عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في الوثائق السرية لتنظيم التكفير والهجرة
نشر في المصريون يوم 04 - 12 - 2009


(القضية رقم 6 لسنة 1977 أمن دولة عسكرية عليا):
بحثنا في الجزء الأول من تلك الموسوعة التي نحن بصددها - والتي اخترنا لها اسم "موسوعة الحركات الإسلامية والسياسة الأمنية" وكان عنوانها "ثلاثون عاما من الصراع في مصر" "قضية الفنية العسكرية" وقد تشكل واقع الحركة الإسلامية بعدها بشكل جديد وتأثر هذا الشكل بعدة عناصر بعد عام 1974م فأما العنصر الأول أن هذه القضية كانت أول انقلاب عسكري ينتسب إلى الإسلام، وقد أفرزت تلك القضية في الواقع المصري تعايشًا كبيرًا مع الفكرة الإسلامية بصورة جديدة تواكب ظهورها الأول على مسرح الأحداث مع أحداث قضية "الفنية العسكرية" التي جاءت في مناخ سمحت فيه الإدارة المصرية وقتئذ بقدر من الحرية أتاح حركة من النقاش والجدل، وأتاح أيضًا مساحة لنمو فكرة "البطل" التي عادة ما تظهر في نفوس الشباب مع بداية التحرر من فكرة إلى فكرة، ومع بداية الانتماء الذي وإن كان قد أخذ شكلا متشددًا إلا أنه أخذ أيضا شكلاً بطوليًا مصاحبًا لهذا التشدد.
وكانت قضية "الفنية العسكرية" قد استمرت ما بين تحقيقات، ومرافعات، وأصداء اجتماعية قرابة العامين، وقد انتشرت وقائع وأخبار هذه القضية بين الأفواج التي بدأت في الإقبال على فكرة الإسلام السياسي ونشرت بينهم روحًا جديدة وفكرًا جديدًا، لم يكن بالضرورة فكرًا متكاملاً، فقد جاء في أغلب الأحيان مشوها يربط بين البطولة والانحراف الفقهي في قالب واحد، وفي أحيان قليلة جاء متناسقًا، واستطاع بعض الدعاة المعتدلين أن يحدوا من غلواء الإعجاب المتنامي لفكرة الاقتحام والانقلاب والتغيير بالقوة.
وقد جاء "عمر التلمساني" المرشد العام للإخوان الأسبق رحمة الله عليه في زمنه وفي وقته، وأتى معه مجموعة من الدعاة المعتدلين أمثال الشيخ "صلاح أبو إسماعيل" والشيخ "محمد الغزالي" والشيخ "محمود عيد" والشيخ "عبد الحميد كشك" وغيرهم من الدعاة الذين وإن كانوا قد اتسموا بالحماس في مواجهة الفساد والانحراف، إلا أنهم في ذات الوقت كانوا على توقيت وعلى موعد محدد مع كل الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت، وقد كانوا يمثلون جميعًا الفكر الوسطي وإن اختلف أسلوب كل منهم.
وتم تداول مرافعات قضية "الفنية العسكرية" بين الشباب وبين المجموعات التي تكونت كنتيجة حتمية لمناخ السماح الذي قدمه الرئيس السابق "أنور السادات" للحركة الإسلامية، صحيح أنه كان يهدف إلى تقليم وتقزيم "الحركة اليسارية" التي تربصت به في بداية حكمه لاسيما "الحركة الناصرية" ورموز المرحلة والعهد الأول إلا أن الأمور خرجت من حدود سيطرته لتأخذ "الحركة الإسلامية" مسارًا أقوى وأكثر انطلاقًا.
وقد تم تداول شريط الكاسيت الخاص بمرافعات قضية الفنية العسكرية سرًا وعلانية. وتجاذبها شباب مصر عام 1975م، وهو الجيل الذي يدور تاريخ ميلاده بين العام 1950 وعام 1956، وكانوا قد بدأوا يتخرجون من الجامعات في تلك الأعوام فتزامن ذلك مع ظهور فكرة البطل التي ولدت من رحم قضية "الفنية العسكرية"، وفكرة "البطل" ترتبط بها فكرة التضحية وجودًا وعدمًا، فكلما زادت الفكرة لدى الشاب زادت معها روح التضحية والرغبة في بداية جادة وفي عمل ما ولو من وجهة نظر صاحبها الشخصية.
هذا هو العنصر الأول الذي صنع روح البطولة في نفوس شباب عام 1876م بغض النظر عن تقييمها.
أما العنصر الثاني من عناصر التأثير فكان مصدره هو الموضوعات التي تناولتها كتب وأطروحات هذه الفترة الفكرية، فقد تم تسليط الضوء على الظلم الذي تتعرض له "الحركة الإسلامية"، حتى في الكتيبات الصغيرة التي كانت تصدر عن دور النشر إسلامية التوجه وغير الإسلامية.
وأغلب المطبوعات إن لم يكن كلها في تلك الفترة كان يتحدث عن الظلم الذي وقع على "الحركة الإسلامية" في فترة الستينيات أثناء حكم الرئيس "جمال عبد الناصر"، حتى مرافعات الدكتور "عبد الله رشوان" في قضية "الفنية العسكرية" كانت في أغلبها تتحدث عن هذه الفترة، وكذلك المقالات في الصحف وزاد رواج هذا السوق مع الوقت.
وكان غرض الرئيس "السادات" من إفساح الباب للحديث حول الظلم الذي تعرضت له "الحركات الإسلامية في عهد الرئيس "عبد الناصر" هو أن يحكم الناس على هذه الفترة بأنها فترة سوداء وأن يشعر المواطن المصري بالامتنان الكامل لها يسمح له به من هامش الحريات خلال عهد السادات كما أن رغبة السادات في إظهار عبد الناصر كديكتاتور حكم مصر كانت كامنة في نفسه لاسيما وهو يتجه إلى الديمقراطية التي استهدف منها عقد المقارنات بين العهود، وكان يهدف أيضا من وراء ذلك إلى إسقاط هذه الفترة والحكم عليها دوليا ومحليا عن طريق إفساح المجال للمتحدثين من المظلومين خلالها بما فيهم الكاتب الصحفي "مصطفى أمين" وكذلك العديد من المعتقلين من أصحاب التوجهات السياسية الأخرى وهذا من وجهة نظرنا الخاصة.
كانت هذه سمة عامة أظهرت ما تعرضت له "الحركة الإسلامية" من ظلم، حتى أن كتاب الحاجة "زينب الغزالي" والذي يتحدث عن تعذيبها داخل السجون كان له أثره الكبير على الشباب في ذلك الوقت، إضافة إلى الكتب اتلي كانت تتحدث عن مذابح سجن طره والمذابح التي حيكت للإخوان المسلمين داخل السجون والتي كان لها أثر بالغ في تنمية فكرة البطل لدى الشباب المسلم.
هذان العنصران جعلا الشباب في حالة تأهب قصوى، وانقسمت "الحركة الإسلامية" في ذلك الوقت وفقا لحماسها الشديد إلى عدة شعب وأقسام:
فأما القسم الأول فهو القسم الذي ازدادت عنده روح البطولة وحب التضحية إلى الحد الذي تخطت معه مرحلة العلم الفقهي فتجاوزت الصحيح من الأحكام، وذلك ربما بدافع من حماس نفسي أعماها أو أضلها حتى عن ما أجمع عليه المسلمون فاتخذت هذه الفرقة سبيلا انعزاليًا وأطلقت على نفسها اسم "جماعة المسلمين" واعتبرت أن ما دونها هو الكفر، وأن من دخل فيها اقتناعا وخرج اقتناعا فهو مهدر الدم كافر العقيدة مستحل المال بمجرد خروجه من الجماعة "جماعة التكفير والهجرة".
وقد اتخذ هذا القسم منهاجًا حركيًا محددًا تمثل في كف الأيدي خلال المرحلة الأولى، وفي الإعلان عن الجماعة في المرحلة الثانية، وأخيرًا الجهاد من أجل التمكين في المرحلة الثالثة، وأطلق هذا القسم على نفسه اسم "جماعة المسلمين" استنادًا إلى ذلك الحديث النبوي الشريف الذي يتحدث عن انقسام الأمة إلى بضع وسبعين شعبة وأن كلها في النار إلا واحدة، فأعلنت هذه الجماعة التي تم تأسيسها على يد "شكري مصطفى" أنها "جماعة المسلمين" التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف.
أما القسم الثاني من الحركات الإسلامية في ذلك الوقت، فقد اتخذ من العلم سبيلاً، وأفرط في اللجوء إلى التراث حتى أنه رجع بعقله وتفكيره لأعوام طويلة تبلغ المئات ثم تجمد حولها. صحيح أن هذا القسم كان يتسم بعمق البحث، إلا أنه أيضًا كان يتسم بالجمود في أحيان كثيرة، وأطلق على نفسه اسم "الحركة السلفية" ورفض أن يكون جماعة واحدة فقرر ممثلوا هذه الحركة بأنهم يمثلون أفكارًا وحركة وليسوا جماعة أو حزبًا.
وقد مثل هذا الفريق بالعديد ممن خلع عليهم الشباب لقب المشايخ، كالشيخ "أسامة عبد العظيم" والشيخ "الدبيسي" والشيخ "محمد إسماعيل".......وغيرهم.
أما القسم الثالث من "الحركات الإسلامية" فقد أصر على أن يعود بذات الاسم الذي بدأ به وهو جماعة "الإخوان المسلمون". وقد بدأت هذه الجماعة بنفس البداية التي بدأها الإمام "حسن البنا" في بدايات تكوين دعوته، فالتزمت بالأصول العشرين كحدود لا ينبغي الخروج عنها سواء في القضايا الفكرية أو القضايا الحركية، وحتى في المجالات الخلافية أصرت هذه الجماعة على أن تبقى على الأصل الذي أعلنه الإمام "حسن البنا" في حسم المسائل الخلافية، واعتبرت هذه الأصول بمثابة المرجع التاريخي والمستقبلي أيضًا.
وبدأت الانتشار في تكوينها الجديد على يد الشيخ "عمر التلمساني"، وقد كان محاميًا ذكيًا حسن الخلق عف اللسان فاستطاع أن يجتذب الكثير من الشباب.
ولأنه كان منفتحًا على الآخر فقد شهدت الدعوة الإسلامية التي تحمل فكر "الإخوان المسلمين" في ذلك الوقت تطورًا ملحوظًا، إلا أن هذا التطور لم يستطع أن يحتوي الأفكار المتباينة التي ظهرت، وذلك لظروف سياسية فضلاً عن ظروف تكوين الجماعة ونظرًا لما التزم به "التلمساني" من حرص على تكوين التنظيم فقد عجز الجميع عن إنقاذ البلاد من كارثة محققة تمثلت في الأفكار المتشددة التي ظهرت في ذلك الوقت وأعادت جماعة "الإخوان المسلمين" نفسها إلى الواقع السياسي بالمعنى الدقيق وأنقذت نفسها من أن يتسرب إليها مثل هذا الفكر، إلا أنها أيضًا لم تشارك بصورة جادة أو حقيقية في مواجهة هذه الأفكار بالقول أو بالعمل على الأقل لعدم رغبة النظام في أن تقوم الجماعة بدور "المرشد" للحركات الإسلامية فضلاً عن أن النظام المصري كان حريصًا على إبعاد الإخوان المسلمين عن الدور القيادي في المجتمع المصري.
بل إننا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا إن جماعة "الإخوان المسلمين" قد كانت هدفًا في ذلك الوقت لكل هذه الحركات وأنها عجزت حتى عن حماية نفسها في بعض الأوقات من الاعتداءات التي وصلت إلى حد الاعتداء باليد من قبل هذه الحركات.
أما القسم الرابع فهو عبارة عن مجموعات اتخذت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة يظهر فيها التغيير باليد وبالقوة واضحًا، فكانت على هذا النهج "الجماعة الإسلامية" بأسيوط والجماعات الإسلامية التي ظهرت في مختلف أنحاء الجمهورية.
واتسمت هذه الحركات الأخيرة باتخاذها طريقًا عنيفًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستطاعت أن تجتذب الكثير من الشباب المتحمس في ذلك الوقت، وكان من تطور مجموعات هذه الحركة المجموعة التي قامت بتكوين الخلية الأولى لفكرة الجهاد وقضية مقتل السادات.
ومن الغريب أن هذه المجموعات الرئيسية قد تفرع عنها أكثر من مئة وعشرين جماعة صغيرة مثل جماعة "شوقي الشيخ" والتي يطلق عليها اسم "الشوقيون" ونسب إليها أحداث قرية "كحك" بمدينة الفيوم وجماعة "الملواني" بالوجه القبلي وجماعة "التوقف والتبين"... وجماعة كثيرة وعديدة كانت فترة السبعينات قد أفرختها بحكم المناخ السائد وقتئذ.
ونختم المقدمة بسؤال: لماذا هذا الكم الضخم من الجماعات في فترة السبعينيات؟ والإجابة واضحة، فالسياسة الأمنية كانت تدور حول منهج القضاء على ما هو قائم وليس منهج التوقع بما سيكون.
فلما قرر السادات استخدام المعسكر الإسلامي في حربه ضد المعسكر اليساري، وترك المناخ مفتوحًا لهذا التيار الإسلامي، تعاملت الأجهزة الأمنية وفق سياسة "كف الأيدي" بما يخدم الرؤية السياسية للنظام الحاكم، فتركت الساحة لهذه المجموعات، واكتفت بالمراقبة من بعيد، حتى إذا قرر النظام استخدام بعضها لضرب الآخر، كانت الأجهزة الأمنية مستعدة للتعامل مع هذه المجموعات، وهو ما حدث تفصيلاً مع جماعة شكري مصطفى "التكفير والهجرة" ثم مع تنظيمات تالية مثل الجماعة الإسلامية والجهاد.. ثم الإخوان المسلمين، وتنفرد صفحات هذه الموسوعة بكشف سيناريوهات التعامل الأمني معها، وهي سيناريوهات لم تكن للسياسة الأمنية الكلمة العليا فيها دائمًا، بل أحيانًا كانت صاحبه رد فعل لا أكثر، لأن زمام الأمور كان قد أفلت من يدها واستطاعت هذه الجماعات والتنظيمات على اختلافها أن تبني لنفسها هيكلاً منظمًا لم تكن ملفات الأمن تعلم عنه شيئًا، رغم أن أكثرها تم تشكيله تحت سمعها وبصرها في السجون والمعتقلات!!
ونعود إلى القسم الأول من الحركات والذي انخرط فيه مجموعات من الشباب أطلقت على نفسها اسم "جماعة المسلمين" وأطلق عليها الإعلام المصري في ذلك الوقت "جماعة التكفير والهجرة".
وهذه الجماعة تحديدًا هي بطلة الأحداث التي سوف نتحدث عنها في ذلك الكتاب.
ثم نبدأ بعدها في قضايا "الجماعة الإسلامية" من أول طريقها مرورًا بأيام سجنها الطويلة وانتهاءً بالمراجعات الفكرية التي قاد حركتها قادة هذه الجماعة وعلى رأسهم "كرم زهدي" و"ناجح إبراهيم" و"عصام دربالة" وغيرهم.. إلا أننا وقبل أن نمر بأحداث 1981م والتي هي أحداث اغتيال السادات التي صنعتها "الجماعة الإسلامية" بالاشتراك مع جماعة "الجهاد" لابد لنا وأن نقف مع محطة هامة في عام 1979م وهي محطة قضية "الجهاد الصغرى" وذلك في الحلقات القادمة من الموسوعة إن شاء الله.
إلا أننا نجمل الصورة التي كان عليها الواقع السياسي الإسلامي في الفترة ما بعد قضية "الفنية العسكرية" "الجزء الأول من الموسوعة" وحتى عام 1979 في عدة ملامح.. كان منها:
أ تعدد الجماعات الإسلامية بصورة فاقت كل تصور وظهور مجموعة من القيادات الدينية "السلفية" المنظمة وغير المنظمة مثل "أسامة عبد العظيم"، "محمد الدبيسي"، "محمد إسماعيل"، وغيرهم ومن الإخوان المسلمين مثل "عبد المتعال الجبري"، "نصر عبد الفتاح"، "محمد حسين"، وغيرهم ومن الحركة الإسلامية الشبابية "عصام العريان"، "عبد المنعم أبو الفتوح"، "حامد الدفراوي" و"وجدي غنيم"، وغيرهم.
ب اتسمت الساحة السياسية الإسلامية بالالتهاب الشديد والحماس غير المنظم وظهرت روح التحدث للغرب بعد ظهور عدة كتب زادت شعبيتها بمرور الأيام مثل كتاب "قذائف الحق"، "أحجار على رقعة الشطرنج"، "لعبة الأمم" وكذلك بعض الكتيبات شديدة اللهجة مثل كتاب "قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام وأبيدوا أهله".
ت غاب الدور الأمني وغابت معه السياسية الاستراتيجية الحكيمة.. وعمدت الدولة إلى ترك حالة من الفوضى بصورة عمدية حتى أن كثيرًا من القضايا المتعلقة بالاعتداء على الأشخاص والأرواح تم حفظها ولم تكن أحداث "الزاوية الحمراء" "الفتنة الطائفية الكبرى" إلا نتيجة لهذا المناخ وسوف نتعرض لها في الجزء الثالث من هذه الموسوعة التاريخية.
ث ظهور حركة "التكفير والهجرة" بصورة عملاقة.. أكبر من حجمها الواقعي أو السياسي وأكبر حتى من حجم المعرفة السياسية لدى مؤسسها "شكري مصطفى" إذ قام بتأسيس هذه الجماعة عقب خروجه من المعتقل في عام 1971م وأعلنت الجماعة مبادئها وأصولها العقائدية في تكفير المسلم بالمعصية والحكم على المجتمع بالجاهلية.
التحولات الكبرى التي شهدتها بعض الجماعات الإسلامية، مثل فوز أعضاء الجماعة الإسلامية بكامل عضوية الاتحادات الطلابية في العديد من جامعات مصر، في الوقت الذي نجحت فيه جماعة الإخوان المسلمين في استقطاب عشرات القيادات من الجماعة الإسلامية في مقدمتهم خيرت الشاطر وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي.. وكان ذلك في عام 1977م. وهو نفس العام الذي شهد مقتل الشيخ الذهبي على يد جماعة التكفير والهجرة.. وفي ذلك وضوح تام لما كانت عليه الساحة، وما كانت عليه تلك الجماعات فيما بينها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.