غالبا ما يكون سائق القطار, أو خفير المزلقان المتهمين الرئيسيين في أي من الحوادث المأساوية المتكررة علي خطوط السكك الحديدية, لكن ما لا يعلمه الكثيرون أن سائق القطار في رحلته من الدقهلية إلي الإسكندرية, علي سبيل المثال, يضع يده علي قلبه أكثر من مرة في انتظار و قوع حادث, حيث يمر علي قرابة30 مزلقانا وممرا للعبور, جميعها غير آمنة. والذي لا يعلمه الكثيرون ايضا, أن خفير المزلقان, يبح صوته وتنهك أقدامه كل يوم, في محاولة منع كل من لم يلتزم بتعليمات مرور القطارات أو لا يبالي بعبور المزلقانات أثناء قدوم القطارات التي هي في الأساس غير مؤهلة أو صالحة للعمل, بسبب نظامها البدائي, ناهيك عن مرور الحيوانات والمركبات, وغيرها. وفي مشهد متكرر شبه يومي تقف إحدي الأمهات تحمل ابنها الرضيع, بينما يتشبث ابنها الثاني والذي لم يتجاوز الرابعة من عمره بطرف جلبابها الأسود, دقائق معدودة تقف فيها الأم خلف سلسلة حديدية عند مزلقان ميت غمر أملا في العبور للجانب الأخر للذهاب الي الوحدة الصحية. وتنطلق أصوات جرس الإنذار معلنة قدوم القطار, يتخلي الصغير عن جلباب أمه, ويجري وحده مسرعا لعبور قضبان السكة الحديد, تنطلق صرخة مدوية من حنجرة الأم خطوات تفصل بين القطار المسرع والطفل الصغير, يسرع خفير المزلقان ويلتقط الطفل بعيدا عن شريط القضبان. هذا مشهد حقيقي يتكرر علي فترات متعاقبة, هكذا قال محمد برعي خفير المزلقان فباختلاف الشخصيات وبعض التفاصيل الصغيرة يتكرر الأمر بصفة شبه يومية. وفي برج المراقبة بذات المحطة تسمع اصواتا متقطعة داخل أنحاء الغرفة, التي تصدرتها أجهزة كثيرة, يعقبه نداء صادر من جهاز لاسلكي خاص بأحد العاملين ببرج المراقبة لتبدأ اتصالات متبادلة بينه وبين سائق جرار القطار, الذي يظل طوال الرحلة ملتزما مكانه بالجلوس علي مقعد من اثنين في مقدمة الجرار, والآخر لمساعد السائق الذي يلتزم طوال الرحلة بالتجول لمتابعة إشارات السيمافورات التي عن طريقها يحدد السائق سرعة الجرار المقررة. ويقول محمد ح.أحد سائقي القطارات: أحمل علي عاتقي مسئولية حياة مئات المواطنين في كل رحلة. وبكلمات بسيطة يصف محمد أسباب تدهور أحوال السكة الحديد في الفترة الأخيرة السكة الحديد مش هينصلح حالها طول ما المسئولون في الهيئة قاعدين في المكاتب المكيفة بعيدا عن واقع المواطن الغلبان. ويوضح انه في الطريق من المنصورة الي الزقازيق مثلا يوجد تقريبا10 مزلقانات تبين أن معظمها أثناء عبور القطار بطريقة يدوية من خلال سلسلة حديدية أو ذراع يدوي مما ينذر بخطورة شديدة. ومن أخطر المزلقانات بالدقهلية يأتي مزلقان قرية دنديط حيث يري سائق القطار أنه من أخطر المزلقانات لأن تاريخه حافل بعشرات الحوادث, مشيرا إلي أن أكثر المزلقانات خطورة هي التي تخترق قري تشهد كثافة سكانية مرتفعة خاصة في خطوط مختلفة بمحافظةالدقهلية مثل مركز المطرية. فمزلقان المطرية أسرع طريق للموت كما وصفه سائق القطار الذي يكشف بدوره عن معاناة الأهالي التي يراها أمام عينيه. يقول المزلقان يعتبر المنفذ الوحيد لسكان مجموعة من القري يفصلها شريط السكة الحديد, وتقع العشرات من الحوادث الصغيرة علي هذا المزلقان أثناء الليل بسبب عدم وجود أعمدة إنارة. وقال: الهيئة لا تعلن عن جميع الحوادث التي تقع علي شريط السكة الحديد إلا في حالة وقوع أعداد كبيرة من الضحايا, مشيرا إلي ان المزلقانات أصبحت لعنة علي السكة الحديد ولن تزول إلا مع تغيير منظومة الهيئة بأكملها, لافتا إلي ان جميع المسئولين في الهيئة لا يهمهم سوي تسيير القطارات فقط بغض النظر عن وجود أعطال في السكة والقطارات أو البحث عن أسباب الحوادث. ويقول محمد ابو العينين من اهالي مركز ميت غمر انه ولايزال عالق بذهنه حادث تصادم قطاري قليوب في تلك المحافظة المجاورة لنا عام2006, عندما استيقظ أهالي قليوب علي مشهد فرم أجساد المواطنين تحت عجلات القطار, لافتا إلي ان المزلقان الذي تشبع بدماء ضحاياه لم تتغير معالمه رغم مرور7 سنوات علي الحادث. وأضاف انه في قرية دنديط تقع آلاف الحوادث فخلف ذراع يدوي يقف خفير المزلقان البسيط يمنع الأهالي من عبور المزلقان, فيما يتسابق عدد من التلاميذ علي العبور المزلقان لحظة دخول القطار إلي المحطة, فضلا عن بائع متجول يقفز بين الأرصفة لعرض بضاعته علي المسافرين. وأما عن صلاحية السيمافورات أكد سائق احد القطارات الذي رفض ذكر اسمهأن بعضها لا يصلح للعمل أصلا, ويضطر السائق إلي الاتصال بملاحظ البلوك طوال رحلته للاطمئنان علي خلو السكة من العوارض. ويقول: مسئولية الحوادث علي شريط السكة الحديد تحملها الهيئة علي خفير المزلقان وملاحظ البلوك وسائق القطار, وترفع عن نفسها الحرج رغم أننا نرسل شكاوي إلي الهيئة من حين لآخر بتعطل السيمافورات, لتنبيه الهيئة من إمكان وقوع الحوادث إلا أن أحدا لم يستمع إلينا. ويبتسم سائق القطار من المشهد ويقول حادث قطار العياط منذ عدة سنوات كان سببه جاموسة, وسجن وقتها ملاحظ البلوك وخفير المزلقان. مشيرا إلي ان خفير المزلقان تحدث بينه وبين المواطنين مشادات يومية بسبب عبور المزلقان طيب ازاي هيقدر يتعامل مع الحيوانات. ويضيف السائق ان المزلقانات تعد الشاهد الوحيد علي ضحايا السكة الحديد. وقال أنا قلبي بيتقطع لما بشوف حد معدي لحظة مرور القطار وبغمض عيني في أقل من ثانية وده بيكون غصب عني لأني لا أستطيع الوقوف فجأة وإلا أعرض حياة الركاب للخطر. ورغم حوادث القطارات المتكررة بسبب المزلقانات إلا أن وجود مدارس وقاعات أفراح ووحدات صحية تبعد خطوات عن المزلقان أمر منتشر بالقرب من المزلقانات. فضلا عن عشرات من الباعة الجائلين يغلقون مزلقان طلخا يفترشون بضاعتهم علي شريط القضبان, يتسابقون علي جذب الزبائن. و دائما ما يتعارك خفير المزلقان مع أحدهم لمنعه من عبور المزلقان. و يؤكد سائق القطار ان المواطن شريك في حوادث القطارات, رغم أن السلسلة الحديدية غير كافية لإغلاق المزلقان إلا أن بعض المواطنين يصرون علي العبور وهو ما يتسبب في وقوع الحوادث. وأما مزلقان سلامون القماش وعلي الرغم من وقوعه في ارض زراعية فإن خطورته تأتي من بطء الجرارات الزراعية التي تعبر المزلقان يوميا والعربات الكارو التي لا تتمكن من تفادي الكارثة عند قدوم القطار. اما المشكلة الكبري فتتمثل في مزلقان احمد عرابي ببندر ميت غمر والذي يقسم المدينة لقسمين فتلك المدينة التي يقيم بها اكثر من مليون نسمة تعد من اكبر مراكز المحافظة من حيث الكثافة السكانية والتي تواجه مشكلة وجود تعديات من بعض الأكشاك المقامة عشوائيا بجوار مزلقان القطار. يقول عبدالرحمن زارع من اهالي مدينة ميت غمر إن هناك امرا جللا في مدينتي يحتاج إلي تكاتف الجميع فعلي الرغم من حصول الأهالي علي وعد من محافظ الدقهلية بإزالة التعديات حول المزلقان الا ان مجلس المدينة تقاعس عن تنفيذ تلك الإزالات. ويضيف وعندما توجهنا لرئيس المدينة أبلغنا أنه يحتاج لحملة مكبرة للإزالة ولكن للاسف حتي الآن لم يتم شيء. وأكد المحاسب حسام الدين امام محافظ الدقهلية انه عقد اجتماعا لاستعراض الموقف العام لمرفق هيئة السكة الحديد بمحافظة الدقهلية والذي يشمل131 مزلقانا موزعة علي أنحاء المحافظة تم تطوير16 منها والباقي مدرج بخطة الوزارة للتطوير. وبمناقشة مديرة مرفق هيئة السكة الحديد بالمحافظة عن الموقف العام طالبت بدعم المحافظة لإزالة عدة معابر غير قانونية أقامها المواطنون بمعرفتهم للعبور علي خطوط السكك الحديدية. وقالت انه تم اعداد حصر شامل لتلك المعابر مع شرطة النقل والمواصلات نظرا لخطورتها علي المواطنين واتخاذ جميع الإجراءات القانونية حيال المخالفين وإزالة تلك المعابر فورا بتأمين من شرطة النقل والمواصلات. كما يتم مراجعة نظام الورديات ومنظومة الأمن والأمان وأجهزة الاتصالات والإشارات لمراقبة سير حركة القطارات بأنحاء المحافظة وانتظام عمل المزلقانات و تنفيذ نظام الورديات علي مزلقانات السكة الحديد بمعدل8 ساعات للفرد وتدعيم المزلقانات بعناصر شرطية وتكثيف المرور الميداني عليها وقيام فرع هيئة السكة الحديد بعمل عواكس ضوئية علي حواجز مزلقانات السكة الحديد.