليو الكورية. ومطبخ من أجل تعليم فنون الطهو الكوري. لكن هل تستهدفون النخبة الثقافية في القاهرة, أم تتوجهون للجمهور المصري من مختلف الفئات وفي كل المحافظات؟ نحن نستهدف كافة أبناء مصر خاصة الشباب, وبالتعاون مع جهات ومؤسسات عديدة حكومية وغير حكومية مثل دار الأوبرا المصرية وقصور الثقافة ومكتبات مصر العامة ومكتبة الإسكندرية, والجامعات والمراكز الثقافية المستقلة مثل ساقية الصاوي ومؤسسة دوم ننظم ندوات, ومهرجانات ومسابقات وحفلات ومحاضرات وغيرها من الفعاليات في الموسيقي والأدب والرقصمثل المعارض الفنية ومهرجان الطهو الكوري وأغاني كي بوب التي تلقي إقبالا شديدا من الجمهور, وقد ذهبنا إلي جامعات عديدة منهاعين شمس والأقصر وأسوان وبني سويف, أضف إلي ذلك الدور المحوري الذي تلعبه الدراما الكورية عند عرضها في التليفزيون المصري والفضائيات, فهي قادرة علي مخاطبة كافة فئات الجمهور المصري, وتلقي إقبالا متزايدا من جانبه خاصة أنها تتفق وعادات وتقاليد المجتمع المصري ولا يوجد بها ما يتنافي مع التعاليم الإسلامية, كما تتفق مع الشاعر الفياضة والترابط الأسري بين المصريين, وبعد النجاح الذي حققته مسلسلات جوهرة في القصر وحبيبي من الفضاء وحبيبتي سامسونج وحكايات الخريف قمت بالتوقيع مع التليفزيون المصري علي عرض مسلسل جديد رومانسي أتوقع له نجاحا منقطع النظير ويدور حول لقاء حبيبينمنذ الطفولة بعد أن فرقتهما الأيام ليفاجأ الحبيب بمرض محبوبته وتتوالي الأحداث. إلي أي مدي يمكن أن يساهم التعاون الثقافيفي دعم وتنشيط السياحة بين البلدين؟ بالتأكيد للمنتج, المحتوي والرموز الثقافيةدور كبير في تنشيط السياحة, فعلي سبيل المثال يسعي كثير من الكوريين الذين قرأوا كثيرا عن مصر وتعرفوا علي معالمها الثقافية والحضارية المهمة أو أماكنها المقدسة سواء الإسلامية أو المسيحيةأن يأتوا إلي مصر ليروا بأعينهم ما قرأوا عنه في الكتب أو المناهج الدراسية, وهو ما يشير في رأيي إلي أهمية إنشاء مركز ثقافي مصري في كوريا يعزز التعاون بين البلدين ويساهم في مزيد من تعميق الثقافة المصرية هناك خاصة أن هناك اهتماما واستعدادا لذلك لدي الكوريين للتواصل معه, إن فنان مثل النجم الراحل عمر الشريف كان بمثابة دبلوماسي وسفير بحق لمصر فقد ساهم في تعلقالكثيرين من جمهوره بمصر, ومن شدة حب الكوريين له أطلقوا اسمه في الماضي علي أحد أنواع السجائر. إذن إن نشر الثقافة والفنون كفيل بالجذبالسياحي بلا شك. ما هي أهم الفعاليات التي سيقيمها المركز الثقافي الكوري في2016 خاصةمع الاحتفال بمرور عشرين عاما علي العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين؟ سيشهدعام2016 العديد من الأنشطة الهامة استمرارا للاحتفال بهذه المناسبة ولمرور سنتين علي إقامة المركز, ولذلكنعتبره عام الزيالكوري التقليدي هانبوك تعبيرا عن الهوية والشخصية الكورية, فالملبس هو أحدعناصر الحياة الثلاثة الرئيسية كما نعرف بجانب المسكن والمأكل, وسيقام في إطار ذلك مهرجان هانبوك في الفترة من شهريوليو إلي أكتوبر القادمين, حيث ستتم استضافة مجموعة من مصممي الأزياء الكوريين الذين سيقومونبتنظيم ورش عمل لفن تصميم الزي الوطني وعمل ملابس حديثة مستوحاة منه, وبالتعاون مع كليتي الفنون الجميلة والفنون التطبيقية جامعة حلوان سيتم تنظيممسابقة كبري للطلبة والشباب لتصميم ملابس هانبوك وأخري مستوحاة منها وسيتم اختيار الأعمال الفائزة للمشاركة فيديفليه بدار الأوبرا المصرية ومعرض تصوير فوتوغرافي للأعمال المشاركة في شهر أكتوبر, كما سيتم ارتداء الفتيات والشباب لهذه الملابس والنزول بها في الشوارع والميادين العامة لتعريف أفراد الشعب المصري بملابسنا الوطنية التي هي جزء غال من ثقافتنا. وكيف تقضي وقتك في مصر بعيدا عن العمل؟ أستمتع كثيرا بزيارة شرم الشيخ والغردقة وممارسة رياضة الغوصلعشقي للبحر والمناظر الخلابة بهما, حيث تشعر بأن هناك عالمين بهما.. ما عليالأرض وما تحت البحر! وتعد الإقامة هناك نموذجا للسياحة الترفيهية حيثالمنشآت السياحية العالمية والأمن والأمان, كما أقضي لحظات نادرة من عمري في أسوان حيث يبهرني التقاء النيل والشمس والآثار والحضارة القديمة, وأنا علي ظهر إحدي مراكبها أستمع إلي المطرب النوبي وهو يشدو بالأغاني التراثية, إن أسوان بحق قطعة من الجنة علي الأرض. وعلي المستوي الشخصي ما مدي تواصلك مع المجتمعوالثقافة المصرية؟ يداعبني كثير من أصدقائي بأنني أبدو مصريا وخفيف الظل, ربما من شدة تعمقي في الثقافة والفنون المصرية ومعايشتي عن قرب للمصريين, وعلي المستوي الشخصي أحببجانب الرموز القديمة عادل إمام وعمرو دياب للغاية. وهل تحب الطعام المصري؟ جدا.. خاصة المحشي المصري بكل أنواعه.