إن من معاني الترجيب في اللغة العربية: التعظيم يقال: رجب فلان مولاه أي: هابه وعظمه, ومنه سمي شهر رجب بهذا الاسم; لأن العرب كانوا يعظمونه في الجاهلية غاية التعظيم بترك القتال فيه. ومن أسماء شهر رجب عند العرب: شهر الله الأصم; فقد سموه بذلك, لأنهم كانوا لا يسمعون فيه صوت سلاح, أو صوت استغاثة. وسموه بشهر الله الأصب: لأنهم يعتقدون أن الخيرات والبركات تصب فيه. وسموه برجب الفرد; لعزلته وانفراده عن سائر الأشهر الحرم. وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه, عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:} إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, السنة اثنا عشر شهرا, منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان{ فالله سبحانه وتعالي لما ابتدأ خلق السماوات والأرض جعل السنة اثني عشر شهرا, والزمان يطلق علي قليل الوقت وكثيره, لكن المراد به في هذا الحديث: السنة الهلالية وهي اثنا عشر شهرا.ومعني استدارة الزمان كهيئته:أي: أن الزمان استدار استدارة مثل صفته التي كان عليها يوم خلق الله السماوات والأرض. والاشهر الحرم أربعة: ثلاثة متوالية هي: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, وأما الفرد فهو شهر رجب, وذكر الأشهر الحرم هكذا كما في هذا الحديث: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب فيه إشارتان: الأولي: إن ذكر هذه الأشهر بهذا الترتيب يكون من سنتين لا من سنة واحدة; لمصلحة التوالي بين الأشهر الثلاثة, وإلا فلو بدأ بالمحرم لفات مقصود التوالي. الثانية: إشارة إلي إبطال ما كان العرب يفعلونه في الجاهلية من تأخير بعض الأشهر الحرم, فقد قيل: كانوا يجعلون المحرم صفرا, ويجعلون صفرا المحرم; لئلا يتوالي عليهم ثلاثة أشهر لا يتعاطون فيها القتال. وإضافة النبي صلي الله عليه وسلم شهر رجب إلي قبيلة مضر; لأن قبيلة مضر كانت من أشد القبائل العربية تمسكا بتعظيمه بخلاف غيرها فيقال: إن قبيلة ربيعة كانوا يجعلون بدله شهر رمضان, وكان من العرب من يجعل في شهري رجب وشعبان ما ذكر في شهري المحرم وصفر, فيحلون رجبا, ويحرمون شعبان. ووصف النبي صلي الله عليه وسلم شهر رجب بكونه بين جمادي وشعبان: من باب التأكيد; لأن أهل الجاهلية قد نسئوا أي: أخروا بعض الأشهر الحرم فيحلون شهرا حراما, ويحرمون مكانه آخر بدله, فيكون معني الحديث: أن الأشهر رجعت إلي ما كانت عليه, وبطل النسيء. قال الإمام الخطابي: كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم, والتقديم والتأخير; لأسباب تعرض لهم, منها: استعجال الحرب, فيستحلون الشهر الحرام ثم يحرمون بدله شهرا غيره, فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل,فإذا أتي علي ذلك عدة من السنين استدار الزمان, وعاد الأمر إلي أصله. وللأشهر الحرم مزية علي غيرهاهي:أن العام يبدأ بشهر واحد منها, وهو:شهر الله المحرم, ويتوسط بشهر واحد منها, وهو شهر رجب, ويختم العام بشهرين هما:ذو القعدة, وذو الحجة.وإنما كان الختام بشهرين; لوقوع الحج وهوعمل مركب من مال وبدن,بخلاف الزكاة; فعمل مال محض. وبحلافالصلاة, والصوم; فعمل بدن خالص. فلما جمع الحج المال والبدن, ناسب أن يكون له ضعف ما لواحد منهما, فكان له من الأربعة الحرم شهران.