المؤتمر الأول عام1933 مثل الطور الثاني في رحلة الجماعة التنظيمية بعد خلية الستة.. الطور الثالث اتخذ شكلا هرميا علي قمته المرشد العام وتم تدشينه في المؤتمر الثالث عام1935 اجمعت كل الدراسات والمراجع التي تناولت مسيرة جماعة الإخوان منذ عام1928, علي أن النواة الأولي كانت في مدينة الإسماعيلية, وبالخلية الأولي أو ما أطلق عليهم: الإخوان الستة, والتي كانت مثلث بذرة الجماعة, كانت البدايات ذات طابع تربوي تهذيبي أخلاقي, وإلي ذلك يشير مؤرخ الإخوان جمعة أمين عبدالعزيز في موسوعته الضخمة أوراق من تاريخ الإخوان... يقول وكان الإمام البنا حريصا علي أن يضع منهجا دراسيا للمجموعات الي يلتقي بها في مدرسة التهذيب, فاشتري لهم مجموعة من الكتب الدينية بالإضافة إلي المصاحف وزعها علي كل من التزم بالمواظبة علي تلقي الدروس, وحفظ القرآن الكريم. (جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان, ج2 42). وعلي ذلك.. يمكن اعتبار فترة الإسماعيلية(28 1932) بمثابة الطور التأسيسي لجماعة الإخوان, اختبر فيه حسن البنا بشكل ملموس فاعليته القيادية, وتمكنت الجماعة خلال هذه الفترة من تكوين عدة شعب علي طول الجنب الشرقي للدلتا( الإسماعيلية بورسعيد السويس) وعلي الجانب الغربي( المحمودية شبراخيت)( الأحزاب والحركات 48). الإطار التنظيمي والحركي: ومن هنا تعتبر هذه الفترة بمثابة الطور الأول في مسيرة الجماعة التنظيمية والحركية, وللاقتراب أكثر من طبيعة البناء التنظيمي لجماعة الإخوان في الفترة(28 1932), ورغم وجود شعب منتشرة في محافظات الإسماعيلية وبورسعيد والسويس والبحيرة ويمكن إضافة مجموعة القاهرة, التي ارتبطت بحسن البنا أثناء فترة دراسته في دار العلوم, ومع وجود مسئول لكل شعبة وتحديد مسئوليات للعضوية, إلا أنها كانت مجرد بدايات( الطور الأول) ويمكن اعتبار العام1933 والذي شهد انعقاد المؤتمر الأول للإخوان بالإسماعيلية وما صدر عنه من قرار مجلس الشوري العام بمثابة الطور الثاني في رحلة الجماعة التنظيمية وإطارها الحركي. قبل ذلك لم يكن للجماعة تركيب بنائي بالمعني الاصطلاحي المعروف منذ كانت بعض الشعب المتناثرة في الأقاليم تتلقي تعليماتها من المركز العام بالقاهرة, وكان يخص نفسه بأساليب معينة في التربية مثل نظام الكتائب, لا يطلب من الشعب القيام بمثلها, وعلي هذا كان النظام السائد في الجماعة في ذلك الوقت أقرب إلي النظام المركزي. وقد تكونت هيئة مكتب الإرشاد العام للإخوان لأول مرة بناء علي قرار مجلس الشوري العام الذي انعقد بالإسماعيلية في شكل المؤتمر الأول للإخوان بالقطر المصري يوم الخميس22 صفر1352 الموافق1933 وكان هذا المؤتمر يمثل15 فرعا وتكون مكتب الإرشاد من11 عضوا ويلاحظ علي هذا التشكيل انه ضم واحدا من خريجي دار العلوم( المرشد العام حسن البنا) وأربعة من خريجي الأزهر وواحدا من الأعيان من ملاك الأراضي بالدقهلية, وخمسة من صغار الموظفين وليس فيهم احد له نشاط أو فكر سياسي معروف.( السيد يوسف, ج1 178). ومع تنامي الجماعة وزيادة عضويتها ونشاطها, يمكن رصد الطور الثالث في تاريخ البناء التنظيمي الحركي للجماعة حيث اتخذ شكلا هرميا علي قمته المرشد العام ثم مكتب الإرشاد العام المكاتب الإدارية المناطق الأقسام الشعب, وتقسم الشعب إلي أسر والأسرة إلي مجموعة أفراد لهم نقيب. وقد كان انعقاد المؤتمر الثالث في1935 تجسيدا لهذه الأطر التنظيمية وساهم في استكمال التشكيلات التنظيمية علي النحو التالي: 1 فضيلة الأستاذ المرشد. 2 مكتب الإرشاد. 3 مجلس الشوري العام الذي يتكون من نواب المناطق. 4 نواب المناطق والأقسام. 5 نواب الفروع. 6 مجالس الشوري المركزية. 7 مؤتمرات المناطق. 8 مندوبو المكتب. 9 فرق الرحلات. 10 فرق الأخوات. وقد ترك المجتمعون لفضيلة المرشد العام تحديد مهمة كل هيئة من هذه الهيئات( حسن البنا:مذكرات الدعوة والداعية 191). وعن الإطار الفكري لتلك المرحلة في مسيرة الجماعة, يقول مؤرخها جمعة أمين: وصدرت القوانين واللوائح التي أوصي بإصدارها مجلس الشوري العام في مايو1935( المؤتمر الثالث) ويشمل قانون جماعة الإخوان المعدل, ويعرض لنشأة الفكرة والغاية والوسيلة ثم النظام الإداري للإخوان ويشمل: قمة التشكيلات الإدارية الأعضاء واجبات الأخ المسلم الهيئات الشورية مالية الجماعة( جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان, ج2 260). وكان لانعقاد المؤتمر العام الرابع في عام1936 خصوصية إذ لم يتطرق للأوضاع التنظيمية والحركية,بل كان أقرب إلي مؤتمر احتفالي, وفي ذات الوقت بمثابة استعراض للقوة من قبل الجماعة ورسالة خاصة للملك الجديد فاروق, إذ اقتصر علي الاحتفال بتتويج الملك فاروق ولاية عرش مصر. البرنامج المعلن والأهداف: كان المؤتمر العام الخامس, يناير1939, الأهم والأضخم في تاريخ الجماعة وتزامن مع مرور عشر سنوات علي تأسيس الإخوان.. واهتم بشكل خاص بتنظيم الشأن الداخلي للجماعة وهو الأمر الذي وصفه البنا بأنه المرحلة الثانية للحركة, الخاصة بالتشكيل والاختيار والإعداد وحدد البنا للأعضاء نطاق الحركة التي يشكلون جزءا منها, وأوضح أن الحركة دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.. كما حرص أيضاعلي أن يوضح موقف الجماعة تجاه السلطة والحكومة والدستور والقانون والقضايا الوطنية والعروبة. (ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون, ج1 32). وبحسب ريتشارد ميتشل فقد جاء العام1939( لمؤتمر الخامس) ليعلن أن الجماعة أكملت إطارها الأساسي وأنها أصبحت قوية بدرجة تكفل لها أن تستعرض عضلاتها علنا وبحرص شديد في ذات الوقت.. وفي هذا التوقيت شرع الإخوان في النظر والاهتمام بإقامة علاقات ما وإجراء اتصالات وبث رسائل إلي جهات ومؤسسات كالقصر والملك والحكومات.. وتسجل مذكرات الدعوة والداعية للشيخ حسن البنا أهم الأهداف والأنشطة التي سعي ويسعي الإخوان لتحقيقها فيذكر: المحاضرات والدروس في مقر الجماعة وفي المساجد. إصدار القانون الأساسي للإخوان واللائحة الداخلية. إصدار عددين من رسالة المرشد العام. إصدار مجلة الإخوان الأسبوعية. إصدار مجلة النذير, بالإضافة لعدد من الرسائل والنشرات. إنشاء الشعب في القاهرة والأقاليم. تكوين التشكيلات الكشفية والرياضية. الاهتمام بنشر الدعوة في الجامعة والمدارس( إنشاء قسم الطلاب). توضيح موقف الجماعة من الإصلاح الاجتماعي والسياسي وتشجيع التعليم الديني ومقاومة التبشير. الدعوة إلي المنهاج الإسلامي ومهاجمة الحكومات المقصرة إسلاميا مع مهاجمة الحزبية. مناصرة القضايا الإسلامية الوطنية.( حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية 138). الانتشار والصعود: عن حصاد الدعوة والحركة التي قامت بها الجماعة في الفترة من28 1938 أصدر الإخوان بيانا يوضح نشأة الجماعة وغايتها ونظامها والأعمال التي قامت بها الجمعية وأحوالها المالية وصلتها بغيرها من الجمعيات وحصرا كاملا بشعب الإخوان ودوائرهم وأسماء مندوبي المناطق ونواب الشعب, وصدر البيان في يونيو1937 ونشر بجريدة الإخوان الأسبوعية تحت عنوان بيان موجز للاخوان.( جمعة أمين عبد العزيز: أوراق, ج2 417). وعن الانتشار يمكن رصد الآتي: وجود شعب وفروع الإخوان توزعت علي17 منطقة في داخل مصر: احياء القاهرة( الموسكي باب الشعرية الأزبكية الوايلي حلوان) والإسكندرية القنال والعريش وسيناء القليوبية المنوفية الغربيةالدقهليةالشرقية البحيرة الجيزةبني سويفالفيومالمنياأسيوط جرجا قناأسوان. بالإضافة إلي منطقة في السودان ومنطقة العالم الإسلامي وشملت( الحجاز سوريا فلسطين لبنان المغرب الأقصي البحرين الهند الصومال) والمنطقة العشرون الخارج وتحديدا باريس. وفي مرحلة تالية يصف القيادي الإخواني محمود عبد الحليم في كتابه الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ حجم انتشار الجماعة واتساع نفوذها فيقول: بحلول عام1944 لم يعد مكان في مصر يخلو من شعبة بفضل التكنيك البعيد المدي الذي حصن الاستاذ المرشد به خطوات الدعوة حيال الجبهات المختلفة الأكمة..وأصبحت الجوالة جندا كثيفا.( محمود عبدالحليم: أحداث صنعت التاريخ, ج1-341). الحرب العالمية الثانية: تمثل الحرب العالمية الثانية منعطفا خطيرا في تاريخ مصر, السياسي والاجتماعي كما أنها تمثل نقطة تحول خطيرة في مسيرة جماعة الإخوان, فقد كان من نتيجة الأنباء الواردة عن سير الحرب فضلا عن الدعاية الألمانية النشيطة أن عانت بريطانيا مزيدا من الصعوبات في غاية الإعلان المصري لحالة الحرب لكي تحظي بالتزام مصري أعمق في مواجهة أعباء الحرب المتزايدة الثقل, والاستجابة بفاعلية أكثر في مواجهة الأخطار التي تحيق بقضية الحلفاء الآخذة في التدهور. وعندما بدأت الحرب, أعرب الإخوان في خطاب إلي علي ماهر رئيس الوزراء عن تأييدهم لعدم اشتراك مصر في الحرب ولقصر المساعدات المقدمة فيها لبريطانيا علي ما يلزمها به نص معاهدة1936. وفيما عدا ذلك واصلت الجماعة في الظاهر, شرح قضيتها, كذلك قامت بدور فعال في إثارة المشاعر الوطنية ضد بريطانيا بالرغم من وجود حالة الحرب, وهو الأمر الذي واجهته بريطانيا بالحزم حرصا علي تأمين مؤخرتها, وفي ظل الصراع بين القصر والوفد وبتحالف الإخوان مع القصر ألقي القبض علي البنا وعبد الحكيم عابدين أمين عام الجماعة في أكتوبر1941 إثر انتهاء أحد الاجتماعات الجماهيرية المناهضة لبريطانيا. وأصدرت الحكومة الوفدية في نفس الوقت قرارا يإيقاف صحيفتي الجماعة التعارف والشعاع وصحيفة المنار المعروفة التي أوكل ورثة السيد رشيد رضا أمرها للبنا أخيرا, كما حظر علي الصحف نشر أي أنباء عن الإخوان أو عن الاجتماعات التي يقيمونها. وفي نفس الشهر تم الإفراج عن المعتقلين نتيجة لحدوث رد فعل برلماني عام مضاد للحكومة فضلا عما قيل عن الضغط الذي مارسه القصر في هذا الصدد. وكانت تلك هي المحنة الأولي علي حد تعبير الإخوان التي تصيب الجماعة. ومنذ ذلك الوقت لم تستطع أي حكومة في مصر أن تتجنب الصدام مع الإخوان: ريتشارد: الإخوان المسلمون 47). لقد اعتمد السياسي المصري المعروف علي ماهر, وهو أحد كبار السياسيين الموالين للسراي, علي الإخوان لتأييد السياسة القومية والعربية المعادية للبريطانيين. واستمر الاتصال بين حسن البنا وعلي ماهر خلال السنتين الأوليين من الحرب, كما قام البنا باتصالات مماثلة مع عزيز المصري باشا, المعروف بعدائه الشديد للإنجليز من ناحية, وسعيه إلي التحالف مع دول المحور من ناحية أخري. وكانت الصداقة بين الرجلين من القوة بحيث استطاع البنا في عام1940 أن يقوم بدور الوسيط بين المصري وبين مجموعة من صغار الضباط الساخطين الذين أطلقوا علي أنفسهم فيما بعد اسم الضباط الأحرار ثم قادوا الثورة الناجحة في23 يوليو1952( المصدر السابق 49). ومثلما أفاد الإخوان من العلاقة مع علي ماهر وعزيز المصري, فقد استثمروا عودة الوفد إلي الحكم في فبراير1942, وأعلن البنا عن ترشيح نفسه عن دائرة الإسماعيلية, مسقط رأس حركته, وبمجرد تقدمه بالترشيح أسرع النحاس باستدعائه وطلب منه أن ينسحب ووافق البنا دون الدخول في جدال طويل ولكن في المقابل الآتي: (1) حرية الجماعة في استئناف أعمالها علي نطاق شامل. (2) أن تعد الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة. وافق النحاس, وأمر بعد فترة وجيزة بفرض قيود علي بيع المشروبات الكحولية في أوقات معينة يوميا, وخلال شهر رمضان وفي الأعياد الدينية. كما اتخذ بعض الإجراءات الضرورية باستئناف الجماعة لبعض نشاطاتها, بما في ذلك إصدار بعض مطبوعاتها وعقد الاجتماعات.( نفسه-53). كان مناخ الحرب إذن مناسبا لتقوية ودعم جماعة الإخوان, وقد نجح البنا ببراعته في التحالفات, أن يستفيد من الجميع, في الوقت الذي لم يقدم فيه دعما حقيقيا لأي من المتحالفين معه.